نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" يوم أمس تقريرا لجون ريد، حول حركة
المقاطعة وسحب الاستثمارات، وفرض العقوبات من حركة "بي دي إس"، يقول فيه إن
إسرائيل ليست في حالة حرب، ولكن سياسييها يبدون وحدة غير معهودة في معاداتهم لتهديد يرون أنه خطير على بقاء الدولة اليهودية، هذا التهديد هو حركة "بي دي إس"، التي هي عبارة عن مظلة لحملة على غرار حملة مقاطعة الأبارتايد في جنوب أفريقيا.
ويشير التقرير إلى أنه مع مرور عقد على تأسيس الحركة، التي كانت رسالتها عزل إسرائيل اقتصاديا؛ بسبب احتلالها لأراض
فلسطينية، فيبدو أن هذه الرسالة حصلت على زخم كبير في الأسابيع الماضية، حيث كان هناك عدد من المنظمات الأهلية التي صوتت ضد إسرائيل، وكذلك فإن الخلاف مع نتنياهو وشكره شركة "أورنج" للهاتف النقال، أعطيا انطباعا بأن حركة "بي دي إس" أصبحت قوة يجب أن يحسب حسابها.
ويذكر الكاتب أن القيادات الإسرائيلية، التي كانت في الماضي لا تهتم بحركة "بي دي إس"، تقوم بالحديث عنها بلغة تصلح لأن تكون لمعركة عسكرية، فقد قال نتنياهو أمام مؤتمر ضد حركة "بي دي إس"، نظمه المليارديران اليهوديان شلدون أديلسون وحاييم سابان، حيث جمعا عشرات ملايين الدولارات: "إن عملية نزع الشرعية يجب محاربتها، وأنتم على الجبهة"
وتورد الصحيفة أن المعارض (يمين وسط) يائير لابيد وصفهم بأنهم "عدو خارجي"، بينما وصفهم إسحاق هيرزوغ (يسار وسط) بأنهم يشكلون "انتفاضة جديدة"، في إشارة إلى الانتفاضتين الفلسطينيتين.
ويجد التقرير أن الشجب من ثلاثة سياسيين تختلف ألوانهم السياسية يعكس مدى قلق إسرائيل من نجاح الحملة، وما يعنيه ذلك النجاح بالنسبة لإسرائيل اقتصاديا، كما أن هناك مخاوف من أن تؤدي الحملة إلى عزلة إسرائيل دوليا، وهو ما اعتبرته الصحيفة أمرا مقلقا جدا لإسرائيل، خاصة أن علاقتها مع أفضل حليف لها تعاني من التوتر.
ويلفت ريد إلى أن حملة نتنياهو الانتخابية في شهر آذار/ مارس، أعطت حركة "بي دي إس" زخما، وخاصة أن خطابه السياسي كان موجها لليمين المتطرف، مستغلا الوجود العربي في إسرائيل، والتخويف من أن قوتهم الانتخابية في تزايد، مشيرا إلى أن معارضة نتنياهو إقامة دولة فلسطينية تسببت بنقد لاذع من البيت الأبيض.
وتبين الصحيفة أن نتنياهو عاد بعد انتخابه، وقال إنه يؤيد حل الدولتين، ولكن حلفاء إسرائيل في العالم يشكون في أن ذلك قد يحدث قريبا. فحتى الجمهورية التشيكية، التي تعد الأقرب لإسرائيل في أوروبا، قد حذرت هذا الأسبوع أنها لا تستطيع أن تعد بالدعم، وأن إسرائيل تنحدر نحو حكم الأقلية الذي كان موجودا في جنوب أفريقيا.
وينقل التقرير عن ناشطي الـ"بي دي إس" قولهم إن غياب أفق الحل يزيد من أهمية طرحهم بأن الحل الوحيد هو الضغط
الاقتصادي المنسق على إسرائيل لتغير من تصرفاتها. فيقول الناشط الفلسطيني وأحد مؤسسي الحركة عمر البرغوثي: "نحن نكسب القلوب والعقول في أنحاء العالم، بالرغم من الهيمنة التي تحظى بها إسرائيل بين الحكومات في أمريكا وأوروبا".
ويوضح الكاتب أن الصراع الفلسطيني مع إسرائيل يدخل مرحلة جديدة بحملة المقاطعة المتنامية، حيث يطرح كل فريق حججه، ولكن ليس عن طريق الدلوماسيين والرؤساء، ولكن عن طريق فريق ثالث، مثل اتحادات الطلاب والاتحادات الرياضية والكنيسة، على الساحة الدولية.
