لا يعرف
المصريون الكثير عن عبد الفتاح
السيسي، وزير الدفاع السابق الذي سيصبح رئيسا لمصر قدر ما يعرفه أحمد سيف، المحامي في مجال حقوق الإنسان والذي قدر له لقاء الجنرال عندما كان مديرا للمخابرات العسكرية في عهد الرئيس السابق حسني مبارك.
حدث هذا في 5 شباط/ فبراير في الأيام الفوضوية التي قادت للإطاحة بمبارك، فقد اعتقل سيف في حملة اعتقالات كانت المحاولة الأخيرة لإعادة الاستقرار للبلاد. وقضى سيف في الحجز 48 ساعة وحقق معه في البداية ضباط يحملون رتبا متوسطة، وفي يوم السبت جاء دور رئيسه عبد الفتاح السيسي، رئيس جهاز الاستخبارات في حينه.
لم يكن اللقاء مرتبا، فقد كان السيسي يمر بجانب المحامي وعدد من المعتقلين، وسأل الضباط "من هؤلاء" وأخبروه، كما يقول سيف لمراسل صحيفة "الغارديان" باتريك كينغزلي "وبدأ السيسي بالتحدث حول الطريقة التي يجب أن نحترم فيها حسني مبارك وقيادة الجيش، وأنه يجب علينا العودة لبيوتنا ومغادرة ميدان التحرير".
ولكن سيف رد على كلام الجنرال مخبرا إياه أن مبارك رجل فاسد مما أثار غضب السيسسي "انفعل واحمر وجهه.. وتصرف بطريقة من يريد كل مواطن احترام وجهة نظره ولا يحق له رفضها أمام الرأي العام".
ويعلق كينغزلي أن هذا الوجه من الجنرال لا يعرفه ولا يعترف به الكثيرون، فقد خرج الجنرال البالغ من العمر 59 عاما من ظل الجيش عام 2012 عندما عينه الرئيس محمد مرسي وزيرا للدفاع. ومنذ تلك الفترة بنى السيسي شخصية رجل لا يتكلم إلا حينما يرى ضرورة للكلام. فلم يسمع به أحد إلا عندما أعلن في 3 تموز/يوليو إنه يريد الإطاحة بالرئيس الذي عينه في منصب وزير الدفاع، وحتى 26 آذار/ مارس وهو اليوم الذي أعلن فيه عن قراره بالنزول للانتخابات "فقد نظر له من خلال ما لم يقله أكثر مما قاله".
وفي الوقت الذي تصدرت فيه صوره السيسي الحملة الانتخابية- حيث علقت صوره في كل شارع من شوارع القاهرة- إلا أن كلماته أو ما قاله لم يترك أثرا. فلم يظهر في الحملات الانتخابية العامة باستثناء مجموعة من اللقاءات الصحافية المسجلة مسبقا وترك مهمة الحديث عن الحملة لمساعديه الذين ظهروا في التجمعات الشعبية والمؤتمرات الصحافية والنقاشات التلفزيونية.
طفولة عادية في الجمالية
وينقل الكاتب عن أشخاص يعرفون السيسي قولهم إن شخصيته العام والتي تظهر نزعة من الهدوء والتقوى والدفء قد تشكلت من خلال الظروف التي عاشها، فقد ولد عام 1954 وهو الثاني بين ثمانية إخوة، ونشأ في حي الجمالية في قلب القاهرة القديمة، ليس بعيدا عن الأزهر وخان الخليلي، حيث عملت عائلته فيه واعتاشت من التحف والارابسيك، واليوم تملك عائلته ثلاث محلات في السوق.
ويزعم ابن عمه على حمامة إن محلاتهم هي الوحيدة في مصر التي لا تزال تصنع الأرابسيك بطريقة تقليدية. ويقول حمامة إن السيسي المرشح تعلم الصنعة ويعرفها.
وخلف القصص التي تحاول تقديم مزايا السيسي، صحيحة أم لا، فالجيران يقولون إنه كان يتميز بضبط النفس والعزلة قليلا ووصفوا شخصيته بالمثيرة للملل.
كان السيسي يذهب للنوم مبكرا ويمشي ويرفع أثقالا عملها بنفسه "لا اعتقد أن هناك قصص مثيرة عنه عندما كان طفلا"، كما يقول قريبه حمامة "كان جادا يلعب الشطرنج ويرفع الأثقال، أما لعبة الاستغماية فلا". كانت عائلته غنية بمقاييس الحي، حيث حققت العائلة ثراء من خلال السياحة وتجارة التحف الفنية ولهذا بنت في الثمانينيات عمارة في مدينة نصر.
كم هي ثروته
ويشير الكاتب للقصص الإيجابية الكثيرة التي يتحدث عنها أهل الجمالية لتصوير العائلة بطريقة جيدة. وتسهم هذه في تقديم صورة غامضة عن الرجل الذي سيصبح رئيسا لمصر، ففي شباط / فبراير نشرت صحيفة "الوطن" التي كانت مؤيدة للسيسي مقالا قدرت فيه الثروة التي ورثها عن والده بحوالي 30 مليون جنيه مصري، وبعد دقائق من نشره اتصل المسؤولون بإدارة التحرير التي قامت بسحبه وأعادت طباعة العدد بدون المقال.
