كشف قيادي بارز في تنظيم
القاعدة باليمن (
أنصار الشريعة) عن بعض التفاصيل المهمة حول قتال الجيش
اليمني، وجماعة أنصار الله الحوثي، بالإضافة إلى العلاقة مع تنظيم
الدولة الإسلامية وتفاصيل أخرى.
وأجاب نصر بن علي الآنسي أحد أبرز قيادات "أنصار الشريعة" في مقابلة مصورة بثتها مؤسسة الملاحم التابعة للتنظيم قبل أيام، عن أسئلة عدد من الصحفيين اليمنيين والأجانب في مقابلة استغرقت 43 دقيقة.
وبينت مؤسسة الملاحم أن الظروف الأمنية حالت دون حضور الصحفيين لمقابلة الآنسي، والصحفيون هم: الصحفي اليمني معد الزكري، الصحفية ماجي ميشيل من وكالة أسوشييتد برس الأمريكية، غريغوري جونسون كاتب متخصص في شؤون تنظيم القاعدة، وسيم نصر صحفي يعمل لدى شبكة فرانس 24 للأخبار.
الحرب مع أمريكا
أكد نصر الآنسي في إجابته عن أسئلة الصحفيين أن تنظيم أنصار الشريعة يسعى إلى تصحيح المسار الذي بدأه تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن وكان هدفه محاربة "رأس الأفعى" الذي إن قطع فسيموت "الذنب"، ويعني الأنظمة العربية، وفق تعبيره.
وأشار الآنسي إلى أن أمريكا تسعى لإعادة زمن "الحرب بالوكالة" عبر تسييرها للجيوش العربية وبعض الجماعات الأخرى لقتال "المجاهدين"، موضحاً أن تنظيم القاعدة هو الوحيد الذي جرَّ أمريكا إلى حرب برية ندمت عليها.
وبحسب الآنسي فإن الغارات الجوية التي يشنها الطيران الأمريكي بين الفينة والأخرى على معاقل أنصار الشريعة باليمن زادت من شعبية التنظيم بين المواطنين اليمنيين، حيث تحولت قضية أمريكا والقاعدة إلى قضية أمريكا والشعب اليمني والقاعدة، الأمر الذي دفع الأمريكان والحوثيين إلى قتال القبائل، والقاعدة وفق قوله.
ودعا الآنسي جميع الفصائل الجهادية إلى ضرورة التوحد في قتال الجيش الأمريكي وضرب مصالحه، داعياً في الوقت ذاته إلى عدم إهمال جبهات القتال ضد الجيوش العربية في المعارك القائمة (يعني سوريا واليمن).
وحذرت أمريكا من أن المسلمين لن ينسوا الجرائم التي ارتكبت بحقهم، مشيراً إلى أن تنظيم القاعدة لن يجعل أمريكا تهنأ وسيعيد أمجاده لقهرها.
الحوثيون
على خلاف المتوقع اعتبر الآنسي أن الأحداث الأخيرة التي جرت في اليمن كان الرابح الأكبر فيها هم "مسلمو اليمن والمجاهدون" معتبراً أن جماعة الحوثي كانت هي الخاسر الأكبر، بحسب تعبيره.
وأوضح الآنسي أن انحياز القاعدة عن مدينة العدين وغيرها من المدن، ودخول الحوثي فيها دون طلقة واحدة لا يعتبر خيانة، وتخاذل من القبائل التي تسكن تلك المناطق، مضيفاً: "أنصار الشريعة لها طريقة خاصة في القتال، وكذلك القبائل لهم طرقهم، ولا نخوِّنها أو نحمِّلها مسؤولية سقوط بعض المدن في يد الحوثي".
وأكمل: "نفضل توغل الحوثي في مدننا ليسهل علينا استهدافه في العمق، بحيث لا يكون له أي مفر من ضربات المجاهدين وأبناء القبائل".
وبين الآنسي أن جماعة الحوثي تسعى بكل الوسائل إلى عقد اتفاق يقضي بوقف الاقتتال بينها وبين القاعدة والقبائل والانسحاب من المناطق القبلية نظراً للهزائم التي تكبدوها، حيث قتل منهم في معركة رداع لوحدها ما بين 1500 إلى 2000 مقاتل.
وفي سياق متصل كذَّب الآنسي صور جثث الأفارقة التي عرضتها وسائل إعلام تابعة للحوثيين على أنهم من القاعدة، موضحاً أن الجثث تعود لطلاب العلم الذين قدموا من إفريقيا إلى مدينة دماج التي شهدت معارك فظيعة بين "السلفيين العلميين" وبين جماعة الحوثي قبل أشهر.
