رغم تكرار تصريحات
قائد هيئة تحرير الشام، أحمد الشرع، عن حدوث حوار مع المسيحيين والدروز في
سوريا،
وأنه لا يوجد خلاف مع الأكراد ولكن مع حزب العمال الكردستاني، وعن اللجوء للحلول
الدبلوماسية تجاه تجاوزات
إسرائيل بالأراضي السورية، ونقضها اتفاق فك الاشتباك عام
1974، وما أكدته الشواهد العملية خلال أسبوع من دخول دمشق وأكثر من ذلك في حلب، من
عدم القيام بعمليات انتقام بل إجراء لقاءات مع شيوخ الطائفة العلوية من منطقة
القرداحة، مسقط رأس حافظ الأسد، إلا أن دول
الغرب لا تكف عن اشتراطها إشراك
القيادة الجديدة في سوريا لكافة القوى السياسية في العملية السياسية، وعدم استبعاد
أي طائفة خلال السير بالعملية
الديمقراطية بالبلاد، حتى يمكن أن تبدأ في النظر في
تصنيف هيئة تحرير الشام كمنظمة إرهابية، رغم إقرار وزير الخارجية الأمريكي بوجود اتصال
مع الهيئة.
وهو أمر يدعونا
للتساؤل، فمنذ متى ساعدت دول الغرب أية دولة عربية على اتخاذ خطوات عملية ملموسة
على طريق الديمقراطية؟ ومن كان وراء تدخل الجيش لوقف الانتخابات البرلمانية
الجزائرية عام 1992؟ ومن ساعد الجيش في مصر للاستيلاء على السلطة عام 2013
والإطاحة بالرئيس المدني المُنتخب؟ ومن سكت عن الانتخابات الشكلية التي تجاوزت
أصوات الرئيس الفائز فيها التسعين في المائة بالجزائر وتونس ومصر مؤخرا؟
دول الغرب لا يهمها سوى ثلاث قضايا رئيسية هي: التخلص من مشكلة اللاجئين السورين لديها، وخطر الإرهاب العابر للحدود، وأمن إسرائيل. ومن هنا كان سماحهم باحتلال أراضي الدولة التي يطالبون حكامها الجدد بتمثيل كافة القوى السياسية، وسكوتهم عن تدمير قواتها المسلحة البرية والبحرية والجوية بل ومراكز الأبحاث ومقار المخابرات
وهكذا، فإن دعوة
الغرب للنظام الجديد لإشراك كافة القوى السياسية، هو أمر غريب أيضا من تلك الدول التي
لم يسمع لها أحد صوتا مع إيقاف أمير الكويت لأعمال البرلمان المُنتخب لمدة قد تصل خمس
سنوات، وإيقاف الرئيس التونسي للبرلمان المنتخب والزج برموز معارضة إلى السجون التي
ما زالوا فيها حتى الآن، وسكوتهم عن البرلمانات الشكلية في باقي الدول العربية
سواء ذات الحكم الجمهوري أو الوراثي.
أمن إسرائيل قضية
محورية للغرب
وأين كانت تلك
الدول مع تلك الاعتقالات ومدد السجن الطويلة التي قام بها حافظ الأسد وابنه بشار في
سوريا، وهو المشهد المتكرر في باقي الدول العربية من الإمارات وحتى المغرب مرورا
بالسعودية ومصر، ووجود تعذيب واعتقالات لسنوات طويلة في تلك الدول للمعارضين،
والإعدامات التي تتم في البحرين والسعودية ومصر.
وحتى لا نخدع
أنفسنا فإن دول الغرب لا يهمها سوى ثلاث قضايا رئيسية هي: التخلص من مشكلة اللاجئين
السورين لديها، وخطر الإرهاب العابر للحدود، وأمن إسرائيل. ومن هنا كان سماحهم باحتلال
أراضي الدولة التي يطالبون حكامها الجدد بتمثيل كافة القوى السياسية، وسكوتهم عن
تدمير قواتها المسلحة البرية والبحرية والجوية بل ومراكز الأبحاث ومقار المخابرات.
