قالت كارلوتا غال مراسلة صحيفة "نيويورك تايمز"في تقرير لها من بلدة "بن عون"
التونسية إن "في هذه البلدة الصغيرة، كما في المجتمع التونسي ككل، ثمة معركة تنافس على عقول الشباب".
وتحدث التقرير عن مبادرة شبابية في البلدة الفقيرة هدفها منع الشباب من الإنزلاق نحو التطرف.
وتصف الصحفية الحالة في مركز للشباب في البلدة صبيحة يوم سبت فتقول "في إحدى الغرف تجد فتيات بملابس الرياضة الزهرية في مسابقة للمبارزة بالسيوف، وفي بقعة خضراء في الجهة الأخرى من البناية تجد لعبة كرة قدم، ولكن النشاط الأكبر يتم في إحدى غرف الدرس، حيث يتجمع الشباب من كل الأعمار حول ساحة للرقص يشاهدون شبابا يقومون برقص الهب هوب (رقص التكسير حسبما يسميه البعض)".
وتنقل عن علاء بو زيد، أحد الراقصين قوله إنهم يريدون أن تعم هذه الظاهرة كل تونس وأن "يستأصلوا عقلية الناس القديمة، ونريد أن تتغير الدورة في تونس، وكل هذا بدأ يحدث منذ الثورة، فنحن نريد العيش كما نريد".
وقد لبس شباب الهب هوب الملابس المناسبة لهذه الرقصة من ملابس واسعة وحذاءً راقيا وقبعة "بيسبول أمريكية"،ويصفون أنفسهم بأنهم فنانون يقومون بالأداء الحر للرقص والكتابة على الجدران والمسرح.
وتذكر المراسلة أن بن عون بلدة تقع في الجنوب الفقير يقطنها 7000 نسمة، وتسود البطالة بين شبابها. وتذكر أنها لا تبعد كثيرا عن بلدة سيدي بوزيد التي انطلقت منها شرارة الثورات العربية عندما أشعل البوعزيزي النار بنفسه. ويقول شباب النادي إنهم كانوا على رأس الثائرين ضد النظام وقتها.
وتنقل عن نضال بو لغوي وعمره 23 عاما قوله "قمنا بإشعال النار في الأشياء. لم نشعلها في الممتلكات العامة، ولكن أشعلنا إطارات السيارات في الشوارع لنقول: "لا تأتوا إلى هنا، لقد سئمنا ولا نريدكم هنا". وكنا نريد كل شيء أن يتوقف فكنا نقول "لا عمل ولا دراسة ويجب أن تتوقف، البلد كلها حتى يجدوا حلا لنا".
ويقولون إنه وبعد ثلاثة أعوام من الثورة، لم يتغير شيء سوى أن الشرطة لا تفرق تجمعات الرقص التي يقيمونها الآن، والحكومة تعطيهم غرفة ليتدربوا فيها في مراكز الشباب الحكومية. فلا يزال الشباب يشعرون بأنهم مهملون وكثير منهم ينجرون إلى المخدرات والتهريب والتطرف الديني والحركات المسلحة بحسب بعض الشباب الذين تمت مقابلتهم.
فبحسب بو لغوي بدأ العنف بعد الثورة حيث أطلق سراح الآلاف من المساجين. أحدهم تاجر مخدرات حيث قام بجمع عدد من الشباب حوله في منطقته، وثلاثة قيادات سلفية أطلق سراحهم من السجن فقاموا باستقطاب عشرات الشباب وأرسلوهم للجهاد في سوريا.
ومن بين رجال الدين رجل اسمه الخطيب الإدريسي الذي أتم دراسته في السعودية، وأصبح من أبرز القيادات
السلفية في تونس، وهو من سكان بن عون ويدير مسجدا في مجمع تابع لعائلته، وله أتباع كثيرون من الشباب ورفض دعوة للمقابلة.
