لطالما مارست "
إسرائيل" بمختلف قطاعاتها
التحريض على قتل الفلسطينيين بشكل واضح وصريح، سواء في الضفة الغربية أو قطاع
غزة، ولم تكن أحداث السابع من تشرين الأول/ أكتوبر وانطلاق عملية "طوفان الأقصى"، التي جاءت ردا على هذه الجرائم، سوى ذريعة لتنفيذ مخططات القتل والتهجير.
في نيسان/ أبريل 2023، خرج وزير الأمن القومي الإسرائيلي اليميني المتطرف، إيتمار بن غفير، بتصريح صادم يدعو إلى القتل الصريح، قائلا: إن "الوقت قد حان لتتدحرج الرؤوس في قطاع غزة".
وكتب بن غفير حينها: "الحكومة التي أنا عضو فيها يجب أن ترد بقوة على إطلاق الصواريخ من غزة، صواريخ حماس تحتاج لرد يتجاوز قصف الكثبان الرملية ومواقع غير مأهولة، حان الوقت لتتدحرج الرؤوس"، حسب تعبيره.
دعوات للاغتيال
وفي آب/ أغسطس 2023، كشفت صحيفة يديعوت أحرونوت أن "المسؤولين الأمنيين في إسرائيل مهتمون منذ فترة باغتيال صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، لأنهم يرون أنه يتزعم محاولات لإشعال شرارة انتفاضة جديدة في الضفة الغربية المحتلة".
وربطت الصحيفة الإسرائيلية بين دعوات العاروري إلى المواجهة المباشرة مع جيش
الاحتلال والمستوطنين وبين تزايد العمليات الفلسطينية في الضفة الغربية خلال الأشهر الأخيرة حينها.
وقالت إن الجنرال الإسرائيلي المتقاعد إيتان دانغوت، الذي كان سكرتيرا عسكريا لـ3 وزراء حرب، يدعو لتصفية العاروري منذ سنوات.
وفي مقال نشر في آب/ أغسطس أيضا، تطرق مستشار الأمن القومي السابق مئير بن شبات، للجيل الفلسطيني الجديد قائلا: "نتحدث عن جيل جديد ليس مرتدعا كما الجيل الذي سبقه، فلم يكن شاهدا على عملية السور الواقي (اجتياح الضفة الغربية عام 2002) ونتائجها، وفي عصر شبكات التواصل تشكل العمليات الناجحة مثالا يحتذى به ومدخلاً لمحاكاتها".
وبالعودة إلى أيار/ مايو 2022، دعا نواب ومسؤولون سابقون وصحفيون إسرائيليون، صراحة، إلى اغتيال رئيس حركة حماس في قطاع غزة حينها (رئيس المكتب السياسي الحالي)، يحيى السنوار.
ودعا النائب من حزب الليكود في ذلك الوقت يسرائيل كاتس (وزير الخارجية الحالي) إلى اغتيال السنوار، قائلا: "يجب القضاء على يحيى السنوار والعودة إلى الاغتيالات المستهدفة لقادة الإرهاب في غزة؛ هذه هي الطريقة الوحيدة لردع الهجمات ووقفها؛ يجب أن نرد ونغير القواعد والمعادلة".
وأضاف كاتس: "على الحكومة الإسرائيلية أن تُنتج فورا معادلة واضحة: رأس السنوار ورفاقه في مواجهة العمليات الإرهابية في إسرائيل؛ لن يوقف موجة الإرهاب إلا تهديد حاد وذو مصداقية".
وفي حملة التحريض ضد السنوار، قال بن غفير الذي كان يشغل منصب عضو بالكنيست فقط: "أنا أؤيد الموت للإرهابيين؛ وأيضًا نسف بيت الإرهابي السنوار، كان يجب على سلاح الجو أن يُسقط صواريخ على منزله، هذه هي الطريقة التي يتم بها القضاء على الإرهاب".
