ملفات وتقارير

ما سر انتقال تبعية الصندوق السيادي المصري من الرئاسة إلى مجلس الوزراء؟

نقل السيسي ملكية 13 مقرا وزاريا بوسط العاصمة القاهرة للصندوق السيادي - الأناضول
منذ أداء حكومة رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي الأخيرة، اليمين الدستورية أمام رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، في الثالث من تموز/ يوليو الماضي، تتعاظم أدوار الأول على حساب أدوار الثاني، ويتزايد ظهوره الخارجي والداخلي مقابل تراجع الأخير، لكن ما فاقم حجم التكهنات حول أسباب تلك التغييرات توجه حكومي جديد ينزع عن السيسي أهم أوراقه المالية التي اعتمدت عليها مشروعاته وقراراته منذ العام 2014.

والخميس، ومن قلب العاصمة الإدارية الجديدة، كشفت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي المصرية، رانيا المشاط، عن مشروع قانون حكومي بمجلس النواب لهيكلة "الصندوق السيادي" المصري، وفق موقع "المال" الاقتصادي المحلي.

الوزيرة التي تضاعفت صلاحياتها عقب التعديل الوزاري الأخير قبل 3 أشهر وجرى ضم وزارة التخطيط لإدارتها، لفتت إلى أن مشروع القانون يقضي بنقل تبعية "الصندوق السيادي" لمجلس الوزراء، وأن يكون للصندوق وزير مختص يختاره مجلس الوزراء.

التعديل الذي تقدمت به الحكومة المصرية الخميس، يأتي على القانون (177 لسنة 2018)، بإنشاء صندوق مصر السيادي، ودفعا للتكهن حول سر هذا التغيير وأسبابه، خاصة وأن السيسي، اعترف في أكثر من مناسبة بأن قرارات الصندوق تعود إليه، وأنه من يتحكم في تمرير أمواله.

"هل يأكل التغيير من صلاحيات السيسي؟"
مراقبون ومتحدث لـ"عربي21"، رأوا أن هذا تغيير جيد قد يخلع عن الصندوق الاتهامات الموجهة له بعدم الاستقلالية والشفافية ونشر قوائم أعماله وربما يقود لمعرفة ما يجري بالصندوق والكشف عن أرباحه وخسائره، والرقابة المالية على أعماله وشركاته.

وأشاروا إلى أن (المادة 10) من قانون الصندوق تنص على أنه "للصندوق موازنة مستقلة، يتبع في وضعها وإعداد القوائم المالية لها معايير المحاسبة المصرية".

ويعتقد البعض أن قانون نقل تبعية الصندوق السيادي لمجلس الوزراء قد يسحب اختصاصات رئيس الجمهورية الواردة في (المادة 6) و(المادة 6 مكرر) و(المادة 15)، و(المادة 18)، من قانون إنشاء صندوق مصر رقم 177 لسنة 2018، وتعديلاته بموجب القانون 197 لسنة 2020.

تلك المواد منحت السيسي، سلطات واسعة على أعمال الصندوق، حيث تقول (المادة 6): "لرئيس الجمهورية، نقل ملكية أي من الأصول غير المستغلة المملوكة ملكية خاصة للدولة أو لأي من الجهات التابعة لها إلى الصندوق أو أي من الصناديق التي يؤسسها والمملوكة له بالكامل".

وتمنح (المادة 15)، رئيس الجمهورية الحق في أن "يشكل مجلس إدارة الصندوق بقرار من رئيس الجمهورية"، فيما تعطي (المادة 18)، رئيس الجمهورية سلطة تشكيل جمعية عمومية للصندوق لمدة 4 سنوات.

وتحدثت تقارير صحفية عديدة عن سيطرة السيسي، على أعمال الصندوق، الذي تأسس بقانون عام 2018، للترويج والاستثمار بأصول الدولة، ومنحه امتيازات واسعة عام 2021، عبر قانون يقنن الإعفاءات الضريبية القائمة بالفعل لصندوق "تحيا مصر"، والذي أسسه السيسي، عام 2014.

وبينها يأتي وصف مستشار الخارجية الأمريكية للاقتصاد سابقا "روبرت سبرينغبورج"، في مقال له 7 كانون الثاني/ يناير 2022، بأن "الصندوق تحت قيادة السيسي مباشرة، وأنه ظاهريا لتحسين الظروف المعيشية للمحرومين، ولكن في الأساس ليكون بمثابة صندوق رئاسي".

