كتاب عربي 21

عن تقييم الاتفاق اللبناني بين الفرقاء في المعسكريْن

الكاتب شدد على أن "تفوّق العدو لم يبرز سوى في سطوة الطيران"- الأناضول
سيظل الجدل قائما لبعض الوقت بشأن تقييم الاتفاق الأخير، إن كان في "الكيان" أم في لبنان، وفي المجاليْن هناك من يتطرّف ذات اليمين وذات الشمال.

من متابعة لردود الفعل في الكيان، من الساسة والإعلاميين، يمكن القول إنهم يتراوحون بين من يتحدث عن هزيمة، ومن يعتبر ما جرى انتصارا باهرا، وبين من يقرأ الأمر بقدر متباين من الوسطية بين الطرفين.

السبب الأهم هنا هو ارتفاع سقوف نتنياهو في الوعود والتهديدات.

من زاوية الأهداف العادية، يمكن القول إنها تحقّقت (فصل الجبهة عن غزة، وإعادة مستوطني الشمال، ودفع حزب الله إلى ما وراء نهر الليطاني)، بجانب ضرب نسبة غير معلومة من قدرات الحزب العسكرية والقيادية (يرفعها بعض فرقاء العدو إلى 70%، ويهبط الرقم، بحسب المتحدّث ووجهته)، لكن ما تبقى من روايات عن سحق الحزب، ومنع تسلّحه من جديد هو ضرب من الأوهام، لأن الأخير تحديدا قد سبق أن قيل بعد حرب تموز 2006، وتم تضمينه في قرار 1701، لكنه لم يحدث، وأعاد الحزب بناء قدراته.

لا شك أن المرحلة تبدو مختلفة، لكن الاختلاف ليس كبيرا، وإن اعتمدت المقارنة على مصير التهديدات الصهيونية لسند الحزب في طهران، وما إذا كانت ستُصيبه بقوة أو تغيّر مساره، أم ستُبقيه على حاله أو قريبا من ذلك.

ما يجب أن لا يُنسى هنا هو أن تفوّق العدو لم يبرز سوى في سطوة الطيران، بينما بقي عاجزا عن تحقيق شيء عملي على الأرض، وما قبوله بالاتفاق سوى دليل على خوفه من الاستنزاف، لا سيما أن جيشه قد عانى الأمرّين في قطاع غزة وما يزال، وهو ما طرح معضلة تجنيد الحريديم بقوة في الجدل الداخلي.

سيظل باب الصفقة مفتوحا أمام إيران، وخلاصتها التخلّي عن خياراتها في التعامل "مع الكيان" وعن امتلاك السلاح الاستراتيجي

على الجانب الآخر (اللبناني) تابعنا الجدل وسنتابع الكثير منه في الأيام القادمة، بين فريق رأى فيما جرى هزيمة للحزب ينبغي أن تُعيد ترتيب وضعه في الداخل، من مُتحكّم عملي بـ"الدولة"، وطبعا بقوة السلاح، إلى حزب سياسي فقط، وهو ذاته الفريق الذي يحمّل الحزب مسؤولية الدمار والتهجير والمعاناة، وبين فريق آخر مؤيّد للحزب يرى أن انتصارا قد تحقّق بالصمود واستنزاف العدو، وإفشال مخططه بسحق القدرات والخيارات.

في أي حال يمكن القول إن السؤال الأهم فيما جرى هو ذلك المتعلّق بإيران، فالصهاينة يعتبرون أن ما كان يمنعهم من ضرب النووي الإيراني هو الخوف من صواريخ الحزب ومسيّراته التي ستُصيب أهم المرافق الحيوية في "كيانهم"، وأن نهاية المعركة (ومن ضمنها الاتفاق) قد شطبت هذا المحظور، بخاصة بعد أن نجحوا في الوصول إلى عمق الأراضي الإيرانية بعشرات الطائرات الحربية والمسيّرات، ومن ثم العودة دون أن يُصاب أيٌ منها.

نفتح قوسا هنا كي نشير إلى أن هذا الاعتقاد الصهيوني ليس صائبا بالضرورة، والأرجح أنه ليس كذلك، لأن استهدافات الحزب لـ"الكيان" كانت دون السقف الأعلى، وبطلب إيراني (على الأرجح)، ما يعني أن وجود ما لم يُصَب بالهجمات الصهيونية يظل قائما.

السؤال هو: هل سيدفع ذلك الصهاينة إلى ولوج هذه المغامرة، أم سينتظرون سياسة ترامب وابتزازه لإيران بعقوبات اقتصادية جديدة، أم سيفتحون مسارا سياسيا عبر وسطاء (جاهزون دائما) على أمل تغيير طهران لسياساتها في المنطقة، بجانب التخلّي عن المشروع النووي في شقّه العسكري.

للتذكير هنا: سيظل باب الصفقة مفتوحا أمام إيران، وخلاصتها التخلّي عن خياراتها في التعامل "مع الكيان" وعن امتلاك السلاح الاستراتيجي، مقابل ترك المجال أمامها في المشروع الإقليمي، بل إن هذا الأخير سيحصل على دعم أيضا، في استعادة لنموذج (الشاه)، وطبعا لأنه سيفجّر مزيدا من تناقضات المنطقة لحساب المشروع الحالم بالهيمنة، أعني "الصهيوني"، بصرف النظر عما إذا كان نتنياهو هو من يقوده، أو أي أحد آخر.

أين الأنظمة العربية من ذلك كله؟
إنه السؤال المحوري، فهذا الوقوف في مقاعد المتفرجين بانتظار نتائج الصراع، لن يفضي إلى نتيجة إيجابية، لأن حرب الطرفين ستنطوي على خسائر كبيرة، وكذلك حال تفاهمهما، وإن بقي المشروع الصهيوني هو عنوان الخطر الأكبر، لأنه لا يمثل نفسه وحسب، بل هو الحربة المتقدّمة لمشروع الغرب في إبقاء هذه الأمّة مشرذمة وخانعة وذليلة، بينما تحضر في هذا التوقيت بالذات إمكانية التفاهم على كلمة سواء وتعايش مع إيران بمحافظيها، أكثر بكثير من إصلاحييها.

مواعظنا (وسوانا كثير) لن تجدي نفعا مع الأسف، ما سيجعل المخاض القادم بالغ الصعوبة، وسيجعل مهمة شعوبنا في التصدّي لما يطرحه من تحدّيات، محطّة صعبة ومريرة، بخاصة في المجال الفلسطيني الذي سيواصل مقاومته دون توقّف كرأس حربة للأمّة.

إننا واثقون من النجاح، بإذن الله، لأننا نعرف أمّتنا وتراثها العريق في التصدّي للغزاة من سائر الألوان.