اتجهت حكومة طبرق وأيضا قادة عملية الكرامة إلى تصعيد في الخطاب تجاه فجر ليبيا ورافق التهديدَ فعلٌ في إطار محدود. فقد أعلن عبدالله الثني عن قرار حكومته إغلاق موانئ ومطارات سرت ومصراته وطرابلس، وكرر ذلك صقر الجروشي وخليفة حفتر، كما اعتبر الأخير قادة فجر ليبيا وأعضاء المؤتمر الوطني العام أهدافا مشروعة للتصفية.
المفاجئ هو إغارة طائرة على مطار "امعيتيقة" مساء الاثنين وصبيحة الثلاثاء الماضيين دون أن تقع أضرارا بالمطار، حيث أصيب بعض المدنين ولحقت بيوتَهم أضرارٌ متوسطة وخفيفة.
ويمكن أن تُفسر الغارات تفسيرات متناقضة، فالتفسير الأول يقوم على أن التصعيد مدروس ومطلوب باعتبار أنه يأتي في سياق تطورات سياسية وعسكرية مهمة، فعلى المستوى السياسي واجه البرلمان حكما مفاجئًا من قبل المحكمة العليا ببطلان انتخابه، الأمر الذي قاد إلى تعقيدات كبيرة وخلافات حادة بين أنصاره، أبرزت العديد من جوانب ضعف معسكرهم، وتحدث بعض أنصار البرلمان والكرامة عن خطر كبير يواجههم، فجاءت الغارات رسالةً بأن معسكر طبرق متماسك وقوي وقادر على الضرب في عمق معاقل الخصوم.
أيضا يمكن أن تقرأ الغارات ضمن التجاذب بين الأطراف الدولية وممثلها في التواصل، بعثة الأمم المتحدة، وأطراف الأزمة الليبية ومن بينهم معسكر طبرق. فمن غير المستبعد أن تكون الأطراف الدولية قد شرعت في الضغط لفرض تنازلات تفضي إلى إطلاق عملية الحوار وتحقيق توافق وطني، باعتبار أن حكم المحكمة وضع الأطراف الدولية في حرج قد يؤدي رفضه إلى قطع طريق على أي خيار للتقارب وحل الأزمة سياسيا. بحيث تُفسر الغارات بأنها ضمن خطط معسكر طبرق لتعزيز موقفه التفاوضي، أو التأكيد على شرعيته كونه السلطة التي تستخدم القوة لفرض إرادة الدولة ووقف تمرد من تصفهم بـ "الإرهابيين".
على المستوى العسكري، لا يستعبد أن يكون قادة عملية الكرامة قد استهدفوا التصعيد، الذي أخذ مظهر الحشد البري والهجوم الكاسح من قبل القوات المناصرة للكرامة في جبل نفوسة وقادة للسيطرة على "ككلة"، وتطور إلى تحليق طيرانهم فوق العاصمة وبعض المدن القريبة منها المناصرة لفجر ليبيا، وذلك بغرض تحقيق جملة من الأهداف من أبرزها:
- إلهاء قوات فجر ليبيا عن دعم مجلس شورى ثوار بنغازي؛ ليتسنى كسر دفاعات الأخير، ومن ثم السيطرة الكاملة على بنغازي، باعتبار السيطرة عليها خيار استراتيجي يعني الفشل في تحقيقه ربما فشل عملية الكرامة برمتها.
- تأخير أو إيقاف زحف عملية فجر ليبيا في جبل نفوسة، ومنع تقدمها لضرب القوات المناصرة للكرامة.
- إثارة الفوضى وبعث الارتباك في العاصمة، كسبيل لحث من يناصرون عملية الكرامة ويتحفظون على فجر ليبيا من المدنين أو المسلحين للخروج ربما استنساخا لسيناريو 15 أكتوبر في بنغازي.
الوجه الآخر للتفسير وهو الذي ينطلق من وجود ارتباك واضطراب في طبرق بحيث كان قرار الإغارة على طرابلس ردة فعل غير مدروسة، أو مسعى من قبل بعض المتشددين سياسيا لقطع الطريق على الحوار والتقارب الذي تضغط باتجاهه الأطراف الدولية، أو حتى نكاية في العاصمة التي تشهد استقرار نسبيا قياسا بما يحصل في بنغازي، أو مقارنة بالأوضاع التي شهدتها بعض مدن الشرق بسبب الضغوط الناجمة عن نزوح آلاف من العوائل إليها.
وما يعزز هذا السيناريو هو ردود الفعل المتوقعة التي لا يمكن أن تكون في صالح عملية الكرامة ومعسكر طبرق، إذ تعطي هذه الغارات كل المبررات لمعسكر فجر ليبيا للتصعيد، وأهم مظاهر ذلك التعبئة الواسعة، والتعجيل بالحسم العسكري في جبل نفوسة، والقضاء على القوات المناصرة للكرامة هناك، ثم استنفاد كل طاقتها للتعبئة ضد عملية الكرامة في بنغازي.