وفي 2 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، أكد السيسي، أمام جمع من المسؤولين، أن "كل الفلوس بالصناديق تحت إشرافي أنا"، وليس الجهاز المركزي للمحاسبات، وذلك في معرض حديثه عن دور صندوق مصر السيادي.



وفي 28 كانون الثاني/ يناير الماضي، نقل السيسي، ملكية 13 مقرا وزاريا بوسط العاصمة القاهرة للصندوق السيادي، هي: الخارجية، والعدل، والتعليم، والصحة، والنقل، والمالية، والتجارة والصناعة، والتنمية المحلية، والسياحة والآثار، والتموين، والإسكان، وذلك بعد انتقالها للعمل من العاصمة الإدارية الجديدة.

وفي 2020 وبعد عامين من عمل الصندوق، نقل السيسي 7 أصول لملكيته ضمت مجمع التحرير، ووزارة الداخلية، وأرض الحزب الوطني، ومباني القرية الكونية، ومعهد ناصر الطبي، وأرض حديقة الأندلس بطنطا.

وفي آب/ أغسطس 2020، خصص "أرض المعارض" بمدينة نصر، وأرض "مكتبة الإسكندرية" لبنك الاستثمار القومي، ومن ثم ضمها للصندوق السيادي.


"أجواء ما قبل القرار"

وسبق توجه الدولة المصرية إلى نقل الصندوق السيادي إلى رئاسة مجلس الوزراء عدة قرارات متعلقة بالصندوق وبصلاحيات السيسي، وأثارت الجدل حينها.

في 22 تموز/ يوليو الماضي، تخفف السيسي، من 7 من صلاحياته الهامة وأحالها إلى رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، وبينها في مجال "التصرف بالمجان في أملاك الدولة وحماية الآثار ونزع الملكية"، و"المرافق العامة والجمعيات ذات النفع العام والإدارة المحلية وحالة الطوارئ"، و"تأشيرات الموازنة".

وفي 15 آب/ أغسطس الماضي، تم الكشف عن تقديم الرئيس التنفيذي لصندوق مصر السيادي أيمن سليمان، استقالته من منصبه، ما فجر التساؤلات حول أسباب استقالة الرجل الثالث بعد السيسي، والوزيرة السابقة هالة السعيد، في أعمال الصندوق السيادي، لنحو 5 أعوام.

والصندوق السيادي الذي يدير أصولا بنحو 12 مليار دولار، يعد وفق متحدثين لـ"عربي21"، من الصناديق السوداء المغلقة التي لا يتم نشر أعمالها ولا نتائجها بشفافية، ويعد من الأسرار الخاصة بين السيسي والمسؤولين عن الصندوق، والذي أدار عشرات الصفقات ببيع أصول حكومية لمستثمرين أجانب، وذلك بعد قرارات من السيسي بضم العديد من الأصول العامة للصندوق.

كما أن الصندوق الذي يأتي بالمرتبة (48) ضمن أكبر 100 صندوق سيادي بالعالم، وفقا لرأس المال المرخص به، يتفرع منه 5 صناديق: "للخدمات المالية والتحول الرقمي"، و"للمرافق والبنية الأساسية"، و"للخدمات الصحية والصناعات الدوائية"، و"السياحة والاستثمار العقاري وتطوير الآثار المصرية"، و"لإدارة وإعادة هيكلة الأصول".

وفي نهاية العام 2019، ومع توالي الانتقادات لأعمال الصندوق بغياب الشفافية جرى تحصين أعمال الصندوق عبر تعديلات على قانون تأسيس الصندوق، أقرت بعدم رفع الدعاوى ببطلان العقود المبرمة من الصندوق، والقرارات والإجراءات التي يتخذها استنادا على تلك العقود، إلا من طرفي التعاقد دون غيرهم، ما يمنع أي جهة أخرى من الطعن على تلك العقود، وفق مراقبين.

"مرونة تكشف عن ميزانياته"

وفي قراءته لهذا المشهد ورؤيته لسر تلك التغيرات، قال الخبير الاقتصادي المصري الدكتور عبدالنبي عبدالمطلب: "لا أمتلك إجابة على هذا السؤال تكون مبنية على معلومات، أو تكشف الأسباب الحقيقية أو الأسباب المنطقية التي دفعت إلى نقل تبعية الصندوق السيادي من رئاسة الجمهورية إلى رئاسة مجلس الوزراء".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف: "لكني شخصيا أعتقد أن ذلك النقل بهدف إعطاء مرونة أكبر للصندوق السيادي، وأن يكون عمله تحت رئاسة الحكومة وليس من خلال تنسيق ما بين الصندوق باعتباره أحد المؤسسات الرئاسية والحكومية".

