في تقرير لمراسلة هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) أورلا غيرين، عن الثورة
المصرية التي أصبحت "ذكرى بعيدة"، وبثته القناة الثانية (بي بي سي2) ليلة الثلاثاء. وجاء فيه "إن رغبت في التعرف على ما جرى لثورة 2011، التي أهبت مشاعر المصريين، وأزاحت حسني
مبارك عن السلطة، يمكنك التحدث لقادتها، لكن بعضهم أصبح في المنفى، والبعض الآخر في السجن".
وتقول الكاتبة إن الناشطة الليبرالية أسماء محفوظ، التي حصلت على جوائز، لا تزال طليقة ولكنها ليست حرة، فقد منعت في الفترة الأخيرة من السفر خارج البلد. وتقول "النظام أصبح معاديا للثورة، ويحاول محوها من التاريخ"، وهو رأي يوافقها عليه الكثيرون.
ماذا حدث لميدان التحرير؟
يشير التقرير إلى أنه في يناير 2011 كان عمر أسماء (26 عاما)، وساعدت في الحشد للثورة من خلال نداء وجهته عبر شريط فيديو، جاء فيه "أنا، فتاة، وسأذهب لميدان التحرير وسأقف وحدي، وسأقول لا للفساد لا لهذا النظام، تعالوا معنا وطالبوا بحقوقكم"، وبعد أسبوع تدفق الكثيرون إلى ميدان التحرير.
ويتابع أنه بعد حوالي أربعة أعوام تقول محفوظ إن الوضع أسوأ مما كان عليه قبل ثلاثة عقود. وتقول "عندما تظاهرنا في ظل حكم مبارك كنا نُضرب في الشارع، وأحيانا كنا نُعذب، أما اليوم فالناس يقتلون وبطريقة بشعة"، واصفة نظام عبد الفتاح
السيسي بـ "النظام الذي يسحق كل شخص يعارضه، وحتى من يفكر بالمعارضة". والتقت غيرين بمحفوظ داخل بيت مغلق، فقد تعرضت هي وبقية الثوريين للتهميش، ويصورون في الإعلام المصري أعداء للدولة.
وينقل التقرير عن محفوظ قولها إنه عندما قررت محكمة في القاهرة إلغاء التهم الموجهة لحسني مبارك وعدد من أعوانه بقتل مئات المتظاهرين أثناء الثورة، نظر الكثيرون للحكم الصادر الشهر الماضي بأنه حكم بالإعدام على الثورة.
وتلفت الكاتبة إلى أنه عندما برأت المحكمة مبارك وسبعة من قادة الأجهزة الأمنية شاع الفرح وعلا صوت التصفيق في قاعة المحكمة. وظهرت على وجه مبارك ابتسامة وسط التصفيق والبهجة، وهو الرجل العابس دائما. ورغم أنه يقضي بالسجن لمدة ثلاثة أعوام، إلا أنه في مستشفى عسكري، ويقول محاموه أنه قد يفرج عن ويصبح شخصا حرا.
ويبين التقرير أن المحاكم المصرية فشلت حتى هذا الوقت بتحميل أي شخص مسؤولية قتل 800 من المتظاهرين أثناء الثورة، التي استمرت 18 يوما. وكتب أحد الصحافيين على التويتر إن ما جرى قد يدفع البعض للقول إن القتل لم يكن سوى عملية "انتحار جماعي".
تظاهرات ضد مبارك
وتصف غيرين المشهد بعد ساعات من تبرئة مبارك "خرجت الحشود الغاضبة للشوارع، حيث احتج 2.000 قرب ميدان التحرير، الذي كان مركز ثورة عام 2011. وشاهدنا مجموعة من الليبراليين والإسلاميين وهي تهتف (الشعب يريد إسقاط النظام)، الذي كان شعار ثورة 2011. وأخبرني شاب بوجه بشوش (هكذا بدأت الثورة)، ولم يكد ينهي كلامه حتى انبعثت سحابة من الغاز المسيل للدموع لتملأ هواء الليل الدافئ، وتحركت قوات الأمن بخراطيم المياه، وأطلقت رصاصا من الخراطيش، ما أدى لحالة من الفوضى وسط القاهرة. وسمعنا طلقات نارية من الرصاص الحي، وانطلقنا نبحث عن مكان نختبئ فيه، فعندما تقوم بتغطية الأحداث في مصر عليك أن تركض كثيرا، وفي فوضى تلك الليلة قتل متظاهران، ومن غير المتوقع تحميل أحد مسؤولية قتلهما".
