سارعت قوات
الاحتلال الإسرائيلي إلى زيادة توغلها في
هضبة
الجولان السورية، فور سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، ودخلت للمنطقة
العازلة وأطاحت باتفاقية "فض الاشتباك" التي أبرمت عام 1974 بين تل أبيب
ودمشق.
وتقع هضبة الجولان بين نهر اليرموك من الجنوب وجبل
الشيخ من الشمال، وتتبع إداريا لمحافظة القنيطرة، وهي جزء من
سوريا وتتبع لها، رغم
محاولات الاحتلال ضمها وفرض السيادة الإسرائيلية عليها، بل المصادقة مؤخرا على خطة
لتوسيع المستوطنات فيها.
منذ عام 1967 احتل الجيش الإسرائيلي ثلثي مساحة هضبة
الجولان، ومنذ ذلك الحين تعد في الأمم المتحدة أرضا سورية محتلة، وكانت تسمى
بـ"الهضبة السورية"، وتطل على بحيرة طبرية ومرج الحولة في الجليل من
ناحية الغرب.
من جهة الشرق يشكل وادي الرقاد الممتد من الشمال
بالقرب من طرنجة، باتجاه الجنوب حتى مصبه في نهر اليرموك، حدا عُرف بأنه يفصل الجولان
وبين سهول حوران وريف دمشق، فيما من جهة الشمال يشكل مجرى وادي سعار، عند سفوح
جبال الشيخ،
الحدود الشمالية للجولان.
تبعد هضبة الجولان 60 كيلومترا إلى الغرب من مدينة
دمشق، وتقدر المساحة الإجمالية لها بـ1860 كيلو متر مربع، وتمتد على مسافة 74 كيلومترا
من الشمال إلى الجنوب دون أن يتجاوز أقصى عرض لها 27 كيلومترا.
الجولان خلال القرن الماضي
كانت هضبة الجولان ضمن حدود فلسطين الانتدابية عندما
تم الاعتراف بالانتداب رسميا عام 1922، ولكن بريطانيا تخلت عن الجولان لفرنسا ضمن
اتفاق مشترك بتاريخ 7 آذار/ مارس 1923، وأصبحت الهضبة تابعة لسوريا عند انتهاء
الانتداب الفرنسي عام 1944.
وعند رسم الحدود الدولية ضمن اتفاقية "سايكس
بيكو" بقيت الجولان داخل الحدود السورية، ولكن فرنسا لم ترسم الحدود بين
سوريا ولبنان بدقة، لاعتبارها حدودا داخلية، ما أثار الخلافات والمشاكل بين
البلدين، عندما استقلت كل منهما من فرنسا.
وما زالت هذه المشاكل قائمة في منطقة مزارع شبعا
وقرية غجر، لكنها تعقدت بعد احتلال الجيش الإسرائيلي لهضبة الجولان عام 1967.
في الأيام الأربعة الأولى من حرب 1967 تم تبادل إطلاق
النار بين الجيشين السوري والإسرائيلي دون هجمات برية، ما عدا محاولة فاشلة قامت
بها قوة دبابات سورية للدخول في "كيبوتس دان"، لكن بعد نهاية المعاركة
في الجبهتين المصرية والأردنية، غزا الجيش الإسرائيلي الجولان واحتل 1260 كيلومتر
مربع من مساحة الهضبة، بما في ذلك مدينة القنيطرة.
تركيبة السكان
نزح جميع سكان القنيطرة بيوتهم إثر الاحتلال ولجأوا
إلى داخل الأراضي السورية، وكذلك نزح الكثير من سكان القرى الجولانية بيوتهم
ومزراعهم، ولكن سكان القرى الدرزية شمال شرق الجولان بقوا تحت السيطرة
الإسرائيلية.
أما سكان قرية "غجر" العلويون فبقوا في
منطقة متروكة بين الجيش الإسرائيلي ولبنان، وبعد عدة أسابيع لجأوا إلى الحاكم
العسكري الإسرائيلي ليعتني بهم، عندما أخذوا يعانون من نقص التغذية.
وتجددت الحرب بين الجيشين السوري والإسرائيلي في
أكتوبر 1973، واسترجعت خلالها سوريا مساحة قدرها 684 كيلو متر مربع من أراضي هضبة
الجولان، لمدة بضعة أيام، لكن أعادت إسرائيل احتلالها لهذه المساحة قبل نهاية
الحرب.
في عام 1974 أعادت إسرائيل لسوريا مساحة 60 كيلومتر
مربع من الجولان تضم مدينة القنيطرة وجوارها وقرية الرفيد في إطار اتفاقية "فض
الاشتباك"، وقد عاد إلى هذا الجزء بعض سكانه، باستثناء مدينة القنيطرة التي
ما زالت مدمرة.
بلغ عدد قرى الجولان قبل الاحتلال 164 قرية و46
مزرعة، فيما بلغ عدد القرى الواقعة تحت الاحتلال 137 قرية و112 مزرعة، إضافة إلى
القنيطرة، وبلغ عدد القرى التي بقيت بسكانها 6 قرى: مجدل شمس ومسعدة وبقعاتا وعين
قنية والغجر وسحيتا (رحل سكان سحيتا فيما بعد إلى قرية مسعدة لتبقى 5 قرى).
كان عدد سكان الجولان قبل حرب 1967 نحو 154 ألف نسمة،
عاش 138 ألفاً منهم في المناطق الواقعة حالياً تحت الاحتلال، هجر أكثر من 131 ألف
نسمة ودُمّرت قراهم ويبلغ عددهم حالياً قرابة 800 ألف نسمة ويعيشون في دمشق
وضواحيها، وبقي 8 آلاف مواطن في القرى الخمسة الباقية، ويبلغ عددهم حالياً 20000
نسمة.