وبهذا قال المُعلق على الشؤون العربية في "قناة 13" الإسرائيلية تسفي يحزقيلي: "لا أرى زعيما يتخذ قرارا بتصفية السنوار؛ إذا قضيتَ على السنوار ودخلت في عملية (عسكرية)، فإنك لن تحقق الكثير ما لم تواصل العملية للإطاحة بنظام حماس".
اجتياح غزة
في مايو/ أيار 2023، توعد وزير المالية الإسرائيلي المتطرف "بتسلئيل سموتريتش" بـ"احتمال إعادة احتلال قطاع غزة، كحل جذري للاشتباكات المتكررة مع الفصائل الفلسطينية في القطاع".
وفي مقابلة مع "القناة 14" الإسرائيلية، اعتبر بتسلئيل سموتريتش أن الصراع بين الاحتلال والمقاومة في غزة "مشكلة مزمنة"، معربا عن أسفه لأن "السياسيين فشلوا في الاستجابة للتحذيرات التي صدرت قبل فك الارتباط عام 2005، والتي من شأنها أن تؤدي إلى إطلاق صواريخ عبر غزة".
وأضاف سموتريتش: "من المحتمل أن يأتي الوقت للعودة إلى داخل غزة وتفكيك حماس ونزع السلاح، وسيتم ذلك أيضا وفقا لمصالح واعتبارات عامة لإسرائيل.. أعتقد أن الوقت سيأتي عندما لا يكون هناك خيار سوى استعادة غزة".
فتاوى دينية
على الجانب الديني، دعا العديد من الحاخامات ورجال الدين اليهود إلى قتل الفلسطينيين بشكل صريح، على اعتبار أن قتلهم ليس خطيئة وغير محرم من الأساس.
وفي آذار/ مارس 2023، قال الحاخام الإسرائيلي اليعازر ميلاميد، في كلمة تأبين خلال جنازة مستوطنين قتلا في عملية: إن "كل يهودي يُقتل لمجرد كونه يهوديا فهو مقدس" باعتبار أن السبب الوحيد للعمليات التي ينفذها الفلسطينيون ضد المستوطنين هو "كراهية غير مفهومة لليهود، ولا علاقة لها بأفعال اليهود أو سلوكهم، أو بشعور من يقومون بها بأن اليهود قد ظلموهم"، بحسب ما ذكر آفي غارفينكل في مقال عبر صحيفة "هآرتس".
وجاء في كلمة ميلاميد أيضا: "لم نعد إلى بلادنا لنطرد العرب من ديارهم، بل لجلب الخير والبركة للعالم. ويمكن للعرب أيضا الاستفادة من ذلك".
ويبرز غارفينكل أن كلمة الحاخام ميلاميد "تصور اليهود على أنهم ضحايا فيما تصور الفلسطينيين على أنهم معتدون، ففي عالم ميلاميد، لا يوجد تجريد للناس من أراضيهم وطردهم منها، ولا وجود لأعمال العنف التي ترتكب ضد الفلسطينيين الأبرياء، ولا الأضرار التي لحقت بممتلكاتهم، ولا الإذلال الذي يتعرضون له".
وأضاف: "هو لا يستطيع النظر إلى الهجمات التي يقوم بها الفلسطينيون على أنها انتقام لما ارتكبه اليهود بحقهم، مثلما انتقم اليهود لمقتل الشقيقين اليهوديين اللذين قتلا في حوارة".
وفي ذات الشهر، أشاد الحاخام البارز في أوساط "الحريديم"، مئير مازوز، بالإسرائيلي باروخ غولدشتاين الذي قتل 27 مصليا فلسطينيًا عام 1994 في الحرم الإبراهيمي، معتبرا أن جريمته منعت "خطرا كبيرا".
وقال الحاخام: "في مغارة المكفيلة (الحرم الإبراهيمي) وضع العرب فؤوسا وبنادق وسكاكين تحت السجاد الذي يصلون عليه- وكان هناك خطر كبير جدا. وبفضل هذا اليهودي (غولدشتاين) تم تجنب الخطر".
