ملفات وتقارير

الحكومة المصرية تسحب 17 قانونا من مجلس النواب دفعة واحدة.. ماذا يعني ذلك؟

تواصل الحكومة المصرية إقرار قوانين مثيرة للجدل- الأناضول
في الوقت الذي بدأ فيه مجلس النواب المصري دور الانعقاد "الخامس"، والأخير له، الثلاثاء، أعلن عن سحب حكومة رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، لـ17 قانونا دفعة واحدة، كانت قد أرسلتها للمجلس لمناقشتها وإقرارها، وذلك في قرار يبدو أنه بهدف إجراء تعديلات عليها ومراجعتها مرة أخرى، وفق مواقع محلية.

من مشروعات القوانين المسحوبة "الكسب غير المشروع"، و"استقلالية وإعادة تنظيم الهيئة العامة للرقابة المالية"، و"تعديل بعض أحكام قانون العقوبات"، و"صندوقا الخدمات الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية والقضاء العسكري"، وقانون "الأحوال الشخصية" الذي فجر لغطا لسنوات.

في المقابل، تقدمت الحكومة بـ11 مشروعا جديدا لتعديل قوانين، بينها "إنشاء صندوق مصر السيادي للاستثمار والتنمية"، و"شركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم والشركات ذات المسؤولية المحدودة وشركات الشخص الواحد"، حسب موقع "الشروق" المحلي.

ويأتي قانون "الأحوال الشخصية" الجديد الذي ينظم الأحوال الشخصية للمسلمين والمسيحيين معا، على رأس القوانين التي سحبتها الحكومة من البرلمان والأكثر  إثارة للجدل، الذى يلاقي اعتراضات من قبل الأزهر الشريف، منذ العام 2019، والذي تقدم أيضا بمشروع قانون خاص به إلى البرلمان، واجه هو الآخر اعتراضات من جهات مدنية.

وأكد متحدثون لـ"عربي21"، أن قرار الحكومة بسحب 17 مشروع قانون مرّة واحدة، يذكر بتراجع النظام في العديد من القوانين التي أقرها وقام بتعديلها أو التراجع عنها، والتي كان آخرها مطلع تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، بإلغاء العمل بقانون الاشتراطات التخطيطية والبنائية الصادرة في آذار/ مارس 2021، والعودة للعمل بقانون البناء رقم 119 لسنة 2008.

"إقرار قوانين يرفضها مصريون"
في السياق نفسه، تواصل الحكومة المصرية إقرار قوانين مثيرة للجدل، إذ أعلن رئيس مجلس النواب، حنفي الجبالي، عن قرار حكومي يقضي باعتبار مشروع قانون "الإجراءات الجنائية"، الذي ترفض بعض بنوده نقابات المحامين والصحفيين ونادي القضاة، والذي أعدته اللجنة التشريعية بديلا عن مشروعات القوانين السابق إرسالها من الحكومة، ما قد يفجر موجة جديدة من الاعتراضات على نصوص مسودة القانون.



والأربعاء، دعت "منظمة العفو الدولية" و"ديغنِتي" و"هيومن رايتس ووتش" و"لجنة الحقوقيين الدولية"، مجلس النواب المصري، لرفض مشروع قانون الإجراءات الجنائية، كونه "سيزيد من تمكين منتهكي الحقوق من الأمن المصري"، وفق بيان اطلعت عليه "عربي21".

أيضا، أقر مجلس الوزراء المصري، في اجتماعه الأسبوعي في العاصمة الإدارية، الأربعاء، قانون "التصرف في أملاك الدولة"، الذي يمنح الجهات الإدارية الحق في إزالة أي تعديات على الأراضي المملوكة للدولة، الخاضعة لولايتها من خلال "إجراءات إدارية".



القانون يأتي بهدف تسريع عملية إزالة التعديات وتقنين وضع اليد على أراضي الدولة، ولتأمين المستثمرين وحماية استثماراتهم، من خلال إنهاء عمليات تقنين الأراضي وإزالة التعديات على بعض أملاك الدولة وطرحها للاستثمار، بحسب تأكيد برلماني مصري لنشرة "إنتربرايز" الاقتصادية، الخميس.

وقال وكيل لجنة الإسكان بمجلس النواب أمين مسعود؛ إن التدفقات الاستثمارية الضخمة التي تلقتها البلاد مؤخرا، مثل مشروع (رأس الحكمة) والاستثمارات المتوقعة في البحر الأحمر، "تتطلب تطورا تشريعيا يجارى هذا الوضع".

وفي 11 أيلول/ سبتمبر الماضي، خلال لقائه نظيره الألماني فرانك فالتر شتاينماير، أكد رئيس النظام المصري، عبد الفتاح السيسي، التزام بلاده بحماية الاستثمارات الأجنبية بصفة عامة، وكذلك الاستثمارات الألمانية والوفاء بمستحقات الشركات الأجنبية العاملة في مصر.