مما سبق يمكن
القول إن المشكلة الأكبر لن تكون التصرفات العملية للحكام الجدد في سوريا، لأن تلك
الدول الغربية تغض الطرف عما تريد وتتمسك بأمور قد تكون أقل تأثيرا في أحيان أخرى
حسب مصالحها، أو حسب مصالح إسرائيل، فهي تريد في النهاية مواقف خانعة ومستسلمة، ولن
تتوقف حتى تدفع الحكام الجدد إلى التطبيع مع إسرائيل كشرط أساسي للرضا عنهم.
لن يصدق أحد دعاوى
الغرب بالحرص على وحدة سوريا، فقد استطاعت قوى المعارضة السورية أن تصمد أمام نظام
بشار وتنال منه عام 2015 وكانت لها الغلبة الجغرافية، فسمح الغرب لروسيا بالتواجد
لمساعدة بشار حتى لا يتغلب طرف على آخر، أملا في استنزاف كلا الجانبين، وهكذا كان
دورها الباهت في عدم إنجاز مقررات مؤتمرات جنيف المتعددة التي عقدت من أجل سوريا،
منذ "جنيف 1" في نهاية حزيران/ يونيو 2012 وحتى تمكن سلاح الجو الروسى
من استهداف المناطق المدنية، لدفع المعارضة للخروج من العديد من المناطق التي كانت
تسيطر عليها.
حكومة بإدلب منذ
سبع سنوات
وليت هدف الاستنزاف
الداخلي الغربي اقتصر على سوريا، فقد امتد إلى ليبيا واليمن والسودان وقبل ذلك في
الصومال والعراق، ومن هنا فإنه رغم الخبرة العملية التي اكتسبها أحمد الشرع
ومعاونوه، من تأسيسهم لحكومة الإنقاذ السورية في إدلب ذات الملايين الثلاثة قبل
سبع سنوات، والتي تضمنت عشر وزارات، للداخلية والعدل والأوقاف والتعليم العالي
والتربية والتعليم والصحة والاقتصاد والشؤن الإجتماعية والنازحين والإسكان
والإدارة المحلية والخدمات، وهي الخبرات التي تؤهلهم لتكرار العمل على مستوى
البلاد، إلا أن الأمر سيظل مرهونا بالمخططات الخفية للدول الغربية وإسرائيل.
فبعد أن حطمت إسرائيل
القدرات العسكرية لسوريا واحتلال مزيد من الأراضي السورية بما فيها جبل الشيخ الاستراتيجي،
وتم لها إخراج إيران من سوريا، وقطع طريق الإمداد بالسلاح عن حزب الله في لبنان والذي
أبعدته إلى ما وراء نهر الليطاني، فإنها لن ترضى بوجود نظام أيا كان توجهه الأيديولوجي
يسعى لتنمية سوريا، سواء كان إسلاميا أو غير إسلامي، خاصة وأن سوريا تملك مقومات
يمكن الاستناد إليها لتحقيق التنمية؛ من أراض زراعية وصناعات متوسطة وغاز طبيعي
ونفط بعد استعادة دير الزور، ومقومات سياحية وأيد عاملة ذات خبرة، وعودة اللاجئين
من ذوى الخبرات المتنوعة للمشاركة في التنمية، وإمكانية عودة جانب من رؤس الأموال
السورية من الخارج، وهو أمر يتعارض مع هدف الدول الغربية وإسرائيل في بقاء دول
الجوار لها ضعيفة اقتصاديا وعسكريا تعتمد على استيراد غذائها ودوائها وسلاحها،
وحتى تكون سوريا سوقا للمنتجات الغربية والإسرائيلية بسكانها البالغين 24 مليونا،
وهو العدد المرشح للزيادة في حالة عودة قدر من اللاجئين في الخارج.
