في الوقت الذي أعلنت فيه عدة دول غربية إغلاق سفاراتها في القاهرة، احتجاجا على تخفيف
إجراءات تأمينها وعلى رأسها فتح الشوارع المحيطة بها، ترفض الحكومة
المصرية تشديد تلك الإجراءات الأمنية أو حتى إبقاءها على ما كانت عليه، متذرعة بحكم قضائي كان يمكنها تجاهله بمنتهى البساطة.
وأقام محام مصري يدعى سمير صبري
دعوى قضائية ضد
وزير الداخلية ومحافظ القاهرة لامتناعهما عن تنفيذ حكم قضائي بفتح الشوارع المحيطة بالسفارتين الأمريكية والبريطانية.
لكن هذا المحامي المثير للجدل معروف عنه إقامة دعاوى قضائية بالجملة على كل خصوم النظام المصري بدءا من السياسيين والحقوقيين والفنانين وانتهاء برؤساء الدول الأخرى، ما يعني أنه رجل النظام الوفي ولا يتحرك إلا بأوامره، وهو الأمر الذي أثار شكوكا حول دوافعه الحقيقية.
وكان جيران تلك
السفارات قد أقاموا دعاوى قضائية تطالب بفتح الشوارع المغلقة لدواع أمنية حول السفارات وحكم القضاء لهم منذ أسبوع بفتحها، وهو ما لاقى معارضة من السفارات.
أسباب غير مقنعة
وخرج المحامي سمير صبري الأربعاء في شجاعة غير معتادة، عبر مداخلة مع قناة "صدى البلد" - مهددا وزير الداخلية بأنه سيسجنه إذا لم يعيد فتح الشوارع المحيطة بالسفارات الأجنبية امتثالا لأحكام القضاء، بحجة أن سكان تلك المنطقة منزعجون من إجراءات التأمين المتبعة التي تسببت أيضا في خسائر مادية لأصحاب المحال التجارية.
لكن هذه الأسباب لا قيمة لها في بلد ظلت خطوط السكك الحديدية متوقفة فيه لأشهر طويلة بعد فض اعتصام رابعة بحجة الداوعي الأمنية، كما تغلق الميادين ومحطات المترو لفترات طويلة دون أن يجرؤ أحد على المطالبة بفتحها.
بل إن النظام المصري قرر بين عشية وضحاها تهجير آلاف السكان على الشريط الحدودي مع قطاع غزة وتدمير منازلهم لحفظ الأمن القومي، وهو الإجراء الذي صمت مؤيدو النظام عليه بل باركوه وطالبوا بالمزيد!.
فضلا عن أن الحكومات المصرية المتعاقبة لها سجل طويل في عدم احترام أحكام القضاء وعدم تنفيذها، وبالتالي فلن يرغمها هذا الحكم لرفع الحواجز الأمنية من الشوارع المحيطة بالسفارات إذا لم تكن ترغب هي في ذلك.
لن نفتح الشوارع
وبدلا من تهدئة مخاوف السفارات الأجنبية، بادرت الحكومة المصرية بالرد على هذا الموقف بحدة متهمة الدول الغربية بابتزاز مصر، كما شنت وسائل الإعلام الموالية للنظام حملة ضد الدول التي أغلقت سفاراتها واتهمتها بالتآمر على أمن البلاد بتحريض إخواني تركي قطري أمريكي!.
وأعلن وزير الخارجية المصري سامح شكري، بشكل صريح، أن الحكومة لن تتخذ أية إجراءات تتعارض مع حريات المواطنين القاطنين في محيط السفارات الأجنبية، في إشارة لإعادة غلق الشوارع المحيطة بها ، مشيرا إلى أن الاستجابة لطلبات السفارات يتم وفقا لتقدير وإمكانيات السلطات المصرية.
وقال شكري خلال مؤتمر صحفي الأربعاء، إن بلاده تقوم بتأمين السفارات الأجنبية في القاهرة على أتم وجه، مشيرا إلى أن مصر وفرت المزيد من الحماية للسفارات حسب إمكانياتها وطبقا للاحتياجات.
وشدد على أن الحكومة لا تقبل فرض أي شروط عليها من أي جهة، وأن اتصالات تجري مع السفارات التي أغلقت أبوابها لتوفير التأمين اللازم لها وطمأنتها.
وطالبت السفارة الأمريكية في القاهرة الأربعاء، رعاياها في مصر بالحذر من أعمال عنف ضدهم على خلفية نشر تقرير لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الذي أوضح ارتكاب المخابرات الأمريكية لجرائم تعذيب بشعة بحق معتقلين إسلاميين.
كما أعلن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أن غلق السفارة البريطانية في القاهرة يرجع إلى أن بلاده تواجه الآن أكبر تهديد أمني في زمن السلم.
تغيير كلاب الحراسة
وكان مسؤلو السفارة البريطانية قد عقدوا الاثنين اجتماعا مع مساعد وزير الداخلية وأبلغوه مطالب محددة لتأمين مقر السفارة على رأسها عدم فتح الشوارع المحيطة بها، كما طلبوا منع توقف أي سيارة على مسافة 30 مترا من مبنى السفارة.
لكن الحكومة المصرية تحججت بأنها توازن بين الإجراءات الأمنية المطلوبة لحماية السفارات وبين مصالح المواطنين، الغاضبين من غلق شوارع بأكملها في منطقة جاردن سيتي بوسط القاهرة التي تقع فيها السفارات.
والمتابع لبيانات وزارة الداخلية وتصريحات المسئولين الأمنيين يجدها تتجاهل تماما أي ذكر لمسألة غلق الشوارع المحيطة بالسفارات، بينما يتحدثون فقط عن زيادة أعداد الجنود وتفتيش السيارات، حتى أن الوزارة أعلنت أنه تم تغيير الكلاب المخصصة للبحث عن المفرقعات أمام السفارة البريطانية بكلاب أخرى أكثر كفاءة تحسبا لأية أعمال إرهابية!.
وتعليقا على هذه الأوضاع، قال المهندس حاتم عزام نائب رئيس حزب الوسط إن إغلاق السفارات وتحذير الرعايا الأجانب في مصر يشير إلى احتمال حدوث أمر جلل تعلمه مخابرات هذه الدول مسبقا.
بينما رجح محمود فتحي، رئيس حزب "الفضيلة"، أن يكون غلق السفارات إشارة إلى أن هناك هجمات تفجيرية محتملة ينوي قيادات متصارعة داخل السلطة الحالية تنفيذها قريبا.