وفي 16 أيلول/ سبتمبر الماضي، أعلن رئيس الوزراء المصري، من العاصمة السعودية الرياض، الانتهاء من صياغة اتفاقية حماية وتشجيع الاستثمارات السعودية في مصر؛ تمهيدا لبدء الإجراءات التشريعية والقانونية لإصدارها رسميا، ودخولها حيز التنفيذ الفعلي خلال شهرين.

وتشهد مناطق مصرية عديدة نزاعات ومواجهات بين قوات الأمن المصرية والأهالي القاطنين في تلك المناطق منذ سنوات، وخاصة في "جزيرة الوراق" بوسط نيل القاهرة، وفي شمال شرق شبه جزيرة سيناء، وفي الساحل الشمالي الغربي لمصر في مرسى مطروح وبأرض مشروع "رأس الحكمة" الإماراتي.



ما سبق، يدعو للتساؤل حول أسباب سحب الـ17 قانونا، وماهية التعديلات المحتمل إدخالها عليها، وما يكشف عنه سحب تلك المشروعات من ضعف قانوني لدى معدّي تلك القوانين، والحكومة التي لا تقدر على اتخاذ القرار.

متحدثون لـ"عربي21"، أكدو أن النظام المصري الحالي، طوال 11 عاما، استغل القوانين في الجور على المصريين، وضرب بمصالحهم عرض الحائط، واستهدف جباية الأموال والتمكين للمستثمرين الأجانب وتقنين عقود بيع الأراضي لهم، وعدم الطعن عليها، مشيرين إلى أنه بسحب الـ17 قانونا، يسعى لزيادة أرباحه وتمريرها بطرق أخبث.

"دس قوانين سامة"
وفي رؤيته لماهية التعديلات المحتمل إدخالها على الـ17 قانونا، قال رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام "تكامل مصر"، مصطفى خضري: "من أكبر المصائب التي ورثها نظام السيسي من نظام مبارك؛ هي مصيبة دس أي قانون سام داخل القوانين المجمعة".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف خضري: "لذلك عندما ترى مجموعة من القوانين يتم تقديمها مجمعة إلى مجلس النواب للتصويت الشكلي المخطط سلفا؛ فاعلم أن هناك قوانين في غير صالح الوطن والمواطن يتم تمريرها تحت هذا الغطاء".

"أما إذا تم سحب هذه القوانين قبل التصويت كما في هذه الحالة التي نستعرضها؛ فلنعلم أن هناك قانونا سيئ السمعة طُبخ على عجل ويحتاج النظام لشرعنته، ولن ينتظر حتى يتم نصب مسرحية تصويت أخرى"، وفق قول خضري.

ويرى الخبير المصري في التحليل المعلوماتي وقياس الرأي العام، أن سحب مشروعات القوانين تلك يكشف عن ضعف قانوني لدى معدي تلك القوانين، ويؤكد يد الحكومة المرتعشة التي لا تقدر على اتخاذ القرار.

وأردف: "بل إن الحكومة ليس لديها يد مرتعشة؛ بل هي مبتورة اليد ولا تملك من أمرها شيئا، إنما هي أقرب لسكرتارية توضع باسمها القوانين للتمرير الشكلي أمام مجلس النواب، وهذه القوانين لا تعد من قبل متخصصين وخبراء قانون، بل يعدها مجموعة من الشماشرجية الخاصين بالنظام في غرف مغلقة، ويتم تمريرها عند الحاجة".

وذهب للتأكيد أن سحب 17 مشروع قانون مرة واحدة، يذكر بتراجع النظام في العديد من القوانين التي أقرها وقام بتعديلها أو التراجع عنها، موضحا أن "نظام حسني مبارك، كان يوظف الكفاءات القانونية والسياسية ليحافظ على دولاب العمل داخل الدولة، وحتى عندما كان يأمرهم بوضع قوانين قذرة؛ فإنها كانت تطبخ بقدر من الحرفية لتغليفها بإطار قانوني وتشريعي سليم".

وبيّن أن "ذلك بعكس ما يحدث حاليا؛ فقد بحث النظام عن الأسوأ والأقل كفاءة في كل المجالات، وجعلهم هم أركان نظامه والقائمين عليه".

ولفت إلى أن "النظام المصري استغل القوانين في الجور على المصريين، وتقنين عمليات بيع الأراضي والتمكين للمستثمرين الأجانب"، مؤكدا: "هذه نهاية كل نظام غير شرعي، في طريق بحثه عن أي مساند لشرعية زائفة؛ باع كل مقدرات الوطن من ماء النيل، وجزر تيران وصنافير، ومكامن الغاز في المتوسط، وهيبة الدولة وقيمتها في كل محفل دولي".