الحوار مع الحكومة
ورداً على سؤال أحد الصحفيين حول مدى قابلية أنصار الشريعة للحوار مع الحكومة، قال الآنسي: "الأصح هو تحويل السؤال إلى مدى قابلية الحكومة للحوار مع القاعدة"، مضيفاً "رحبنا قبل سنتين بوساطة بعض العلماء بيننا وبين الحكومة، وبعد تقديم شروطنا رفض الرئيس عبد ربه هادي استقبال العلماء، وكان رده هو قصفنا مع الأمريكان بالطيران".
ونوه الآنسي إلى أن جميع شروط القاعدة للحوار مع الحكومة اليمنية تنبثق من قضيتين أساسيتين هما: (تحكيم الشريعة، ووقف التدخل الأمريكي والأجنبي في اليمن).
وتابع: "عند تنصيب رئيس جديد، أو رئيس حكومة جديد يسارعون إلى إطلاق تصريحات لطمأنة أمريكا أنهم سيقاتلون القاعدة، فهل مثل هذه الحكومة قادرة على استيعاب مطالبنا؟".
وقال الآنسي إن إصرار الحكومة على قتال القاعدة، وقراراتها المنبثقة من توجيهات الولايات المتحدة الأمريكية، لم تدع مجالاً للشك لدى المواطنين اليمنيين أن الحق مع أنصار الشريعة والقبائل، وفق قوله.
حلف أمريكي سعودي حوثي حكومي
بين الآنسي أن الحرب الأخيرة في اليمن لم تكن مثلما صورها الإعلام بين الحوثيين والقاعدة فقط، موضحاً أنها كانت بين الحوثيين، الجيش، الحرس الجمهوري، أمريكا، السعودية، وحزب المؤتمر الحاكم بزعامة المخلوع علي صالح من جهة، وبين أبناء القبائل "المسلمة"، والمجاهدين من جهة أخرى، وفقاً له.
وكشف الآنسي أن طريقة التنسيق بين أمريكا وحاملي شعار "الموت لأمريكا" أي الحوثيين ضد القاعدة تشبه طريقة المناورات العسكرية، حيث يقوم الحوثيون باستدراج أنصار الشريعة لمناطق مفتوحة، حتى يتسنى للطيران الأمريكي قصف تجمعاتهم.
وقال الآنسي إن الحكومة السعودية قامت بدعم الحوثيين بطريقة غير مباشرة، حيث دعمت الرئيس المخلوع علي صالح الذي تحالف بشكل لا يخفى على أحد مع الحوثيين ضد أهل اليمن، وفق قوله.
وأكمل "موقفنا من الحكومات العربية المتعاونة مع أمريكا والحوثيين، هو مثل موقفنا تجاه أمريكا، ونستشهد بذلك بمواقف الرسول محمد عليه الصلاة والسلام من القبائل المتعاونة مع قريش، حيث عاملها معاملة كفار قريش رغم عدم اعتدائها المباشر على المسلمين".
عملية شرورة
بين نصر الآنسي أن عملية شرورة التي نفذها مقاتلون من أنصار الشريعة واستهدفت مبنى المخابرات في محافظة شرورة السعودية المحاذية للحدود مع اليمن، أتت كرد طبيعي على سياسات الحكومة السعودية في الحرب على "المجاهدين"، واعتقال العلماء والنشطاء، إضافةً إلى الخطوة الاستفزازية التي نفذتها ممثلة في اعتقال النساء.
وتابع "نائب القنصل السعودي في صنعاء رهينة لدينا منذ سنوات، لكن حكومة آل سعود تخلت عنه رغم خدمته لهم، وضربت بمطالبنا بالإفراج عنه بعرض الحائط، فكانت عملية شرورة باستهداف مبنى المباحث المسؤول المباشر عن اعتقال العلماء والنساء هو أقل رد ممكن أن يحصل تجاه الحكومة السعودية".
القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية
حاول نصر الآنسي الحفاظ على اللغة الهادئة تجاه تنظيم الدولة رغم إعلان الأخير تمدده إلى اليمن وبطلان جميع الجماعات المقاتلة وعلى رأسها أنصار الشريعة، حيث دعا قيادة الدولة الإسلامية إلى ضرورة التراجع عن قرار التمدد إلى مناطق لا تخضع لسيطرتها، مما قد يشكل فتنة كبيرة بين المجاهدين مثلما حصل في الشام، وفق تعبيره.
وقال الآنسي إن أوجه الاختلاف بين تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية كثيرة رغم اتفاقهما على ضرورة بناء دولة الخلافة، مبيناً أن "قاعدة اليمن ناصرت "الدولة" في حربها ضد قوات التحالف الصليبي، ولا يعني ذلك التأييد الكامل لهم بكل تأكيد".
