سلطت مجلة
"
ناشونال إنترست" الضوء على أسباب انهيار الجيوش القوية ظاهريا، مستشهدا
بتفكك
الجيش السوري المفاجئ أمام هجوم
المعارضة، وموضحا أن هذا الانهيار يرتبط
بعوامل مثل الفساد والإقصاء العرقي والاعتماد على الدعم الخارجي.
وقالت المجلة، في هذا
التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إنه بحلول 2017، وبعد ست سنوات من الحرب،
كان نظام بشار
الأسد قد استقر في وضع طبيعي جديد، لم يكن هذا الوضع الطبيعي هو
الذي كان يتمتع به آل الأسد قبل الربيع العربي، ولكن بمساعدة روسيا وإيران وحزب الله
- وللغرابة، الولايات المتحدة التي كانت تهاجم تنظيم الدولة - فقد نجحت قوات الأسد في
دحر المعارضة، ومع مرور السنوات، أصبح نظامه يسيطر على ما يقرب من ثلثي سوريا.
وبدأ الأسد الآمن في
السلطة بالسفر إلى الخارج، وبدا أن الجميع يتقبل أن الرجل الوحشي موجود ليبقى،
وكان "التطبيع" هو كلمة السر بين دبلوماسيي الشرق الأوسط وحتى بين بعض
الدبلوماسيين الغربيين، وفي أيلول/ سبتمبر، عينت إيطاليا أول سفير لها في سوريا بعد
13 سنة من وقف العلاقات الدبلوماسية.
ولكن هذا الاستقرار
تلاشى يوم السبت الماضي بعد هجوم مفاجئ استمر عشرة أيام من قبل هيئة تحرير الشام؛
حيث انهار جيش
النظام وتخلى جنوده عن مواقعهم وخلعوا زيهم العسكري، واستولى المتمردون على دمشق دون قتال، وهرب الأسد إلى موسكو.
ولفتت إلى أن الاستسلام
المفاجئ وغير المتوقع لجيش النظام هو جزء من تاريخ طويل للجيوش القوية ظاهريا والهشة
داخليا التي تنهار بسرعة أمام تقدم الثوار، فقد انهار الجيش الأفغاني في أفغانستان
سنة 2021 في غضون أشهر مع صعود طالبان إلى السلطة، وقبل ذلك انهار الجيش العراقي
مع استيلاء تنظيم الدولة على معظم أنحاء البلاد سنة 2014، وفي العام نفسه، استولى الحوثيون
في اليمن على العاصمة صنعاء في غضون أيام فقط وسرعان ما أطاحوا بحكومة عبد ربه
منصور هادي.
وحدثت نفس الظاهرة في
جمهورية أفريقيا الوسطى سنة 2013، عندما أطاح ائتلاف سيليكا للمتمردين بالحكومة في
غضون أشهر، واستولى على العاصمة بانغي دون مقاومة تذكر، وهرب رئيس البلاد المحاصر،
فرانسوا بوزيزيه، إلى الكاميرون، وفي الجنوب في زائير، انهارت قوات موبوتو سيسي
سيكو سنة 1997 عندما اجتاح تمرد من الشرق البلاد، ومع اقتراب المتمردين من قصره في
الغابة، فر موبوتو إلى المغرب.
وأفادت المجلة بأنه من
المستحيل التنبؤ بتوقيت الانهيار؛ ولكن يمكن دائما فهرسة أسبابه؛ حيث تتكرر نفس
العوامل التي تهدم الجيوش التي تحارب حركات التمرد.
وبحسب المجلة؛ فإن العامل
الأول هو الإقصاء العرقي، فغالبا ما تملأ الحكومات جيوشها بأبناء عرقهم، ورغم
مزايا هذا النهج في "حماية الأنظمة من الانقلابات"، فإنه في الحروب
الأهلية ذات البعد العرقي، غالبا ما تكون القوات الحكومية من مجموعة والمتمردون من
مجموعة أخرى، وتؤدي هذه الممارسة حتما إلى استياء متزايد بين تلك المجموعات الأخرى
المهمشة.
ففي زائير في أوائل
التسعينيات، كان نصف جنرالات الجيش ينحدرون من مقاطعة موبوتو نفسها، وثلث هؤلاء
كانوا من أبناء مجموعته العرقية الصغيرة نسبيا، وفي جمهورية أفريقيا الوسطى، كانت
إحدى المظالم الرئيسية للمتمردين هي أن الحكومة رفضت دمج بعض المجموعات العرقية في
الجيش، وقد شعر الحوثيون في اليمن بأن مخاوفهم تم تجاهلها في عهد هادي، وقبل ظهور
تنظيم الدولة كان الجيش العراقي في عهد رئيس الوزراء نوري المالكي يهمش السنة، وفي
الجيش الوطني، كان الطاجيك يمثلون أكثر من ثلثي القادة، رغم أنهم كانوا يشكلون ربع
السكان فقط.