وتجد الكاتبة أن الزعيم الجديد لمصر عبد الفتاح السيسي يستخدم أساليب النظام السابق نفسها، وليس غريبا أن يقوم بإدارة الاستخبارات العسكرية لحسني مبارك. فقد كان هو من أطاح بالرئيس محمد
مرسي، أول رئيس منتخب ديمقراطيا.
وترى غيرين أن حكم مرسي الفاشل قاد لتظاهرات لقيت دعم الجيش، وأطاحت به في تموز/ يوليو عام 2013. وهو ما قاد لشعبية السيسي، وانتخب رئيسا في أيار/ مايو هذا العام، ويقول الكثيرون إنه مبارك جديد، وأحكام الإعدام تحكي القصة. ويتحدث آخر فراعنة مصر بحميمية عن الديمقراطية في الوقت الذي يقوم به بسحق المعارضة، فقد قاد حملة قمع ضخمة ضد المعارضة.
قمع الإخوان
ويورد التقرير أن منظمات حقوق الإنسان تقول إن 1.400 متظاهر قتلتهم الأجهزة الأمنية، فيما تم اعتقال 40.000 متظاهر، معظمهم من الإسلاميين، فيما اعترف مسؤول أمني أن هناك 20.00 اعتقلوا. وتم حظر جماعة الإخوان المسلمين، وصنفت منظمة إرهابية دون تقديم أدلة كافية.
وتقارن الكاتبة ذلك مع الطريقة التي يحاكم فيها مبارك وأعوانه، فقد تم الحكم بالإعدام على جماعة الإخوان المسلمين وبأعداد كبيرة، إذ صدرت أحكام بإعدام 1.400 شخص في محاكمات جماعية كانت آخرها الأسبوع الماضي، حيث حكم عليهم بسبب مشاركتهم في تظاهرات. ومن بين من حكم عليهم بالإعدام أحداث صغار في العمر.
وتوضح غيرين "في هذه الأيام قد تقاد للسجن بسبب مشاركتك في تظاهرة أو لمجرد مرورك من أمامها، فبناء على قانون التظاهر القاسي فأي تجمع يزيد على عشرة أشخاص يتطلب إذنا رسميا من السلطات. وقد حكم على العديد من رموز ثورة 2011 بالسجن؛ بسبب تظاهرهم، ومن أشهر هؤلاء علاء عبدالفتاح. وقال لي عندما التقيته في نيسان/ أبريل (في أسبوع يخترعون اتهامات ضدي، ويخزنها محامي النيابة، والقصد هو إرسالي للسجن ولمدة طويلة)".
وتعلق الكاتبة أن "الدعوة للتغيير تعد أمرا عائليا، فقد حكم على شقيقته سناء (20 عاما) بالسجن ثلاثة أعوام. أما والدتهما ليلى سويف، الناشطة وأستاذة الرياضيات، فتقضي وقتها في المحاكم وزيارات السجن. وتقول إن ابنها وابنتها هما في مأمن في السجن أكثر من الشارع، الذي لا يتورع فيه رجال الشرطة عن إطلاق الرصاص الحي. مبينة أنه (تقريبا يقتل شاب في كل جمعة). وكانت تتحدث في شقتها المليئة بالكتب (في كل مرة تخرج فيها تظاهرات في الجامعات يقتل طالب أو يصاب بعينه، وأسوأ من هذا هناك أعداد كبيرة من الطلاب يختفون، ويظهر بعضهم بعد أشهر، ويتحدثون عن التعذيب)".
