لم يكد ينتهي خطاب وزير الدفاع
المصري عبدالفتاح السيسي الذي أعلن فيه عزل أول رئيس مدني منتخب حتى طغى اللون الأسود على شاشات ما يقرب من 20 قناة فضائية واعتقل عدد من العاملين فيها.
كما لم يعد يخفى على أحد انحياز الإعلام المصري والخليجي الرسمي بعد تحييد القنوات المعارضة لما يحصل في مصر بعد
الانقلاب العسكري أو ما يسمى "ثورة 30 يونيو" التي أصبح داعموها هم المتفردون في الساحة الإعلامية، فبعد إغلاق جميع القنوات المعارضة بحجة تهديدها للأمن القومي المصري أعطيت المساحة كاملة لوسائل الإعلام المؤيدة لقرارات العسكر .
مدير معهد الفكر السياسي الإسلامي بلندن، رئيس مجلس إدارة قناة الحوار الفضائية الدكتور عزام التميمي أوضح أن الإعلام مكلف جداً ويحتاج إلى تمويل، وأن ومعظم وسائل الإعلام الكبيرة ممولة إما من قبل دول أو رجال أعمال يتمتعون بدعم الحكومات.
وأشار التميمي لـ"عربي21" أن بعض القنوات مدعومة من دول خليجية – السعودية والإمارات العربية المتحدة بالتحديد – وأخرى من رجال أعمال صنعتهم دول الخليج الداعمة للانقلاب في مصر وتنفق عليها أموالاً طائلة في الوقت التي تحجب فيه السلطات الأصوات المعارضة بهدف غسل أدمغة عامة الناس وتضليلهم.
وأكد أن "بإمكان الدول صاحبة الأجندات عمل ما تريد في غياب سيادة القانون واستقلال القضاء، ففي الحالة المصرية القانون هو ما يصدر عن العسكر والقضاة إمعات بأيديهم يوجهونهم كما يريدون" بحسب تعبيره.
مدونة السلوك
وتضع ملكية رجال الأعمال للقنوات الفضائية ووسائل الإعلام مهنيتها على المحك لتحكم المال والقرار السياسي فيها بحسب مختصين.
الرئيس التنفيذي لمركز حماية وحرية الصحافيين في الأردن نضال منصور لفت إلى أن سيطرة المال على الوسيلة الإعلامية يخدش مهنيتها سواءً كان من الدولة أو الحزب أو رجل الأعمال في حال لم يكن لديها مدونة سلوك تفصل بين العمل التحريري فيها وبين صاحب المال.
وعن إغلاق القنوات المعارضة قال منصور لـ"عربي21" إن التعددية مطلوبة في وسائل الإعلام وإن إغلاق أي وسيلة إعلام أمر مرفوض قطعياً، وإن الحل هو القضاء المدني وليس الإغلاق.
ونوه منصور إلى أن دور وسائل الإعلام بما فيها القنوات الفضائية هو كشف الحقيقة وليس "التطبيل".
كما يرى منصور أن تحول مواقف الإعلاميين ووسائل الإعلام تجاه بعض القضايا في أوقات مختلفة يعود إلى عدم استقلاليتها وغياب مدونة السلوك المهني فيها.
من جهته قال مدير قناة اليرموك الفضائية خضر المشايخ إن الأنظمة المتسلطة تعتبر القنوات الجادة حجر عثرة في طريق سيطرتها على مقدرات الشعوب لذا تلجأ إلى إغلاقها في حين تترك القنوات الإباحية لاعتقادها بان ذلك يحرف اهتمامات الناس عن القضايا المركزية.
وقال المشايخ في حديثه لـ"عربي21" إنه يعتقد أن الظرف الحالي في الوطن العربي وتحديداً في مصر لم يترك مجالاً لتقسيم القنوات والوسائل
الاعلامية بين محايدة أو عكس ذلك فكل القنوات تنحاز إلى فكرتها وفكرة الممول إلا أنها تتفاوت بمدى وهامش الموضوعية والحقيقة.
حق الحصول على المعلومة
سفير النوايا الحسنة لحقوق الانسان كمال المشرقي قال إن الحصول على المعلومة حق من حقوق الإنسان وملك للجميع، ولا يجوز تقييد هذا الحق لمصلحة جهة ما أو تحييد جهة أخرى.
وأضاف المشرقي في حديث لـ"عربي21" أن الحقوق في الأصل مبنية على الشمولية وغير قابلة للتصرف، وحرية الرأي والتعبير من الحقوق الأساسية التي لا يجوز تقييدها أو فرض الرقابة عليها ويجب العمل على رفع الانتهاكات عن هذا الحق، وأن أي إجراء يتخذ من أجل تقييد هذا الحق يعتبر انتهاكا لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية.
وكانت محكمة القضاء الإداري المصرية قضت في 3 أيلول/سبتمبر 2013 بإلزام الحكومة بوقف بث وإغلاق قنوات الجزيرة مباشر مصر واليرموك والقدس وأحرار 25، واتخاذ ما يلزم لحجب هذه القنوات، لاتهامها بعدم الالتزام بميثاق الشرف الإعلامي ونشر وقائع كاذبة إلى جانب التحريض، لتنضم إلى قائمة القنوات المصرية المحظورة.
ولم يتوقف مسلسل الإقصاء عند إغلاق الفضائيات بل تعداها إلى فصل بعض العاملين في قنوات اخرى ممن تخالف آراؤهم السياسية إدارة هذه القناة أو تلك.
الباحث والمفكر المدير العام السابق لقناة الرسالة الفضائية الدكتور طارق سويدان فقد منصبه في القناة بسبب آراء شخصية نشرها عبر مواقع التواصل الإجتماعي تخالف الرأي السياسي لإدارة القناة التي يعمل فيها.
رئيس مجلس أمناء قناة الرسالة ومالك مجموعة روتانا التلفزيونية الملياردير السعودي الأمير الوليد بن طلال طرد السويدان من موقعه كمدير عام للقناة بسبب انتمائة لجماعة الاخوان المسلمين "الارهابية" بحسب تعبيره.
وبين أصحاب المبادئ وأصحاب المال يبقى متابعو وسائل الإعلام والفضائيات في مصر بلا حق في الإختيار، ويبقى اللون الواحد هو المسيطر على الساحة الإعلامية فيما اختار أصحاب القرار لوناً واحداً أيضاً للقنوات المعارضة ..."اللون الأسود".