في 1974 أعادت إسرائيل مدينة القنيطرة لسوريا في
إطار اتفاقية الهدنة، ولكن حتى الآن لم يتم ترميم المدينة. أعلنت الحكومة السورية
رفضها لترميم المدينة إن لم تنسحب إسرائيل إلى خط 4 يونيو، رغم التزامها بترميم
المدينة وإعادة النازحين إليها في اتفاقية الهدنة.
سكان الجزء العائد إلى سوريا
غالبية سكان هذا الجزء من الجولان حالياً هم من
العرب والتركمان والشركس. خلال السنوات الأولى بعد إعادة مدينة القنيطرة وضواحيها
لسوريا، واعتبارًا من عام 1975، بدأ بعض النازحين بالعودة إلى منازلهم على حذر،
وبدأت الحكومة السورية بتقديم معونات لمساعدة
السكان على إعادة البناء باستثناء
مدينة القنيطرة نفسها. فقد تم إعادة ترميم وبناء وعودة نسبة من السكان إلى
الغالبية من قرى الجولان، في الثمانينات قامت بإنشاء تجمعات سكنية، فيما أطلق عليه
"مشروع إعادة إعمار القرى المحررة". مركز المحافظة حاليًا هو مدينة خان
أرنبة، وهناك عدة قرى وتجمّعات سكنية أخرى.
عام 2004 أعلنت الحكومة السورية عزمها إعادة إعمار
قريتي العدنانية والعشة، بحيث يتم بناء 1,000 وحدة سكنية في قرية العدنانية، و800
وحدة سكنية في العشة، بهدف إعادة إعمارهما وعودة سكّانها الأصليين.
سكان الجزء الخاضع تحت الاحتلال الإسرائيلي
عدد سكان الجولان في الجزء الواقع غرب خط الهدنة
1974 يقدر بـ40 ألف نسمة، منهم أكثر من عشرين ألف عربي (ينقسمون من ناحية دينية
إلى حوالي 18.5 ألف درزي وحوالي 2500 من العلويين) وفيها حوالي 17.5 ألف مستوطن
إسرائيلي يهودي.
أغلبية من بقي في الجزء من الجولان الخاضع للسلطة
الإسرائيلية هم من الدروز. بعد قرار ضم الجولان في 1981 رفض معظمهم حمل الهوية
الإسرائيلية وأعلنوا إضراباً عاماً، وصدر تحريم من مشايخ الدروز يحرم الجنسية
الإسرائيلية.
اليوم تحمل الأغلبية الساحقة منهم مكانة "مقيم
دائم" في الأراضي المحتلة، حيث يتمكنون من ممارسة أغلبية الحقوق الممنوحة للإسرائيليين
ما عدا التصويت في انتخابات الكنيست، وحمل جوازات سفر إسرائيلية.
وحسب القانون الإسرائيلي يمكن للحكومة إلغاء مكانة "مقيم
دائم" إذا غادر المقيم المناطق الخاضعة للسلطة الإسرائيلية لفترة طويلة. فإذا
قرر أحد سكان الجولان الرافضين للجنسية الإسرائيلية الانتقال إلى بلدة داخل سوريا
عليه التنازل عن جميع حقوقه في إسرائيل بما في ذلك إمكانية العودة إلى الجولان ولو
لزيارة عائلته.
قرار ضم الجولان
في السنوات الأخيرة شهدت المنطقة المجاورة للقنيطرة
نمواً سكانياً ونشاطاً عمرانياً واقتصادياً لافتاً، ولكن الدخول إلى بعض المناطق
المجاورة لخط الهدنة لا يزال ممنوعا بحسب تعليمات السلطات السورية إلا بتصريح خاص. وفي ديسمبر 1981 قرر الكنيست الإسرائيلي ضم الجزء المحتل من الجولان الواقع غرب خط
الهدنة 1974 إلى إسرائيل بشكل أحادي الجانب ومعارض للقرارات الدولية.
وقرر الكنيست في 14 ديسمبر 1981 فرض القانون والقضاء
والإدارة الإسرائيلية على هضبة الجولان، وتشير الخارطة الملحقة بهذا القرار إلى أن
المنطقة الواقعة بين الحدود الدولية وخط الهدنة تقع ضمن السيادة الإسرائيلية.
وأكد مجلس الأمن في قراره أن الاستيلاء على الأراضي
بالقوة غير مقبول بموجب ميثاق الأمم المتحدة واعتبر قرار إسرائيل مُلغىً وباطلًا
ومن دون فعالية قانونية على الصعيد الدولي؛ وطالبها باعتبارها قوة محتلة، أن تلغي
قرارها فوراً. مع ذلك لم يفرض مجلس الأمن العقوبات على إسرائيل بسبب قرار ضم
الجولان.
وأمريكيا، اعترف دونالد ترامب عام 2019 رسميا بسيادة إسرائيل على الجولان المحتل، في خطوة أشاد بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نيتنياهو ووصفها بـ"التاريخية".
وتبلغ مساحة المنطقة التي ضمتها إسرائيل 1200 كيلومتر مربع من مساحة سوريا، بحدود 1923 البالغة 185,449 ألف كيلومتر مربع، وهو ما
يعادل 0.65% من مساحة سوريا ولكنه يمثل 14% من مخزونها المائي قبل 4 يونيو 1967.
كما أن الجولان هو مصدر ثلث مياه بحيرة طبريا التي تمثل مصدر المياه الأساسي
لإسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة.
وتعود مطامع الاحتلال في السيطرة على هضبة الجولان، إلى أنها تتمتع بموقع استراتيجي، فبمجرد الوقوف على سفح الهضبة، يستطيع الناظر تغطية الشمال
الشرقي من فلسطين المحتلة، بفضل ارتفاعها النسبي.