ملفات وتقارير

انقطاع الكهرباء في لبنان.. عجز حكومي حوّل الأزمة إلى "روتين" يومي للمواطن

مصرف لبنان المركزي يفشل في توفير النقد الأجنبي اللازم لشراء حاجة البلاد من الغاز- جيتي
بات انقطاع الكهرباء في لبنان، جزءا لا يتجزأ من روتين الحياة اليومية، ما أفقد المواطنين الاستغراب من قرار الانقطاع الذي يشمل جميع المناطق، ولم يكن القرار بقطع التيار الكهربائي عن جميع الأراضي اللبنانية، بما في ذلك المرافق الحيوية مثل المطار والمرافئ، ومضخّات المياه، والسجون، مفاجئًا للشارع اللبناني.

وتواجه شركة كهرباء لبنان الحكومية، أزمة حادّة في السيولة، في ظل أسوأ أزمة اقتصادية تشهدها البلاد منذ أواخر عام 2019، وأصبح الاعتماد على المولّدات الخاصة والطاقة الشمسية الخيارين الرئيسيين للعديد من اللبنانيين.

ويتوقع وزير الطاقة اللبناني وليد فياض، بدء حل أزمة الكهرباء في بلاده بحلول نهاية الأسبوع الجاري، بعد اجتماع متوقّع لمجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان، خلال وقت لاحق، اليوم الاثنين، لإدارة الأزمة.

وفي مقابلة مع تلفزيون العربية (حكومي)، قال فياض الأحد، إن الوزارة سوف تعمل على اقتراض كميات من الديزل اللازم لتوليد الكهرباء في محاولة لتخفيف انقطاعات الطاقة.


والسبت، أعلنت شركة كهرباء لبنان - المسؤولة عن توفير الكهرباء لجميع أنحاء البلاد - عن توقف التيار الكهربائي عن جميع الأراضي اللبنانية، بما في ذلك المرافق الأساسية كالمطارات والمرفأ، ومضخات المياه والسجون.

وأوضحت مؤسسة كهرباء لبنان في بيان لها، أنها استنفدت جميع الإجراءات الاحترازية "من أجل إطالة فترة إنتاج الطاقة بأقصى حدودها الدنيا الممكنة، في ظل الظروف الحالية المختلفة".


ويعود انقطاع الكهرباء إلى نفاد كامل كميات الغاز أويل الذي تستخدمه البلاد لتوليد الكهرباء في معامل الطاقة الرئيسية، وعدم توفر أي احتياطيات لاستخدامها في حالات الطوارئ.

ومساء الأحد، أعلنت الجزائر أنها ستزود لبنان فورا بالنفط، لمساعدته على تجاوز أزمة انقطاع التيار الكهربائي التي يعاني منها منذ السبت.

وقالت الحكومة الجزائرية، عبر بيان: "بتكليف من رئيس الجمهورية (عبد المجيد تبون)، أجرى الوزير الأول نذير العرباوي اليوم مكالمة هاتفية مع رئيس حكومة الجمهورية اللبنانية الشقيقة السيد نجيب ميقاتي".


وأوضحت أن الاتصال هدف إلى "إبلاغه بقرار رئيس الجمهورية بالوقوف بجانب لبنان الشقيق في هذه الظروف العصيبة".

الأزمة قديمة
وتعود أزمة الكهرباء في لبنان إلى عقود للخلف، حيث إنّه منذ سنوات طويلة تعتمد المنشآت السكنية والتجارية على مولدات كهربائية صغيرة لتوفير حاجتها من الكهرباء عند قطع التيار من جانب مؤسسة الكهرباء.

ولم تنجح أي من الحكومات السابقة في حل جذري لأزمة الكهرباء في البلاد، مع تفاقم الديون المستحقة على شركات الكهرباء العاملة في البلاد والبالغة قرابة الـ40 مليار دولار.


ولا تملك الحكومة اللبنانية أي مشروعات كبرى لإنتاج الكهرباء عبر الطاقة المتجددة، بل إن غالبية المشاريع القائمة والبالغة قدرتها 1400 ميغاواط، منزلية وتجارية.

ويملك لبنان العديد من معامل توليد الكهرباء، التي تنقسم إلى نوعين: المعامل الحرارية والمعامل المائية، وتنتج نحو 3016.6 ميغاواط في الظروف الطبيعية، وتمثل قرابة الـ30 بالمئة من حاجة السوق المحلية.


ومنذ تسعينيات القرن الماضي، لم تتمكن البلاد من إنتاج 100 بالمئة من حجم الطلب المحلي على الطاقة، بسبب ضعف الاستثمارات من جانب، والخلافات السياسية من جانب آخر، وانتشار تجارة بيع المولدات الصغيرة من جانب ثالث.

وكان عام 2004، أحد أكثر الأعوام إنتاجا للطاقة الكهربائية في البلاد، بحجم تغطية يبلغ 22 ساعة يوميا، بحسب بيانات لمؤسسة كهرباء لبنان.

لا دولارات ولا غطاء
المسألة الأبرز في الوقت الحالي، هي عدم قدرة مصرف لبنان (المركزي) على توفير النقد الأجنبي اللازم لشراء حاجة البلاد من الغاز أويل أو الديزل المستخدم في توليد الكهرباء.


ومنذ خمسة أشهر تقريبا، لم يحوّل مصرف لبنان ثمن شحنات الوقود إلى حساب الحكومة العراقية لديه، وهو ما دفع شركة تسويق النفط العراقية "سومو" إلى إيقاف تفريغ بواخر الوقود، بحسب تصريحات صحفية لوزير الطاقة وليد فياض.

ويحتاج مصرف لبنان كذلك، إلى غطاء قانوني من البرلمان لسحب ما تبقى في خزينته من نقد أجنبي، وتحويله إلى الجانب العراقي، حتى يوافق الأخير على تفريغ كميات من الوقود.

وبحسب بيانات حكومية لبنانية، فإن عدد الشحنات المُسلَّمة والمستحقة للدفع لعام 2023 بلغت نحو الثماني شحنات، وهناك 12 شحنة أخرى خاصة في عام 2024، وصل منها اثنتان.

وكان لبنان قد وقّع في 2021 اتفاقية مع الجانب العراقي، تنصّ على تزويد بيروت بقرابة المليون طن من زيت الوقود سنوياً، اللازم لتوليد الكهرباء، وتم رفع الكميات إلى 1.5 مليون طن خلال العام الجاري.

ويعتبر استيراد الوقود اللازم لتوليد الكهرباء، أحد أبرز مشاكل مصرف لبنان الباحث عن الاحتفاظ بالنقد الأجنبي، وسط تراجع حاد في مداخيل النقد الأجنبي منذ تعمق الأزمة الاقتصادية والنقدية عام 2019.