وقدم السيسي تفصيلا للجنة العليا للانتخابات عن رصيده وثروته لكن لن يتم الكشف عنها إلا بعد الانتخابات. وترفض حملته الحديث عن الموضوع وهو ما أدى إلى إثارة الغموض حول شخصيته كما يقول روبرت سيبرنغبورغ المحلل في شؤون الجيش المصري والباحث الزائر في جامعة كينغز- لندن.
ويقول سيبرنغبورغ إنه لو أجبر على إصدار بيان الآن فقد يكون رصيده من العقارات والاستثمارات شرعي، ولكن كما يبدو فأي بيان حول ثروته وحقيقة كونها مخفية تثير أسئلة حول مدى فساده".
في الجيش
ويشير التقرير إلى حياة السيسي في العسكرية، فعندما استقال من الجيش في آذار/ مارس الماضي كانت المرة الأولى التي يعمل فيها خارج السلك العسكري، وخلافا لإخوانه، أحدهم يعمل في القضاء وآخر يعمل في الخدمة المدنية، فقد دخل السيسي الجيش مباشرة بعد الثانوية وبعد تخرجه من الأكاديمية العسكرية تزوج من انتصار التي انجبت له أربعة أولاد وفي الثمانينيات والتسعينيات تدرج في سلاح المدفعية وتلقى دورات في ساي ببريطانيا، وعمل ملحقا عسكريا في سفارة مصر بالرياض، وفي السنوات الأخيرة من حكم مبارك انتقل للمخابرات العسكرية.
وتنقل الغارديان عن زملاء إن تنقل السيسي كان تحضيرا له كي يخلف محمد حسين طنطاوي في وزارة الدفاع. وقالوا إنه قائد جيد ولكنه لديه ميول للعمل في السياسة.
في الفترة ما بين 2005- 2006 أرسل في بعثة دراسية للولايات المتحدة. ويتذكر مشرفه العقيد ستيفن غيراس السيسي بالطالب الجاد.
ذكر حماس
ويعلق كينغزلي أن مرحلة الولايات المتحدة تعتبر مثيرة للجدل بسبب الرسالة التي كتبها والتي تتكون من 11 صفحة "الديمقراطية في الشرق الأوسط" والتي نظر إليها على أنها انتقاد للإسلام السياسي. ومع أنه لم يذكر مصر فيها إلا انه المح للبلد الذي يعيش قادته برفاهية فيما يكافح الناس للعيش. وكتب أن "الإعلام" "سيكون عقبة أمام الديمقراطية حتى يمكن الثقة به ويقدم منظورا أبعد من منظور الحكومة".
ورغم وعيه بهذه المشاكل إلا انه كان يخشى من إنهاء الديكتاتورية بشكل سريع "وهناك أسباب حقيقية تمنع من التحول للديمقراطية بشكل سريع" لأنه يجب تحضير الشعب ولأن العملية تحتاج وقتا.
وفي الرسالة يبدو وبشكل متناقض يدعم ولو تلميحا حق الإخوان المسلمين بالوصول للسلطة، حتى ولو لم يكن الإسلاميون حسب مزاج الغرب " يجب إعطاء الأحزاب المنتخبة فرصة للحكم"، وكتب ذاكرا حماس بالتحديد وملمحا للإخوان المسلمين. وبعد ذلك كتب واصفا الخلافة بأنها نموذج مثالي للحكم، ودعا إلى بناء القوانين والسلطات التنفيذية للحكومة على أساس المعتقدات الإسلامية.
وقاد هذا الكلام الكثير للقول إن السيسي يحاول الجمع بين الإسلامية والعسكرية لكن مدرسته في الأكاديمية الأمريكية شريفة زهور استبعدت كونه "إسلامي بالسر" فلم يكن وليس الآن. وترى المدرسة إنه كان يحاول إظهار عدم تناقض الإسلام والديمقراطية، ومهما كان لديه من تعاطف مع الإخوان في عام 2006 فقد اختفى حيث أطاح برئيسهم واعتقلهم وعذبهم وقتل ناشطيهم وهو سيناريو من المتوقع استمراره.
وأكد السيسي في واحدة من لقاءاته القليلة مع الصحافة إنه لن يكون للإخوان مكان في مصر التي سيحكمها.
ويختم التقرير بالإشارة لتطور الأحداث من تعيين السيسي وزيرا للدفاع وحتى
الانقلاب ومرحلة ما بعد الانقلاب التي ظل السيسي يقدم تصريحات متناقضة حول نيته الترشح حتى حسمها في آذار/ مارس الماضي.
ويرى معلقون إن السيسي لم يكن يريد ترك الجيش قبل التأكد من أن رجاله والموالون له في مواقعهم، فهو في النهاية مرشح المؤسسة العسكرية.