تراجع تدخل الولايات المتحدة الأمريكية في القضية
الفلسطينية، واستسلمت إدارة أوباما للرؤية الإسرائيلية وطريقة نتنياهو الرافض لمشروع التسوية والذي يقود حكومة متطرفة تريد السيطرة على
القدس وإنهاء الوجود السياسي للفلسطينيين. فأوباما لم يعد يتطرق للقضية الفلسطينية، وقدم اهتمام إدارته بالملف السوري واليمني وإدارة الصراع الطائفي المحتدم في المنطقة.
انتفاضة القدس وسكاكين الشبان حشرت نتياهو في مأزق أمام حكومته وجيشه وجمهوره المتطرف، فاستعان بالإدارة الأمريكية غير المنسجم معها. وكانت تحركات مركزة تهدف لاحتواء الانتفاضة والضغط على السلطة وإبقاء الحال على ما هو عليه قبل أول عملية طعن قام بها الفلسطينيون، ولهذا تمت صياغة تفاهمات إسرائيلية أمريكية بشهادة أردنية لإجبار الفلسطينيين عليها، ونصت على محافظة إسرائيل على الوضع الراهن في
الأقصى قولا وفعلا، مع وضع كاميرات أردنية - إسرائيلية مشتركة لمراقبة الأوضاع في الاقصى، واحترام دور خاص للأردن الأقصى كراعية له ووقف التحريض المتبادل الفلسطيني والإسرائيلي.
من الواضح ومن المعلوم والمعلن أن الولايات المتحدة تهدف فقط لإسكات الانتفاضة وإعادة الهدوء للقدس والضفة، ولهذا كيري لا يفكر مثلا بتحريك عملية السلام بسبب رفض الاحتلال ويأس أوباما وتراجع اهتمامه، ولأنه لم يتبق لإدارته مدة كافية، حيث يستحيل أن تنجز شيئا ملموسا في عام لم تحققه في سبعة أعوام.
والسؤال المقلق: هل يمكن لهذه الجهود إيقاف الانتفاضة، خصوصا أنها لم تقدم للفلسطينيين أفقا سياسيا يمكن معه تحسين واقعهم ومنحهم أملا للارتكاز عليه؟ وهل السلطة قادرة على ذلك؟ باعتقادي بواعث انطلاق الانتفاضة ما زالت موجودة، وتتركز حول أطماع الاحتلال في المسجد الأقصى واستمرار انتهاكه والتفكير بتقسيمه، بل وهدمه وبناء الهيكل، حتى أن كيري، من خلال خطاباته ومحاضره الرسمية، لا يصف الحرم القدسي إلا بالهيكل، وهذا دليل تفهم الولايات المتحدة للمخططات والأطماع والجرائم الصهيونية. كما أن المستوطنين الصهاينة ما زالوا منفلتين في
الضفة يعربدون ويبطشون ويحرقون ويقتلون، ويهددون الوجود العربي، بالإضافة للأزمة العربية وانشغالها في واقعها المعقد، مع انهيار أي أفق للسلام أو قبول بأدنى الحقوق الفلسطينية.
لهذا حراك كيري ونشاطه الطارئ لن ينهي الانتفاضة، وقد يضعفها فترة من الزمن لتعود أقوى وأشد، خصوصا إذا ما لاحظنا كمية العمليات الفردية العفوية وكثافتها واستمراريتها لفترة من الزمن، وهي مؤشر واضح للمستوى الذي وصل إليه شعبنا من التحدي، ولطبيعة الجيل الجديد الأكثر تشربا للقضية وتماسكا بحقوقه واستعدادا للتضحية من كل التوقعات والمخططات.
كما أن السلطة الفلسطينية تتنازعها داخليا أطراف مختلفة، وهناك جزء كبير في حركة فتح يريد الانتفاضة ويدعمها ووصل لعبثية المشهد السيسي، وهؤلاء يتحملون مسؤولية الدور الطليعي الهام في دفع المرحلة للأمام. كما أن نتائج ما حققته الانتفاضة من حراك وخطوات إسرائيلية، وإرباك للجيش، وزيادة مأزق حكومة نتنياهو، وقوة التأثير على مزاج الجمهور الصهيوني، يؤكد ضرورة استمرارها وتطورها حتى تحقيق أهداف مرحلية، وتهيئة البيئة للتحرير الكامل.