انتقد صحفيون وحقوقيون ممارسة السلطات في
مصر "سياسة العصا والجزرة" مع
الصحفيين، وتحول الصحف إلى "بوق مملوك لها، ينقل أخبارها، ويحرص على إرضائها".
واستنكروا "
انتهاكات" السلطة بحق الصحفيين المعارضين أو المنتقدين، وتلفيق التهم لهم، في مقابل إطلاقها الحريات للصحفيين الموالين لها، والمقربين منها.
حرية باتجاه واحد
يقول رئيس لجنة الأداء النقابي في نقابة الصحفيين، علي القماش، إن "امتهان كثيرين
الصحافة؛ لا يعني بالضرورة أنهم يمارسون العمل الصحفي بأبعاده المهنية"، واصفا إياهم بأنهم "يقتاتون بالصحافة، مثلهم مثل صاحب أي حرفة أو مهنة".
وأضاف لـ"عربي21" أن مصر لا يوجد فيها حرية صحافة، وجميع الصحف تفتقر للمهنية، وتهيمن عليها السلطة، موضحا أن "الصحف المصرية لا تهتم بالشؤون الاجتماعية، وإنما هي مؤسسة ربحية بالأساس، وتخدم أهدافا سياسية، وحزبية، ورأسمالية".
وتابع: "هناك حريات باتجاه واحد، وهو الاتجاه المتعلق بأهمية الحرب على الإرهاب، وتجديد الخطاب الديني، وما شابه، وليس هناك اتجاهات أخرى تتناول مشاكل الناس وهمومهم".
ووصف القماش ما فتحه بعض الإعلاميين من ملفات ضد وزارة الداخلية بـ"النيران الصديقة"، مشيرا إلى أن "ذلك لا يعني سوى أمرين؛ استعادة البريق الإعلامي المفقود، أو انقلاب أجهزة الدولة على بعضها البعض".
دور المخابرات
من جهته؛ قال المنسق العام لحركة صحفيين ضد الانقلاب، أحمد عبدالعزيز، إن "الصحافة في مصر كانت هدف الانقلاب العسكري منذ أول لحظة، حيث قام بإغلاق الصحف، ومطاردة الصحفيين، واعتقالهم، ومحاكمتهم".
وأضاف لـ"عربي21" أن "النظام لم يستثن من المضايقات حتى بعض الصحف المؤيدة له، بعد توجيهها انتقادات قليلة إليه"، مشيرا إلى أنه "بالضرورة أن يحمل الصحفي فكر الصحيفة، وقد يكون له أفكار معاكسة".
وبيّن عبدالعزيز أن "خيوط اللعبة الصحفية كلها بيد المخابرات العامة، التي تتحكم في مضمون ومحتوى الصحف المتعلق بالقضايا الرئيسية"، لافتا إلى "دور رجال الأعمال الذين يمولون الصحف، في رسم السياسات التي تتسق مع مصالحهم، وتخدم أهدافهم".
ودلل على قوله بـ"توحيد المانشيتات الرئيسة في جميع الصحف، سواء القومية، أو الخاصة، أو الحزبية"، مشيرا إلى أن ذلك "لم يحدث في أي حقبة سياسية سابقة".
واستدرك عبدالعزيز: "رغم حرص
السيسي على عقد لقاءات مع رؤساء تحرير الصحف باستمرار، إلا أن صدامها المتكرر معه يؤشر إلى تفكك العقد من يده، أو بداية انتقاله لأيادٍ أخرى".
مخبر بدرجة صحفي
بدوره؛ رأى المنسق العام لحركة قوميون وناصريون ضد المؤامرة، سيد أمين، أن الصحافة في مصر تحولت إلى فرع للأجهزة الأمنية "عقب اختراقها من أجهزة الدولة، التي قامت بتعيين آلاف الصحفيين؛ ليكونوا دائما شوكة في ظهر الصحفيين ومواقفهم ومطالبهم".
وقال لـ"عربي21" إن الصحافة في مصر تمر بـ"فلاتر" عدة، وتتحكم فيها أجهزة سيادية، "فالمخابرات العامة هي أكبر صحفي وناشر في مصر، ومعظم الصحفيين ناطقون باسمها".
وأضاف: "الحقيقة أن الفساد في المشهد الصحفي المصري؛ تابع لفساد أكبر في المشهد الإعلامي العام، الذي يشكل جزءاً هو الآخر من حالة فساد أوسع؛ تعيشها كل مؤسسات الدولة دون استثناء".
وعزا أمين اعتقال قوات الأمن الصحفيين، وزجها بهم في المعتقلات، إلى سعي النظام الحالي لـ"إزاحة أي شاهد على جرائمه بحق
المعارضة، وترويع أصحاب الرأي الحر، وتخويف من يفكر في توجيه الانتقاد أو المحاسبة".
علاقة غير سوية
ووصف أستاذ ورئيس قسم الإعلام بجامعة المنيا، حسن علي، الوضع الصحفي في مصر، بأنه "جزء من الحالة الإعلامية المرتبكة، ويعكس الفوضى الملازمة لها، التي خلقت عند القارئ حالة من الملل والغثيان".
وقال لـ"عربي21" إن "الصحافة تمر بأسوأ عصورها بلا مبالغة، وما يحدث فيها مهزلة لا ينبغي السكوت عليها"، ذاهبا إلى أن "الجهلة هم من يتصدرون المشهد الصحفي، ولا دور للنقابة في محاسبة المخطئين، ولا يحال صحفي إلى التأديب إلا بأوامر عليا".
وأضاف أن علاقة السلطة المصرية بالصحافة "غير سوية"، مؤكدا أنه "لا يجوز أن يكون بين الجهتين أي نوع من العلاقات، لأن دور الصحافة مراقبة عمل السلطة، وليس التزلف لها".
وتابع علي: "هناك إشكالات كبيرة في الصحافة المصرية بشأن علاقتها بالسلطة، فالكثير من الصحفيين حولوها إلى علاقة تبعية، تحت مسميات الوطنية، وثورة 30 يوينو، وغيرها مما يضحكون به على الناس، بالإضافة إلى أنها فسدت بسبب تداخل المصالح، وتواطؤها مع النظام في ممارساته وقراراته".
واقع مؤلم
وتؤكد معظم التقارير
الحقوقية سواء المحلية أو الدولية؛ أن الصحافة في مصر تتعرض لضغوط أمنية خطيرة، بحسب مدير مركز هشام مبارك الحقوقي للقانون، مصطفى أبو الحسن، الذي وصف واقع الصحافة بأنه "مؤلم".
وقال لـ"عربي21" إن "السلطات قامت باعتقال كل من وثق الجرائم، من دون تمييز"، مشيراً إلى أن هناك صحفيين "اعتقلوا بسبب انتمائهم ومعتقداتهم، وهو أمر مخالف للقوانين الحقوقية والدستورية".
وذهب أبو الحسن إلى أن "عودة الصحافة لممارسة دورها في كشف الحقيقة وخدمة القارئ، وليس النظام؛ لن يتأتى إلا بتحقيق شعارات
ثورة يناير"، مضيفاً: "سيظل الصحفي الحر يدفع من حريته ودمه، برغم كثرة الأبواق في جوقة السلطة".