ومن أبرز نقاط الاختلاف بين القاعدة والدولة بحسب الآنسي، هو تقديم القاعدة مقاتلة الأمريكيين على مقاتلة المرتدين والشيعة، بينما يرى تنظيم الدولة الإسلامية أن قتال المرتدين والشيعة أولى من قتال الكفار الأصليين.
وأكد الآنسي على موقف أنصار الشريعة من رأيها في عدم وجوب بيعة البغدادي وتمدد دولته إلى اليمن، منوهاً إلى أن جماعة البغدادي في اليمن لم تشن أي عملية ضد الحوثيين أو الجيش.
وحول سؤال أحد الصحفيين عن وجود بوادر خلاف شديد بين أنصار الشريعة وبين الدولة الإسلامية في اليمن، قال الآنسي إنهم لا يرغبون بكل تأكيد في الدخول في صراع جانبي مع أي جماعة سنية، ولا يوجد أي صراع مع جماعة الدولة، مشيراً إلى استمرار سعي أنصار الشريعة نحو عقد صلح بين جبهة النصرة والدولة الإسلامية يكون على أساس شرعي وهو إقامة محكمة شرعية بينهم.
سياسة أنصار الشريعة في القتل
تبرَّأ نصر الآنسي من مشاهد قطع الرؤوس وتصويرها، أو تصوير أي مشهد قتل لأي إنسان معتبراً ذلك مخالفاً لأصحاب الفطرة السوية.
كما اعتبر الآنسي أن عمليات قطع رؤوس جنود من الجيش اليمني وجماعة الحوثي وبثها، هو تصرف فردي من قبل بعض عناصر أنصار الشريعة، واعداً بعدم تكراره.
واعتبر الآنسي أن ما يقوم به جنود تنظيم الدولة من تصوير مشاهد قطع الرؤوس هو مخالف لتعاليم النبي عليه السلام الذي أنكر على بلال بن رباح اصطحابه امرأة وابنتها وإطلاعهم على قتلى المشركين، معتبراً ذلك خروجا عن نطاق الرحمة.
واستذكر الآنسي موقفا حصل بينه وبين مؤسس تنظيم القاعدة أسامة بن لادن الذي أرسله إلى الفلبين وشدد عليه على ضرورة تنبيه "المجاهدين" في الفلبين إلى عدم القيام بتصوير عمليات القتل التي يقومون بها، قائلاً إن جل قيادات الجهاديين المعاصرين أنكروا تصوير العمليات، وقطع الرؤوس.
كما كرر الآنسي اعتذار أنصار الشريعة عن عملية مستشفى العرضي المحاذي لوزارة الداخلية اليمنية، حيث قام أحد أفراد التنظيم بقتل ممرضات من داخل المستشفى بطريقة بشعة، موضحاً أن التنظيم تحمل كامل المسؤولية عن تلك الفعلة بحسب قوله.
القاعدة والقبائل
أشار نصر الآنسي في مقابلته إلى أن العلاقة بين تنظيم القاعدة والقبائل اليمنية جيدة جداً، مبيناً أن الحرب الأخيرة ضد الحوثيين أثرت بشكل إيجابي على العلاقة التي تطورت بشكل كبير.
كما أوضح الآنسي أن تنظيم أنصار الشريعة الذي يتبع سياسة طيبة تجاه المواطنين الذين أصبحوا يتعرفون بشكل أكبر على مشروع التنظيم وأهدافه.
وفي نهاية المقابلة كشفت مؤسسة الملاحم الإعلامية عن بثها قريباً لمقابلة أخرى لنصر الآنسي يجيب فيها عن 30 سؤالا من صحفيين عرب وأجانب أيضاً، كما وجهت المؤسسة شكرا للصحفيين المشاركين في طرح الأسئلة رغم وجود غير مسلمين بينهم مما يدل على سياسة جديدة تتبعها قاعدة اليمن تجاه الإعلام.
اللافت في مقابلة نصر الآنسي هو عدم تطرقه إلى الحديث عن حزب الإصلاح اليمني (الإخوان المسلمين)، وعن آلية العمل المشترك بينهما إن وجد، كما لم يتحدث الآنسي عن منصبه الرسمي في أنصار الشريعة.
يشار إلى أن نصر بن علي الآنسي أحد أقدم الجهاديين العرب، حيث شارك في جميع الحروب التي شهدت حضور مقاتلين عرب، وهي (البوسنة، كشمير، الشيشان، أفغانستان، الفلبين)، قبل أن يعود إلى اليمن بعد أحداث سبتمبر ليكمل دراسته في جامعة الإيمان التي يملكها الشيخ عبدالمجيد الزنداني أحد قيادات جماعة الإخوان المسلمين في اليمن.