وفي نهاية حديثه، يعتقد الباحث المصري، أن "ما يتم طبخه الآن للتمرير وسط حزمة القوانين المسحوبة، له علاقة بالاتفاقية التي وقعها النظام مع النظام السعودي (اتفاقية حماية الاستثمارات)، الذي يبحث عن قطعة من الوطن المصري الذي يباع في مزاد النظام".

"يثير شكوكا شعبية"
وفي حديث خاص لـ"عربي21"، قال رئيس حزب الخضر المصري، محمد عوض: "أي حكومة في العالم حينما ترسل مشروعات قوانين للبرلمان للمناقشة والإصدار، من المفترض أن تأتي تلك المشروعات كخطوة لتحقيق أهداف الحكومة، وهذه الأهداف يفترض عرضها مسبقا على الشعب عبر برنامج الحكومة، وعبر خطاب التكليف".

وأضاف: "بالنظر لهذه القواعد وتطبيقها على الحالة المصرية، فإنّ سحب 17 مشروع قانون دفعة واحدة، فضلا عن أنها مشروعات يجمعها سمات اقتصادية استثمارية، فإن ذلك يؤكد أن الحكومة في طريقها لتحقيق أهداف برامجها المتعلقة بالحياة الاقتصادية وضوابطها".

عوض، يرى أن "ذلك يكون مقبولا إذا كان الشعب يعلم أهداف الحكومة ورؤيتها بالمدى القصير والبعيد، وهو أمر أشك كثيرا أنه عُرض على الشعب، فلدينا حكومة لم يجمع بين أعضائها محفل سياسي، ولم يتوافر لآي منهم سابق خبرات سياسية، فهي حكومة تكنوقراط".

وأضاف: "إذا، فنحن لا نعلم ماذا تريده الحكومة، وربما أيضا أعضاء الحكومة نفسها لا يعلمون"، مبرزا أن "الأمر يزداد تعقيدا، ويثير ريبة شعبية إذا ما ارتبط في الأذهان بما يجري من أحداث وتفاعلات سياسية، وما قدمته الحكومة من مشروعات قوانين، ثم إعادة سحبها لتعديلها".

ويرى أن "الريبة هنا مصدرها ما أثاره الإعلام بالداخل وبالخارج عن وجود مطالب دولية بضمانات موثقة لحماية الاستثمارات في مصر، من أي أحداث أو تغييرات قد تشهدها البلاد".

ولا يرى السياسي المصري، "غضاضة من مثل هذه المطالب للمستثمر الأجنبي؛ فهذا حقه، واستجابة الحكومة لهذه المطالب قد يكون مقبولا، بشرط إبداء القبول قبل أن تشرع الحكومة في اتخاذ إجراءات معينة، منها مشروعات القوانين، وأيضا بشرط عدم مساس ذلك بالأمن القومي".

واستدرك قائلا: "لكن المشكلة تبدو خطيرة إذا ما كانت الحكومة قد قدمت خطتها التشريعية دون الالتفات لمطالب المستثمرين، باعتبارها مبالغا فيها أو أنها تمس حدود الأمن القومي، فإن تراجع الحكومة بهذه الحالة بسحب مشروعات القوانين، يثير كثيرا من اللغو والرّيبة والشكوك بوجود تنازلات تم إجبار الحكومة لتقديمها".

"كذلك يثير شكوكا شعبية، أن تلك التنازلات تؤكد أن الأوضاع الاقتصادية في خطر، وأن الحكومة عاجزة عن تقديم حلول تتفق ومبادئ الحفاظ على الأمن القومي، وهيبة الدولة أمام المجتمع الدولي"، بحسب قول عوض.

"تلاعب تشريعي لا ينتهي"
وتساءل عن "مدى شرعية مثل تلك الضمانات، وهل بالفعل تحقق الأمان للاستثمار والمستثمرين؟، أم إن الأمان الحقيقي هو ما يحقق التوازن بين مصالح المستثمر من ناحية، والآمال والطموحات الوطنية من المنظور الشعبي، وليس الحكومي، من ناحية أخرى".

ويرى السياسي المصري، أن "وقف العمل بقانون البناء مثلا، والعودة للوضع السابق، يعني أن الحكومة اكتشفت في القانون الجديد ثغرات يتم التحايل من خلالها، فقررت العودة للقانون القديم، بثغراته، فلعله أقل وطأة في أضراره من القانون الجديد الملغي".

وأكد أن "استبدال قانون بآخر، ثم استبدال الآخر بما سبقه، تلاعب تشريعي لم يتنبه أحد لمساوئه، من أنه تعديل تسقط معه أية ضمانات، ويوحي بوطن غير مستقر".

وختم مبيّنا أن "الضمانات الحقيقية ليست التشريعية (القانونية)، ولكن تلك التي تحظى بالرضا الشعبي؛ غير ذلك، يعني أن ما تقرر من ضمانة اليوم بقانون، يمكن غدا إلغاؤه بقانون، وبمبررات ضمانة جديدة، ولكنها ضمانة للشعب".