ويرى المسؤول المصري السابق بوزارة التجارة والصناعة، أن "مشروع القانون الذي تم الحديث عنه بأن يكون هناك وزير للصندوق، سوف يتم ربما بإنشاء وزارة أو ربما وهذا ما أعتقده بأن يكون هناك محاولة لضم هذا الصندوق أو جعل أنشطته تحت إطار وزارة الاستثمار والتجارة الخارجية، وبذلك يكون هناك تجميع لمنظومة الاستثمار، سواء الخارجي أو الداخلي في بوتقة واحدة".

وأكد أنه "من خلال بعض التجارب السابقة فغالبا تبدأ المناداة بأن أي صندوق جديد أو لجنة جديدة تكون هناك حاجة إلى تفعيلها أو تذليل كافة العقبات أمامها يكون هناك توجه لأن تكون خاضعة مباشرة لرئاسة الجمهورية، بمعنى أنه يمكن لرئيس هذه اللجنة أو الصندوق مخاطبة رئيس مجلس الوزراء والوزراء دون شرط أو قيد، وكأنه يمتلك تفويض وصلاحيات رئيس الجمهورية في مخاطبة الحكومة".

ولفت إلى أنه "بعد فترة من الوقت تبدأ هذه الصناديق واللجان في الاستقرار ويكون لها هيكل إداري ولائحة تنفيذية ومجموعة آليات، وتبدأ في ما يسمى بتكوين ثقلها البيروقراطي، بأن يكون لها موازنة وموظفون ومن داخل الموازنة العامة للدولة ومخصصات؛ وبذلك يبدأ طرح الأمر لتكون أحد الجهات الحكومية سواء كانت وزارة أو هيئة يرأسها رئيس بدرجة وزير".

وألمح إلى أن "هيئة الاستثمار المصرية بدأت بهذا الشكل منذ سبعينيات القرن الماضي، ثم تحولت إلى وزارة، ثم عادت إلى هيئة، وهناك الكثير من الهيئات التي تحولت فيما بعد إلى وزارات بدأت على غرار الصندوق السيادي وكانت تابعة لرئيس الجمهورية مباشرة حتى تم إقرار لوائحها وتحديد مهام عملها أو كانت تابعة لرئيس الوزراء لحين وضع اللوائح والقوانين المنظمة لها وتشكيل واعتماد هيكلها الإداري".

وخلص للقول: "وهنا أعتقد أن أسباب ذلك التغيير في نظري تحليلية وليست قائمة على معلومات من مصادر موثقة، وأظن أن الهدف أن يعمل الصندوق السيادي تحت مظلة الحكومة والبعد عن المشاكل التي تنشأ نتيجة التنافس والتضارب وعدم وضوح التخصصات".

وفي إجابته على التساؤل: "هل يمكن قراءة هذا القرار ضمن قرار السيسي بتفويض رئيس الوزراء في 7 من صلاحياته الهامة قبل شهرين تقريبا؟"، أجاب الخبير المصري: "طبقا لما يتم تداوله حاليا، فإنني أعتقد أن ذلك يمكن النظر إليه في إطار مشاورات صندوق النقد الدولي، الذي يرفض وجود الصناديق الخاصة أو قبول جهات تدير الأصول بلوائح خاصة بعيدا عن سيطرة الحكومة، وبعيدا عن رقابة البرلمان".

وفي نهاية حديثه، أكد أن القرار بلا شك سيكون مقدمة للكشف مستقبلا عن كافة أعمال الصندوق ومكاسبه أو خسائره، ملمحا إلى أن "هذا القرار سيحول الصندوق من هيئة ذات طبيعة خاصة إلى وزارة أو هيئة حكومية تخضع للوائح العمل الحكومي، بما فيها مناقشة ميزانيته، وأسلوب عمله".

"التفاف من السيسي"
وفي رؤيته الاقتصادية، قال الخبير الاقتصادي الدكتور مصطفى يوسف: "لنتفق أولا على أنه لا يوجد رئيس جمهورية ولا رئيس وزارة ولا مواد ودستور وقوانين؛ فنحن في ديكتاتورية عسكرية، والدكتاتور من يحكم ويقرر ويفعل ما يريد".

الباحث في الاقتصاد السياسي والتنمية والعلاقات الدولية، في حديثه لـ"عربي21"، أشار إلى أن "هناك ضغوطا سواء من دول الخليج أو صندوق النقد الدولي دائمة على السيسي، لبيع الأصول العامة بعد ضمها للصندوق السيادي، وأن يضم بعض شركات المؤسسة العسكرية لملف الطروحات".