المنظمات الخيرية تعاني
ويذهب التقرير إلى أنه ليس الإسلاميون والليبراليون من يعانون من الملاحقة، ويقعون في مرمى نار الشرطة فقط، فمنظمات حقوق الإنسان تواجه قيودا متزايدة وتهديدات بالسجن. فالتعديل الغامض حول الدعم المالي الخارجي للمنظمات غير الحكومية يعني تعرض العاملين في هذه المؤسسات للسجن مدى الحياة. ففي الوقت الذي لا تزال فيه أبواب المبادرة المصرية للحقوق الشخصية مفتوحة، فقد تواجه الإغلاق في غضون أسابيع، مع أن هذه المنظمات المحترمة استطاعت العمل في ظل مبارك ودون قيود.
وينقل الموقع عن الناشط خالد منصور قوله "يريدون السيطرة على النشاطات، والسيطرة على التمويل هي مدخل للسيطرة على النشاطات، ويمكنهم القول لا يمكنك الحديث عن التعذيب أو الحرب على الإرهاب، أو لا يمكنك التحقيق في هذا؛ لأنه يعكر صفو السلام العام".
ويتابع منصور "ماذا يعنون بالسلام العام؟ لم يخبروك أبدا. فالسلام العام هو الصمت العام". وبالنسبة لهذا الناشط الناقد فمصر الجديدة أسوأ من القديمة "في ظل مبارك لم يكن هناك أمل بالتغيير، والأمر السيئ هو أن آمالنا كانت عالية في السنوات الماضية ولكنها تبددت، فهناك كثير من الأشخاص في السجن ويعذبون وأشخاص كثر يسجنون".
تبرير رسمي غير مقنع
وفي زيارة لوزارة الداخلية حصلت الصحافية على رد رسمي على الاتهامات الموجهة للأمن من جماعات حقوق الإنسان المحلية والدولية، حيث قال الجنرال أبو بكر عبد الكريم، مساعد وزير الداخلية لشؤون حقوق الإنسان "تقوم الدولة ببناء نفسها من جديد وإعادة ثقة المواطنين، وأعدت دستورا يؤكد الحرية، ولو أرادت أن تكون دولة بوليسية لما فعلت كل هذا". ورغم تزايد عدد القتلى في الشوارع إلا أن الجنرال عبد الكريم يؤكد أن القوى الأمنية أكثر لطفا في تعاملها مع المتظاهرين من غيرها في أماكن أخرى.
ويضيف عبد الكريم للموقع "عندما يتصرف المتظاهرون بعنف تقوم قوات الأمن بالتصدي لهم حسب القانون، ولا تتعامل الشرطة معهم بعنف كما تتعامل دول أخرى معهم مثلما نشاهد في التلفزيون".
وترى غيرين أن ما يقوله المسؤول ليس سوى تفاخر من بلد يزعم أنه يدعم الديمقراطية، ولكن الكثير من المصريين يدعمون سياسة الحكومة الحديدية مع المتظاهرين، فهم تواقون للاستقرار أكثر من الحرية "لا تتوقع قيام الحكومات الغربية بعمل شيء حول النزعة الشمولية المتزايدة في أكثر بلد عربي سكانا".
فمعاهدة السلام المصرية مع إسرائيل تجعلها حليفا لا يمكن الاستغناء عنه للولايات المتحدة، وفي ظل الفوضى الجارية في ليبيا وسوريا والعراق ينظر لمصر حصنا للاستقرار في المنطقة.
وتختم غيرين تقريرها بالقول "لقد رغب الناشطون بنتيجة مختلفة عندما تجمعوا في ميدان التحرير عام 2011، وأرادوا تحقيق تغيير جذري وإنهاء الاضطهاد. وبدلا من ذلك يقول الكثيرون قد تغير الرئيس لا النظام". وتقول أسماء محفوظ إن مصر تشهد اليوم ثورة مضادة، وكأم لابنة صغيرة فهي تنظر للأمام بخوف "احاول الالتزام بالهدوء وأن أكون متفائلة، ولكن إن استمر الوضع فنحن نسير نحو الظلام، إنهم يحاولون قتل أحلامنا".