وفي سوريا، كان حوالي
70 بالمئة من جميع الجنود و80 بالمئة من جميع الضباط من الطائفة العلوية التي
ينتمي إليها الأسد، رغم أن هذه الطائفة لا تشكل سوى 13 بالمئة من السكان، وكانت
هيمنة العلويين شبه كاملة في الحرس الجمهوري، وهي مجموعة الحماية الخاصة التي كان يقودها
أحد أشقاء الأسد.
وأضافت المجلة أن
العامل الثاني هو الفساد، وهو عامل أساسي في تآكل الجيوش، فالحكومات الضعيفة لا
تستطيع في كثير من الأحيان تحمل الرواتب اللازمة لشراء ولاء قواتها، لذا فهي
تتسامح مع الكسب غير المشروع أو تشجعه عن غير قصد.
ففي الجيوش اليمنية
والعراقية والأفغانية، لم تذهب الترقيات إلى الأكثر تأهيلا بل إلى أولئك الذين
لديهم علاقات أو على استعداد لدفع رشوة، وكانت جداول الرواتب مليئة بآلاف
"الجنود الوهميين"، وهي مناصب غير موجودة تم إنشاؤها للسماح للقادة
باختلاس الرواتب، وفي أفغانستان، اشتبه في قيام ضباط فاسدين في القوات الجوية
بتهريب الأفيون والأسلحة، وكان العديد من قادة الجيش الأفغاني من أمراء الحرب
الذين كانوا متحالفين مع طالبان في السابق وكان ولاؤهم للبيع لمن يدفع أكثر.
وقد كان جيش النظام
أيضا مليئا بالفساد، بدءا من جمع الرشاوى الصغيرة من سيارات المارة، إلى مؤسسة
بمليارات الدولارات تنتج وتبيع الكبتاغون.
وقد أدى فساد الجيوش
إلى تفاقم مشاكل السكان الذين يعتمد المتمردون على دعمهم، كما أنه جعل الجيوش أقل
فاعلية مع تحول الموارد بعيدا عن الاستثمار في الأسلحة والمعدات ورواتب الجنود،
وكما قال مسؤول أفغاني حول انهيار الجيش الأفغاني: "لم يكن أحد يريد أن يموت
من أجل أشخاص يسرقون البلاد"، وقد ثبتت صحة الأمر نفسه في سوريا؛ حيث لم يكن
الوعد الذي قطعه الأسد في اللحظة الأخيرة بمنح الجنود السوريين زيادة في الرواتب
بنسبة 50 بالمئة كافيا لإحياء الروح المعنوية.
وأشارت المجلة إلى أن
العامل الأكثر تأثيرا وراء الانهيارات العسكرية الأخيرة هو فقدان الرعاة الأجانب،
فعادة ما تحتاج الحكومات الضعيفة إلى المساعدة في الحفاظ على السيطرة على الأراضي،
وعندما ينسحب الرعاة الخارجيون من المشهد يكون هذا هو المسمار الأخير في نعش تلك
الحكومات.
فلم يكن من قبيل
المصادفة أن ينهار جيش زائير بعد الحرب الباردة عندما لم تعد الولايات المتحدة
الأمريكية بحاجة إلى موبوتو، وفي جمهورية أفريقيا الوسطى، وعندما كان الجيش اليمني
على وشك الانهيار، رفضت الولايات المتحدة توسيع نطاق دعمها لمكافحة الإرهاب ليشمل
محاربة الحوثيين. وبالمثل، فإنه في كل من العراق وأفغانستان، كان انسحاب القوات
الأمريكية هو ما عجل بانهيار الجيش.
وقد كان السبب المباشر
لانهيار الجيش السوري هو الانخفاض الحاد في الدعم الخارجي؛ فقد كانت روسيا مشغولة
في أوكرانيا، ولم تكن قواتها الجوية قادرة على تكرار وابل الضربات الجوية التي
أنقذت الأسد في 2015، أما حزب الله فكان يترنح من الضربات الإسرائيلية ضده في
لبنان، ولم يعد قادرا على توفير المقاتلين الذي كان لديه من قبل، وكانت إيران أيضا
تلعق جراحها من الضربات الإسرائيلية وسرعان ما سحبت قواتها العسكرية من سوريا.
وختمت المجلة التقرير
بقولها إن جيوش الحكومات غالبا ما تكون نماذج مصغرة لأنظمتها، ومثلها مثل جيش
النظام السوري، حيث كانت الدولة السورية هشة بسبب سنوات من الفساد والإقصاء،
وبالكاد كان الدعم الخارجي يساندها، وإذا أعدنا النظر، فإن اللافت لم يكن سرعة
سقوط النظام بل المدة التي تمكن فيها من الصمود.