وفي ذات الفترة وصف بن غفير أيضا "الدكتور غولدشتاين" بـ"البطل والقديس والطبيب الذي أنقذ حياة اليهود".
أما في كانون الثاني/ يناير 2023، أحدث الوزير الإسرائيلي السابق، عامي أيالون، ضجة عقب توثيقه السلبي في أحد كتبه، للقاء جمعه بالحاخام يتسحاق شابيرا، صاحب فتوى "قتل الأطفال العرب، لأنهم قد يكبرون ويصبحون أشرارا".
في ذلك اللقاء، الذي لم يُوضع تاريخ حدوثه، برر شابيرا فتواه بأنه "حسب التوراة والإجماع بين حكمائنا اليهود، فإن التحريم المطلق للقتل ينطبق على اليهود فقط، وليس على الوثنيين".
وفي 2014، أصدر الحاخام دوف ليئور فتوى دينية تبيح للجنود الإسرائيليين قتل المدنيين والمواطنين الأبرياء وتدمير غزة بالكامل، وسبقتها بأيام تصريحات للمحاضر بجامعة "بار إيلان" البروفيسور مردخاي كيدار دعا فيها إلى "اغتصاب نساء وأخوات وبنات" رجال المقاومة الفلسطينية بغزة كوسيلة للردع.
واعتبر الحاخام ليئور، وهو صاحب العديد من الفتاوى العنصرية، أن كل سكان غزة أعداء وهدف للقصف، وسوغ فتواه بالقول إن "توراة إسرائيل ترشدنا بكافة مناحي الحياة، وحول كيفية التصرف بأوقات الحروب، لذا يجب عدم تعريض الجنود للخطر، بل يجب العمل على اتخاذ خطوات رادعة وساحقة لإبادة العدو والسماح لوزير الدفاع بتدمير كل غزة".
وفي آذار/ مارس 2014، جرى الكشف عن محتوى دروس دينية يقدمها رئيس المعهد الديني التوراتي "ييشيفاة شيرات موشيه" في مدينة يافا، الحاخام إلياهو مالي، لطلابه الذين يخدمون في جيش الاحتلال بعد تخرجهم.
ويحرض مالي على ارتكاب مجازر ضد سكان غزة، وأنه بموجب الشريعة اليهودية يجب قتل جميع سكان غزة، وعندما سُئل عن المسنين والأطفال، أجاب بأن "الأمر نفسه ينطبق عليهم".
وأضاف: "لأن هذا موضوع حساس، وأبلغوني أنه سينشر في الإنترنت، فإني أريد أن أستدرك وأقول إن الخلاصة هي أنه ينبغي تنفيذ ما جاء في تعليمات الجيش الإسرائيلي فقط"، إلا أنه أضاف أن "الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة هي حرب دينية، والقانون الأساسي في حرب دينية، وفي هذه الحالة في غزة، هو أن (لا تُبقوا أحداً مِنها حيّاً)"، وهو ما اقتبسه من "سفر التثنية في التوراة".
وأوضح: "إذا لم تقتلهم؟ فهم سيقتلونك. ومخربو اليوم هم الأطفال في العملية العسكرية السابقة الذين أبقيتهم على قيد الحياة. والنساء هن عمليا أولئك اللواتي ينتجن المخربين"، على حد وصفه.
وختم ردا على سؤال حول قتل المسنين في غزة: "يوجد فرق بين سكان مدنيين في أماكن أخرى وسكان مدنيين في غزة، وفقا للتقديرات 95 - 98 بالمئة هناك يريدون إبادتنا"، وعندما سُئل: "الأطفال أيضا؟"، أجاب: "الأمر نفسه. لا يمكنك الفذلكة مع التوراة. اليوم هو طفل، وغدا هو مقاتل. ولا توجد تساؤلات هنا. المخربون اليوم كانوا أطفالاً في سن الـ8 سنوات في العملية العسكرية السابقة، فإذن، لا يمكنك أن تستكفي هنا، ولذلك فإن الحكم على غزة مختلف هنا".