وتقول الصحيفة إن مؤيدي المقاطعة ومؤيدي إسرائيل يقومون بطرح آرائهم بطريقة انفعالية وهجومية، ويتصارعون حول أسئلة من قبيل: هل تقوم إسرائيل بمحاربة التطرف الإسلامي وحدها إقليميا، والمعادين للسامية دوليا؟ أم أنها هي دولة عنصرية مارقة؟ وهل يحمل الفلسطينيون جزءا من اللوم لبقائهم على وضعهم، أم أن إسرائيل تحمل اللوم لفشلها في تحقيق حل الدولتين على مدى عقدين منذ أوسلو؟
ويشير التقرير إلى أن دفاعات إسرائيل كانت قوية جدا، لدرجة أن البعض يعتقد أن إسرائيل تعطي حركة "بي دي إس" دعاية مجانية، فقد عين نتنياهو جلعاد إردان، وهو عضو بارز في حزب الليكود، وزيرا للمعلومات والشؤون الاستراتيجية، وكلفه بمحاربة حركة المقاطعة. كما أن تسيب هوتوفيلي ُسلمت مهمة محاربة "بي دي إس" كونها نائبا لوزير الخارجية.
وتقول هوتوفيلي لـ"فايننشال تايمز": "كان معادو السامية تقليديا يتهمون اليهود زورا وبهتانا، ونرى أن حركة (بي دي إس) تفعل الشيء ذاته، والدافع واضح جدا وهو: نزع الشرعية عن إسرائيل كونها دولة قومية لليهود".
وينقل ريد عن المسؤولين الإسرائيليين قولهم إن "بي دي إس" تفرد إسرائيل بالشجب، وتهمل دولا أخرى كثيرة يتم فيها انتهاك حقوق الإنسان، مبينين أن مطالبة الحركة بعودة ملايين اللاجئين الفلسطينيين تعني تدميرا لإسرائيل.
ويستدرك التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن حركة "بي دي إس" ترفض هذه النقاط، وتقول إن اتهام إسرائيل لها بمعاداة السامية هو نوع من البلطجة، وذلك لإخماد إي معارضة. مضيفة أن ما تنادي به من حقوق متساوية للجميع لا يهدد إسرائيل بقدر ما هددت به حركة الحقوق المدنية أمريكا أو جنوب أفريقيا.
وتزعم الصحيفة أن حركة "بي دي إس" لم تكن ناجحة بدرجة كبيرة، كما يحب مؤيدوها الادعاء. فبعض صناديق التقاعد وبعض المستثمرين من أوروبا في الغالب قاموا بسحب استثماراتهم من الشركات التي لها علاقة بالمستوطنات اليهودية في الضفة الغربية والقدس، التي يعدها معظم العالم غير قانونية. وفي بعض الحالات انسحبت بعض الشركات بعد أن تم الضغط عليها.
ويفيد الكاتب بأن شركة "فيولا" الفرنسية قامت ببيع معظم أسهمها في إسرائيل لشركة خاصة، وذلك بعد أن وجهت الانتقادات للشركة لمشاركتها في مشروع خط الترام في القدس، كما انسحبت شركة فرنسية من مشروع تلفريك في القدس.
ويذهب التقرير إلى أن معظم إنجازات الحركة رمزية، مثل التصويت في اتحاد الطلاب البريطانيين لدعم "بي دي إس"، الذي رد عليه نتنياهو بصورة حادة، بالإضافة إلى أن اتحاد كرة القدم الفلسطينية كسب دعما في الفيفا.
وتورد الصحيفة أن بعض المنتقدين لنتنياهو يقولون إنه يستخدم الحركة للحصول على الدعم، وهو يريد بناء نمر من ورق لتحريك الشعب الإسرائيلي للنشاط السياسي.
وتختم "فايننشال تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن هناك إشارات بأن مخاوف إسرائيل من "بي دي إس" حقيقية، فقد نشرت صحيفة إسرائيلية اقتصادية وثيقة مسربة تفيد بأن "بي دي إس" قد تكلف إسرائيل 1.4 مليار دولار في العام، ولكن شركة "راند" تعتقد بأن التلكفة ستكون مضاعفة ثلاث مرات، لتصل إلى 47 مليار على مدى عشر سنوات.