لا يجب النظر إلى تصرفات الحكام الجدد بسوريا كمؤشر لما ستؤول عليه الأمور في الفترة القادمة، لأنهم مهما أجادوا ونجحوا في تحقيق المطالب العلنية للدول الغربية، تظل الأمور مرهونة بالمخططات الخفية لتلك الدول الغربية وإسرائيل، والتي يمكنها افتعال العديد من الأزمات للحكام الجدد، وتوظيف بعض الفصائل لشغلهم عن مهمتهم في بلد يعج بعشرات الفصائل، أو تحريك الأكراد في الشمال الشرقي ضدهم، واستخدام وسائل الإعلام التي تهيمن عليها لتشوية صورة النظام الجديد حين ترغب في ذلك، وكذلك المؤسسات الدولية لاستصدار ما تراه من قرارات كغطاء دولي
استمالة روسيا
وانشغال الصين
وربما يتساءل
البعض: وأين الدول العربية من مساندة سوريا في نهجها الجديد؟ وهنا يجب أن نكون
واقعيين وأن نكف عن الانخداع ببيانات الشجب والتنديد، التي أصدرتها دول عربية تجاه
التوغل الإسرائيلي في الأراضي السورية وتحطيم قدراتها العسكرية، فنحن إزاء دول
تابعة لا تملك قرارها، وقام وزير الخارجية الأمريكي بحشدها بالعقبة مؤخرا، لتوزيع
الأدوار المطلوبة عليها والتي لا تستطيع تجاوزها، وربما سيكون من بينها الإسهام في
تكلفة الإعمار لتخفيف العبء على الدول الغربية التي أنهكتها تكاليف إسنادها
لأوكرانيا.
من كل ما سبق لا
يجب النظر إلى تصرفات الحكام الجدد بسوريا كمؤشر لما ستؤول عليه الأمور في الفترة
القادمة، لأنهم مهما أجادوا ونجحوا في تحقيق المطالب العلنية للدول الغربية، تظل
الأمور مرهونة بالمخططات الخفية لتلك الدول الغربية وإسرائيل، والتي يمكنها افتعال
العديد من الأزمات للحكام الجدد، وتوظيف بعض الفصائل لشغلهم عن مهمتهم في بلد يعج
بعشرات الفصائل، أو تحريك الأكراد في الشمال الشرقي ضدهم، واستخدام وسائل الإعلام التي
تهيمن عليها لتشوية صورة النظام الجديد حين ترغب في ذلك، وكذلك المؤسسات الدولية لاستصدار
ما تراه من قرارات كغطاء دولي، بعد استمالة روسيا في صفها وانشغال الصين عما يجرى في
المنطقة، وهما الدولتان اللتان عطلتا العديد من قرارات مجلس الأمن لحل المشكلة
السورية بعد الحرب الأهلية.
وربما يقول البعض:
وأين الدور التركي الذي حل محل الدور الإيراني في سوريا، وحقق العديد من مصالحه مع
تغيير النظام؟ وهنا نقول إن هناك حدودا للدور التركي لا يستطيع تخطيها مهما زادت حدة
تصريحات مسؤوليه، وهو ما شهدناه من قبل عندما طالبت الولايات بالإفراج عن قس أمريك
كان مسجونا في تركيا، ورد تركيا بالرفض ثم تنفيذها للطلب الأمريكي، وهو ما تكرر مع
قضية جمال خاشقجي ثم تحويل الملف للسعودية المتهمة بقتله، ومع استمرار معاناة سكان
غزة الذين وصل عدد شهدائهم وجرحاهم أكثر من 150 ألف شخص، لم يحصلوا منها سوى على
العبارات الرنانة، ودون تمكن من وقف القصف الجوي وحتى التمكن من إدخال المساعدات الغذائية،
بعد الحصار الخانق للشمال منذ أوائل تشرين الأول/ أكتوبر الماضي وحتى الآن.
x.com/mamdouh_alwaly