يقول بو لغوي إنه لا يعارض السلفيين، ولكنه يشعر أنهم يستقطبون الشباب ذوي المشاكل، وبعضهم من أصدقائه ويطلبون منهم أن يتركوا الموسيقى ورقص الهب هوب. ولما زاد النفوذ السلفي ظهر الإرهاب والعنف في تونس. وكانت إحدى أعنف المواجهات في بن عون في شهر تشرين أول/أكتوبر عندما هاجم مسلحون – بعضهم محليون- مركزا للأمن الوطني، فقتل ستة منهم واثنين من المسلحين بحسب مصادر الشرطة.
وقرر بو لغوي أن ينشئ جمعية لإدارة ورشات للشباب لتوفير بديل لهم ويقول "نحن نرقص ونلعب الرياضة ونغني الراب، ونكتب على الجدران، بالإضافة إلى فن تشغيل الموسيقى (دي جي) والتصوير والأفلام القصيرة والمسرح، نفعل ذلك لأننا نريد العمل مع الناس، وهو عمل تطوعي لا نجني من ورائه الأرباح، وعندنا مبدأ واحد وهو أننا نريد عمل شيء جديد. ليس الأمر أنني لا أريد أن يكونوا سلفيين ولكن هناك الجانب الإرهابي".
ولاحظ بو لغوي أن الشباب الذين كان لديهم شيء آخر في الحياة كانوا أقدر على مقاومة عروض السلفيين، أو على الأقل كانوا قادرين على التحكم في مدى مشاركتهم، مضيفا أنه "من المهم أن يتعرض الشباب للثقافات الأخرى، ثم بإمكانهم بعدها التوجه نحو السلفية. وإن لم يكن لديك ذلك تصبح طفلا لا تملك شيئا وتصبح معزولا عن المجتمع".
ومر بو لغوي بالتجربة، فهو ابن عامل باللحام وترك المدرسة عندما كان عمره 16 عاما، وكان رقص الهب هوب بالنسبة له شكل من أشكال التمرد، حيث تعلم هو وأصدقاؤه بعض الحركات من الإنترنت. ويقول إنه علم من خلال الفيس بوك بأن هناك مسابقة رقص هب هوب في توزور قرب الصحراء فخرج هو وصديقه ليشاركا في المسابقة، "ولم يكن لدينا نقود فالتمسنا الركوب المجاني ولم نصل هناك حتى منتصف الليل. ولم يكن لدينا 90 سنتا رسوم الدخول ولكننا دخلنا وكنا آخر من رقص وربحنا".
ووصل إلى قمة أدائه العام الماضي حيث تسابق تحت اسم "عفريت الليل" بين 16 راقصا وصلوا التصفيات الأخيرة في سباق مناطقي لبطولة الثور الأحمر لشباب الهب هوب.
ولكن الحياة لم تتغير فعندما يفلس يساعد والده في ورشة الحدادة ويقول: الناس هنا لا يعرفون ماذا نفعل ويقولون "ماذا يفعل هؤلاء الأطفال". ويضيف: "نحن فقدنا أملنا بشكل عام في تونس".
وقام بو لغويبتنظيم مهرجان صغير في بن عون هذا الشهر، وأحضر راقصا مشهورا من توزور للتحكيم في المسابقة، وكذلك دي جي من قصرين. وكان أحد العروض الأساسية في المهرجان مشهد مسرحي حول الفساد الرسمي مثله مجموعة من الكوميديين في البلدة، حيث يقوم البطل بإحراق نفسه بعدما عجز عن دفع الرشوة واستطاع الكوميدي الرئيسي في المشهد أن يقول نكتة وهو ينظر لجثة البطل
ويشعر بو لغوي مثل بقية الشباب في شمال إفريقيا بالإحباط المتزايد بين أصدقائه بسب شعور بالرفض وقلة فرص ويقول "هناك إرادة لعمل شيء ولكنهم لا يعرفون كيف؟".