في 21/7/2013 نشرت مقالا بعنوان "
السيسي رئيسا"، وقبل ذلك قلنا إن طلب السيسي تفويضا من الشعب "بمواجهة الإرهاب المحتمل"، هو بماثبة ترشح مبكر للرئاسة.
الإعلان الجديد يهيل التراب على كل مفردات "الزهد بالسلطة والمكاسب" التي أغدقها السيسي على
المصريين طوال شهور، فيما يعلم العقلاء أن المسألة كانت مجرد وقت لا أكثر، بل إن الوقت كان مقصودا كي تتواصل لعبة التأليه التي تمارسها الفضائيات إلى درجة تجاوزت منطق المعقول، وأثارت سخرية الدوائر الإعلامية الغربية.
والحال أن بعض داعمي الانقلاب (ومنهم منظّره الأكبر محمد حسنين هيكل)، وكذلك حال داعميه من الخارج، لم يكون يرغبون في أن يتولى السيسي شخصيا الرئاسة، وبالطبع لأن ذلك يؤكد مقولة الانقلاب العسكري التي تبناها جميع العقلاء منذ اللحظة الأولى، بعيدا عن حكاية ثورة 30 يونيو المكملة لثورة يناير، فيما جاءت جميع الشواهد التالية؛ من الحكومة التي ترأسها عضو لجنة السياسات التابعة لجمال مبارك، إلى رموزها من نفس اللون، إلى التعامل مع مليارديرات حسني مبارك، واستعادة ضباط الأمن القدامى، وسائر السياسات، جاءت لتؤكد مقولة الانقلاب، واستعادة إرث مبارك، وإن على نحو أكثر عنفا ودموية، من حيث التعامل مع المعارضين على سائر المستويات، ومن يتذكر سقف التعاطي الإعلامي أيام المخلوع، ويتابع ما يجري الآن سيجد فارقا كبيرا بين الحالتين، ولا تسأل هنا عن التعامل مع الإخوان الذين صنفوا زورا وبهتانا كجماعة إرهابية.
الأربعاء، وبعد لعبة تشويق حقيقية امتدت لشهور، خرج السيسي معلنا عزمه الاستجابة لرغبات الجماهير والترشح للرئاسة، لكنه في الآن نفسه كان يقدم وعدا بالفشل، فكل حديثه عن الصعوبات والعقبات والتحديات والمشاكل، إنما يشكل تهيئة للرأي العام بأن الأمر سيء، وقد يمضي نحو الأسوأ، وكل ذلك إدراكا منه لحقيقة أن عملية التأليه التي تعرض لها طوال شهور قد رفعت سقف التوقعات منه، ومن الضروري تبعا لذك أن يجري تخفيضها من جديد. والخلاصة أنه قال للمصريين بطريقة غير مباشرة: إن نجحت، وهذا احتمال مستبعد، فاشكروني، وإن لم أنجح، فلا تلوموني لأن التحديات التي أواجهها كبيرة جدا، بينما كانوا يطالبون مرسي بكشف حساب بعد مئة يوم، فيما يعلم الجميع أن مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية، وكثير من المدنية (دعك من الإعلام والقضاء) كانت تعمل ضده، ولا يمكن والحالة هذه أن يقدم شيئا، ولو كان عبقريا من عباقرة الزمان النادرين.
ليس في أسئلة المستقبل ما هو غامض أبدا، فالرجل سيفوز بنسبة عالية من الأصوات، لأن الإخوان ومؤيديهم سيقاطعون، ولا يُستبعد أن ينسحب صباحي، المرشح الوحيد الباقي في السباق، ليفوز السيسي بالتزكية تبعا لذلك. أما السيناريو التالي فيبدو واضحا منذ الآن، إذ سيشرع الرجل في تنظيف الساحة السياسية والعسكرية من كل من يمكن أن يشكلوا له إزعاجا، وسيعيد ترتيب هيكلة الجيش والأجهزة الأمنية بالطريقة التي تناسبه (بدأ ذلك بتعيين صهره محمود حجازي رئيس للأركان)، وقد يتخلص لاحقا من وزير الدفاع القوي، ومعه بعض الآخرين في المجلس الأعلى للقوات المسلحة.
وإذا كان حسني مبارك قد فعل كل ذلك في سنوات طويلة، فإن السيسي سيفعله في وقت قصير جدا، بحيث يرتب الساحة لحسابه بالكامل، العسكرية والسياسية، بينما لن يقدم الكثير على صعيد تحسين الأوضاع في البلاد، بل سيسير على ذات نهج مبارك النيوليبرالي، عبر التحالف مع الملياديرات الفاسدين.
وفي العموم، فإن المشهد سينجلي، وهو انجلى عمليا لمن كان لديه نظر أصلا، عن دولة بوليسية يتحكم بها فرعون كامل المواصفات، ولن يسمح لأحد بانتقاده، وهنا تكمن المعضلة، إذ أن فشلا على الصعيد الاقتصادي، يصحبه قمع بلا حساب، سيؤدي في نهاية المطاف إلى تحالف قوى الشعب الحية من جديد كما تحالفت من قبل ضد مبارك ودولته.
قد تستغرق هذه الرحلة بعض الوقت حتى يصحوا الناس من سكرتهم، مع أن إعلام الفلول سيواصل العمل على تخديرهم، وربما يتواصل القمع ضد الإخوان، أو تصعيد العنف المؤدي إلى عنف مقابل يُستغل في إشغال الناس عن مشاكلهم بمقولة مواجهة الإرهاب.
ما نحن متأكدون منه هو أن دولة القمع لن تعمر طويلا، فالشعب الذي ذاق طعم الحرية في ثورة يناير، لن يصبر طويلا على الوضع الجديد. لا نتحدث عن شهور، بل عن سنوات تطول أو تقصر بحسب همة المصريين، وبحسب الأوضاع المستجدة في المحيط العربي والإقليم عموما.