ولفت إلى أنه "في مقابل ذلك الوضع تثار مسألة تسعير الأصول المباعة من خلال الصندوق وما قد يرتبط بها من عمليات فساد"، ملمحا إلى أنه "يجري تثمين الأصول بأقل من قيمها الحقيقية، وأن دولا كالإمارات والسعودية والكويت مولوا انقلاب 3 تموز/ يوليو 2013، ومنحوا السيسي 50 مليار دولار  وهم من يشترون الأصول، ورجال أعمال مرتبطون عضويا بإسرائيل التي قدمت الدعم السياسي واللوجستي للسيسي".

وأوضح يوسف، أنهم "في مقابل 50 مليار دولار دفعوها باعتراف الجميع حصلوا على أصول أكبر من ذلك بكثير، وأقل من قيمها السوقية الحقيقية، يعني الأصل الذي يبلغ قيمته على سبيل المثال 200 أو 300 مليون كان يباع لهم بـ5 أو 6 ملايين فقط".

وفي رؤيته لحجم التغيير الجديد في شكل الصندوق وإدارته، أشار إلى "احتمال أن يكون للوزيرة رانيا المشاط، (49 عاما) دور مهم"، ملمحا إلى سجل عملها كنائب لمحافظ البنك المركزي الأسبق فاروق العقدة في عهد الرئيس محمد مرسي، وتوليها وزارة السياحة (2018–2019)، ووزارة الاستثمار والتعاون الدولي (2019–2024)، ثم ضم وزارة التخطيط لها".

وألمح إلى أنها "تتحدث الإنجليزية بطلاقة، ولديها علاقات ودوائر جيدة في التعامل مع البنوك الدولية والدائنين وصندوق النقد والبنك الدوليين، وأظن أنها ستكون واجهة أفضل حيث تعاملت سابقا مع الإماراتيين والسعوديين والأمريكيين".

واستدرك: "لكن لا يوجد أي شيء هنا له علاقة إطلاقا بطريقة إدارة وتدوير الصندوق السيادي والتعامل مع الأجانب، وأرى أنهم يريدون تحقيق هدف بأن يقول السيسي، إنه ترك إدارة الصندوق ويديره وزير تكنوقراط، وهذا نوع من أنواع الالتفاف حول فحوى المسألة".

وقال الخبير المصري: "ألف باء الديمقراطية، بينما يريد أن يبيع أصول الدولة من خلال الصندوق، أن يكون هناك تقييم عادل للأصول، وأن يكون هناك حوار وطني، ودور لمجلس النواب والقطاعات الاقتصادية والصناعية".

وأكد يوسف، أن "أي أصل من أصول الدولة ليس من حقك أن تبيعه، فهي شركات مملوكة للشعب، ولو ترى أن إدارتها غير جيدة فلديك حل وحيد، وهو أن تباع هذه الأصول لمستثمرين مصريين، ويوضع هنا ألف خط تحت كلمة مصريين، ولا يباع للأجانب وليس لهم أن يتملكوا أكثر من 10 بالمئة من أي قطاع استراتيجي كالتي باعها مثل الفنادق التاريخية وشركات الأسمدة والحاويات وأي صناعة مهمة".

وأوضح أن نقل تبعية الصندوق من الرئاسة لمجلس الوزراء "محاولة لتجميل الوجه، أو بيع صوري، أو شراء وقت أمام الضغوط الدولية والخليجية وضغوط الصندوق والبنك الدوليين".

وتساءل: "هل هناك تغيير حقيقي؟"، ليجيب: "لا أعتقد، فهو يحتاج شخصا يتعامل مع الأجانب بيسر أكثر، وينفذ التعليمات أفضل، ولديه قدرة على الإقناع، لأن هناك فواتير يجري تسديدها يوميا للممولين، وهناك من هم من مصلحتهم أن تظل مصر خارج معادلة الاقتصاد والسياسة والصراع مع إسرائيل، والمؤسسة العسكرية منشغلة بمشروعاتها الاقتصادية، والإمارات والسعودية تديران المنطقة، وإسرائيل تعربد كما تشاء، وأنت كشعب تنشغل بأزماتك بينما تباع أصولك بخسا وبسهولة".

وخلص للقول: "التغييرات شكلية، ولو أنها حقيقية فيجب أن يكون هناك صناعة قرار بشكل ديمقراطي، وحوار مجتمعي، حول بيع الأصول وتسعيرها بهذا الشكل وبيعها بهذه الطريقة، وكل ما يجري بشكل خاطئ".
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع