مقابلات

محامي الفلسطينيين أمام الجنائية الدولية لـ"عربي21": لن نتخلى عن معاقبة الجناة رغم التهديدات

مراري: نضغط حتى نحاكم كل قادة الاحتلال بمن فيهم سموتريتش وبن غفير وهليفي - الصفحة الرسمية للمحامي عبد المجيد مراري فيسبوك
بعد صدور قرار المحكمة الجنائية الدولية لأكثر من 60 دولة ومنظمة بتقديم حجج قانونية بشأن الحرب في قطاع غزة، بعد حديث قضاة المحكمة عن إصدار مذكرة اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وقادة آخرين من دولة الاحتلال حاورت صحيفة "عربي21" الدكتور عبد المجيد مراري٬ محامي الضحايا الفلسطينيين في المحكمة الجنائية الدولية، ومسؤول الشرق الأوسط في منظمة إفدي الدولية لحقوق الإنسان٬ حول سبب التأجيل والذي جاء بعد الثلاث شكاوى التي قدمها مع الفريق القانوني لأسر الضحايا أمام محكمة الجنائية الدولية.

وأكد مراري في حواره أن الضغوط الدولية تجاوزت قضاة محكمة العدل والمحكمة الجنائية الدولية لتطال المحامين وفرق الدفاع عن الفلسطينيين.


في 24 تموز/يوليو الحالي تقدمتم بثلاث شكاوى أمام محكمة الجنايات الدولية ضد الاحتلال الإسرائيلي٬ ما تفاصيل هذه الشكاوى وكيف تعاملت معكم المحكمة؟
تقدمنا بثلاث شكاوى إلى محكمة الجنايات الدولية٬ الأولى مرتبطة بمجزرة النصيرات وتورط الجيش الإسرائيلي في جرائم إبادة٬ وجرائم حرب٬ وجرائم ضد الإنسانية، والتي كانت تحت إشراف رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي مباشرة، وقدمنا فيها مجموعة أدلة ووثائق.

والشكوى الثانية كانت باسم الدكتور عدنان البرش٬ مدير مستشفى العودة، والذي تم اعتقاله وإخفاؤه قسريا وتعذيبه، وبعد ذلك مات تحت التعذيب. طبعا هذا في قواعد القانون الدولي، جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية في المادة السابعة، والمادة الثامنة من النظام المؤسس للجنائية الدولية.

 الشكوى الثالثة كانت مرتبطة باعتقال الدكتور محمد أبو سلمية وهو مدير مستشفى الشفاء٬ الذي تم اعتقاله ثم تعذيبه أكثر من سبعة أشهر. وهو بذلك الضحية والشاهد في نفس الوقت لمظاهر التعذيب الذي يتعرض له الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال الإسرائيلي، فبالتالي قدمنا أمام المحكمة الجنائية الدولية شكوى وطلبا باسمه لكي يصبح شاهدا أمام قضاة المحكمة٬ مع توفير الحماية اللازمة من أجل تقديم شهادته في ذلك.


في 20 مايو/ أيار الماضي، أعلن مدعي عام الجنائية الدولية كريم خان، أنهم يسعون لإصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو ووزير حربه يوآف غالانت بتهم ارتكاب جرائم حرب. لماذا تأخرت هذه الخطوة؟
أعتقد أن الضغط الدولي الذي يمارس على محكمة الجنايات الدولية هو السبب المباشر في تأخير هذه المذكرات، ولا ننسى بأن الجنائية الدولية تعرضت لتهديد وبلطجة من قبل إدارة بايدن.

 من جهة أخرى هناك أساليب مغايرة لأسلوب التهديد ويكون على شكل إجراءات قضائية، وهو ما يصطلح عليه "صديق المحكمة" ففي إطار المادة 103 تعطى للدول المعترفة بالمحكمة الجناية الدولية وللمنظمات الحقوقية، وللدول حتى غير المنضوية تحت المحكمة، أن تتدخل في الدعاوى المرفوعة أمام الجنائية الدولية في أي وقت من أوقات التقاضي.

 وكان التدخل الأول لبريطانيا، والتي أعلن رئيس وزرائها الجديد عن انسحابه منها، وهذه نقطة إيجابية جدا، ونظن بأنه بعد انسحاب بريطانيا ستتوالى الانسحابات، على اعتبار أن بريطانيا كانت رأس حربة أمام الجنائية الدولية، وفي عرقلة عملها إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية. لكن الحكومة العمالية الجديدة أعتقد لها رأي جيد وموقف دعم للشعب الفلسطيني.

 وهذا التحول سيكون له انعكاس إيجابي جدا على مسار القضية ليس أمام الجنائية الدولية ولا أمام العدل الدولية فقط، ولكن أمام حتى القضاء الوطني الدولي، ولذلك تدخلت ما يزيد عن 60 دولة حتى يعرقلوا هذه المذكرات٬ لذلك قرر قضاة المحكمة بعد خروجنا وانتهائنا من اجتماعنا معهم الأربعاء الماضي، قرروا مباشرة تأجيل إصدار مذكرات الاعتقال حتى يعطوا للدول فرصة حتى السادس من آب/ أغسطس القادم لتسليم مذكراتهم التي يجب أن تكون على شكل مرافعات لا تزيد عن عشر ورقات لمكتب المدعي العام كريم خان.  

معنى ذلك أن انسحاب الحكومة البريطانية الجديدة برئاسة حزب العمال وسحب الاعتراضات التي قدمها حزب المحافظين كل هذا جاء في صالح القضية الفلسطينية؟
الحكومة البريطانية الحالية ترفض التدخل في مسار العدالة الدولية وترفض أن تمارس ضغطا على العدالة الدولية، وأعتقد أن الحكومة الحالية محقة فيما ذهبت إليه على اعتبار أن أي تدخل من أجل عرقلة صدور المذكرات هو بمثابة تأصيل وتأسيس لمبدأ الإفلات من العقاب.

وهو ما تأسست محكمة الجنايات لمحاربته٬ فقد تأسست من أجل معاقبة الجناة٬ من أجل الحفاظ على مبدأ عدم إفلات الجناة من العقاب٬ لكن الإدارة الأمريكية وعددا من الدول للأسف الشديد يريدون عرقلة سير العدالة والتدخل في عملها، وهو ما يعني فتح باب نجاة، لنتنياهو وغالانت وبن غفير وسموتريش وغيرها من الشخصيات.

 وبالتالي كفريق قانوني عبرنا للجنائية الدولية في اجتماعنا معهم بأننا لن نتخلى عن حق الشعب الفلسطيني، ولن نتخلى عن حق أطفال ونساء فلسطين في تحقيق العدالة لهم ومعاقبة الجناة.

أوسلو هي السبب

ولكن ألا يعطي هذا التأجيل فرصة أمام إفلات الجناة من العقاب٬ وما هي الزاوية التي ستعتمد عليها الدول في الطعن ضد قرارات المحكمة؟
 هي اتفاقية أوسلو التي وقع عليها ياسر عرفات مع الحكومة الإسرائيلية، والتزم عرفات وهو يوقع على الاتفاقية والسلطة الفلسطينية آنذاك بعدم متابعة إسرائيل أمام المحافل الدولية والمحاكم الدولية، فبالتالي هذا هو سبب التأجيل حتى تعطى المدة الكافية لتقديم مذكرات الدول حتى السادس من آب/ أغسطس القادم.


في 20 كانون الأول/ ديسمبر 2019، أعلنت المدعية العامة للمحكمة آنذاك فاتو بنسودا، انتهاءها من الدراسة الأولية لحالة فلسطين، وقالت إن جميع المعايير القانونية بموجب نظام روما الأساسي قد استوفيت لفتح تحقيق. هل يعد هذا كافيا للرد على من يطعن في قرارات المحكمة؟
فاتو بنسودا انتهت من دراسة حالة فلسطين في 2019، ولكن المهم هو ما نتج عن هذا الموقف، وهو القرار الذي صدر عن الغرفة التمهيدية، وهي أعلى غرفة داخل المحكمة الدولية، وهو القرار الخامس من شباط/فبراير 2021، والذي أعلنت من خلاله الغرفة التمهيدية الأولى عن بسط ولايتها القضائية على الأراضي الفلسطينية منذ عام 67 بما فيها الضفة والقدس الشرقية وغزة.

ويعد هذا القرار التاريخي مهما جدا، وبالتالي أعلنت المحكمة بشكل مباشر بأنها لها حق الاختصاص في نظر جميع الجرائم التي ترتكب على الأراضي الفلسطينية. وفي هذا القرار اعترفت المحكمة بدولة فلسطين٬ كذلك استعملت مصطلح الدولة الفلسطينية كعضو داخل المحكمة الجنائية الدولية، بموجب توقيع السلطة الفلسطينية 2015.

تمارس بعض الدول الغربية مثل ألمانيا والولايات المتحدة والمجر، ضغطا شديدا على المحكمة بعد تحرك المدعي العام لإصدار مذكرات اعتقال تجاه المسؤولين الإسرائيليين. هل ممكن أن تؤثر هذه الضغوط على عمل المحكمة؟
بالتأكيد من المؤسف أن تحاول هذه الدول عرقلة سير المحكمة، وطبعا هذه التدخلات تؤثر كثيرا على سير العدالة الدولية لأنها تعرقل عملها. مثل عمليات التجسس، عمليات التهديد، عملية الترهيب التي تمارس على قضاة المحكمة، وعلى المدعي العام، وعلى المشتغلين مع المحكمة، وهذه التهديدات تمارس أيضا على الفرق القانونية وكذلك على المحامين.

ولا ننسى بأن مجلس الشيوخ الفرنسي صادق على مشروع عقوبات في حق قضاة المحكمة الجنائية الدولية في حق المدعي العام، مثل مصادرة الأموال، والمنع من دخول الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها، فبالتالي هذا أمر ليس بالسهل، طبعا يؤثر على سير المحكمة، ويؤثر سلبا حتى على المذكرات، بمعنى أنه كلما اشتدت هذه الضغوط طال أمد أمر الاعتقال.

لن نرضخ للتهديد
في السادس من حزيران/يونيو الماضي أقر 247 نائبا في مجلس النواب الأمريكي مشروع قانون يفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية على خلفية تحركها لإصدار مذكرة اعتقال بحق نتنياهو. لماذا كل هذا الخوف؟
أرى أن ضغط الولايات المتحدة الأمريكية على المحكمة الجنائية الدولية، ناتج عن اعتراف الإدارة الأمريكية وإسرائيل بقوة قرارات المحكمة وأن قراراتها نافذة وأن المذكرات عندما تصدر سيتم تنفيذها بالشكل الذي يقتضيه نظام الإجراءات القانونية في المحكمة، فبالتالي هذا هو الدافع الذي دفع الإدارة الأمريكية وخاصة الكونغرس إلى إصدار هذا القانون.

وفي سياق الضغط أيضا أورد موقع "زيتيو" رسالة تهديد أرسلها 12 عضوًا جمهوريًا في مجلس الشيوخ، إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية. وهددت الرسالة المدعي العام بعبارة "إذا استهدفت إسرائيل، فسنستهدفك". ما هو مصير العدالة في ضوء هذه التهديدات؟
وهذا من الدلائل على أن الإدارة الأمريكية، لا تؤمن بشيء اسمه القضاء ولا باستقلال القضاء، ولا بالممارسة القضائية على الإطلاق، يؤمنون بشيء اسمه البلطجة والتهديد٬ وهذا دليل على أن الإدارة الأمريكية تقف في وجه العدالة الدولية٬ وضد تنفيذ قرارات العدالة الدولية، فهذا هو الوجه الحقيقي لأمريكا.

 فبدل أن تكون سندا للقضاء الدولي في تحقيق مبدأ عدم إفلات الجناة من العقاب، هي الآن تلعب دور فتح باب للإفلات من العقاب، وحماية مجرم الحرب، ومرتكبي الإبادة الجماعية، وطبعا هذا لن يمر فهناك شكاوى رفعت ضد الإدارة الأمريكية وضد بايدن٬ فهو الآن أصبح متابعا حتى داخل الأراضي الأمريكية٬ فهناك قاض ينظر في دعوى في إحدى الولايات ضده٬ وهناك مشاريع دعاوى سترفع ضده بتهمة المشاركة بجريمة الإبادة الجماعية٬ على حد علمي ستكون في فرنسا وفي عدد من الدول الأخرى.

المدعي العام للجنائية الدولية٬ قال إن المحكمة لن تثنيها الضغوط أو التهديدات عن القيام بواجبها في السعي لتحقيق العدالة، وأشار إلى أن قادة منتخبين تحدثوا معه بشكل صريح أن المحكمة أنشئت لـ"إفريقيا والبلطجية مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين". هل معنى ذلك أن فرص محاكمة المجرمين ضعيفة؟
لا على الإطلاق، مهما كانت تصريحات المدعي العام٬ أعتقد أن هذا يظهر مدى بلطجة الإدارة الأمريكية، ومدى عدم إيمانه بالعدل الدولية على الإطلاق، ممثلة في محكمة الجنايات الدولية، ومحكمة العدل الدولية، حتى في القرار الأخير تعرض قضاة محكمة العدل لتهديدات ولضغوط من أجل تغيير موقفهم في عدم شرعية الاحتلال الإسرائيلي.

وبالتالي، هذا يظهر حقيقة الولايات المتحدة التي تنادي بمبادئ الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والعدالة والحرية وغيرها، فهي شعارات مزيفة تتقنها على وسائل الإعلام وفي الأفلام.

أما المحكمة الجنائية الدولية فتوجهها هو نحو تحقيق العدالة٬ وهذا ما وجدناه في لقاءاتنا مع مكتب المدعي العام مع القضاة ومع مكتب الضحايا، لأن توجه الجنائية هو إحقاق العدالة وهو معاقبة الجناة، وأعتقد أن صدور المذكرات والمشروع المقدم أمام المدعي العام هو الدليل على ذلك.


يسعى المدعي العام الإسرائيلي عميت أيسمان لإجراء تحقيق مع وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير؛ بشبهة التحريض على الفلسطينيين في قطاع غزة؛ في محاولة لـ"إرضاء" المحكمة الجنائية الدولية، هل من الممكن أن ينضم بن غفير إلى المتهمين؟
نعم إسرائيل تفطنت لهذا الأمر وبدأت تحرك متابعات قضائية، أعتقد أنها متابعات فقط للتضليل تحت مبدأ ما يسمى بالتكامل القضائي٬ باعتبار أنه لا يحق لأي جهة قضائية أخرى أن تفتح تحقيقا إذا كانت الدولة المعنية قد فتحت تحقيقا في هذا الأمر.

الجنائية الدولية وهي تفتح تحقيقها في هذه الجرائم، ملزمة باحترام مبدأ التكامل القضائي الدولي وهو منصوص عليه في نظام روما المؤسس للجنائية الدولية.

لكن بن غفير لن يفلت من المحاسبة، لماذا لأن الجنائية الدولية تراقب مدى جدية الدولة في المحاكمة، وبالتالي إذا ما ظهر بأنها فقط تتظاهر بالمحاكمة الداخلية وأنه سيفلت من العقاب، فسيتم ضمه إلى قائمة المتهمين، ونحن بالفعل طالبنا بضمه إلى قائمة مجرمي الحرب من أجل محاكمتهم ومعاقبتهم.


مقررة الأمم المتحدة المعنية بفلسطين فرانشيسكا ألبانيز، أعربت عن استغرابها من عدم إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش الذي وصفته بـ"العقل المدبر للإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين". لماذا تم استثناؤه أيضا؟
 توجهنا بهذه الملاحظة وواجهنا بها الادعاء العام في الجنائية الدولية على أسباب استثناء سموتريتش وبن غفير وحتى رئيس الأركان هليفي. والمدعي العام أعلن في حوار سابق مع قناة "سي إن إن" أن هناك قائمة أخرى لم يعلن عنها٬ فهناك احتمال أن يكون سموتريتش وبن غفير ضمن هذه القائمة لأنه لا يعقل على الإطلاق أن يتم إصدار مذكرة توقيف بحق ثلاثة من قادة المقاومة واثنين من المجرمين فقط.

 ميزان العدالة المثقوب
المحكمة الجنائية الدولية أصدرت مذكرات اعتقال بحق 8 مسؤولين روس بينهم بوتين بشأن الحرب على أوكرانيا بينما لم تصدر أي مذكرة ضد مسؤولين إسرائيليين حتى الآن. هل تمارس المحكمة ازدواجية معايير؟
سقطت المحكمة في ازدواجية معايير عندما أصدرت مذكرة توقيف بحق ثمانية من القادة الروس على رأسهم فلادمير بوتين. في حين نحن نتساءل كفريق قانوني عن الأساس القانوني في إصدار هذه المذكرات، على اعتبار أن روسيا ليست عضوا في المحكمة الجنائية الدولية٬ ولا أوكرانيا هي عضو في المحكمة الجنائية الدولية، فبالتالي نستغرب فالأساس القانوني غير موجود ومنتف تماما.

 وطبعا إصدار مذكرة في حق ثمانية من روسيا وإصدار مبكر في حق الاثنين من إسرائيل٬ هذا يوحي بأن الأمر أخذ منحى سياسيا أكثر منه قانوني. وطبعا هذه الملاحظات تم تبليغها إلى مكتب المدعي العام والغرفة التمهيدية الأولى للمحكمة الجنائية الدولية.

 ونتمنى أن يتم تدارك الأمر فاللائحة السرية التي أعلن عنها المدعي العام والتي قد تضم عددا كبيرا من الأسماء، وبين 15 اسما، أعتقد على الأقل ستكون هناك خمسة أو ستة أسماء جديدة سيضيفها إلى الأسماء الأخرى هذا المتوقع.

بعد إصدار الجنائية الدولية، مذكرتي اعتقال بحق وزير الدفاع الروسي السابق، ورئيس الأركان العامة الحالي، في تهم بارتكابهما جرائم في أوكرانيا. المجتمع الغربي يقول بأنه سوف ينفذ ما أمرت به المحكمة ضد روسيا٬ ماذا لو لم يفعل ذلك أيضا قادة الاحتلال الإسرائيلي؟
من سوء حظ إسرائيل أن كل حلفائها هم أعضاء في محكمة الجنائية الدولية، فسيكونون ملزمين بموجب المادة 80 من نظام روما أن يلتزموا بهذه المذكرات. والأمر مختلف تماما عن روسيا، فكل حلفائها ليسوا أعضاء، الصين ليست عضوا في الجنائية الدولية، ولا حتى بعض الدول العربية الحليفة لها ليست عضوا في المحكمة، ولا حتى بوتين يرغب في زيارة هذه الدول الأوروبية. فبالتالي فزيارته الأخيرة كانت مقتصرة على الدول غير الأعضاء في الجنائية الدولية.  

وبالتالي لا يمكن المقارنة بين روسيا وبين إسرائيل على الإطلاق٬ فإسرائيل كما قلت إن حلفاءها غالبيتهم خاصة الدول الأوروبية هم أعضاء في الجنائية الدولية وهم ملزمون باحترام هذه المذكرات.

ولا ننسى أن نتنياهو صرح الأسبوع الماضي بأنه لا يرغب في هبوط طائرته في أي دولة أوروبية خوفا من توقيفه على خلفية هذه المذكرات، بمعنى أنه مقتنع بأنه مهدد بالتوقيف حتى عند الدول الصديقة لإسرائيل.

بالحديث عن محكمة العدل الدولية التي قالت إن استمرار وجود دولة إسرائيل في الأرض الفلسطينية المحتلة غير قانوني. وأوضحت أن المنظمات الدولية، بما فيها الأمم المتحدة، ملزمة بعدم الاعتراف بشرعية الوضع الناشئ عن هذا الوجود غير القانوني. ما الذي يمكن أن يبنى على ذلك؟
قرار محكمة العدل الدولية هو قرار تاريخي ومستند قانوني يرقى إلى اجتهاد قضائي نعتمد عليه سواء في المحكمة الجنائية الدولية أو المحاكم الوطنية الأوروبية في الدعاوى التي سترفع في عدد من الدول الأوروبية. وقدمنا القرارين السابقين لمحكمة العدل الدولية وإلى المحاكم الفرنسية في دعاوى مماثلة خاصة في القضايا المرتبطة بالمقاتلين الأجانب ومزدوجي الجنسية.

وطبعا منذ بداية قراءة رئيس محكمة العدل الدولية القرار التاريخي، وهو يعطي صفة الاحتلال لإسرائيل ويسميها بإسرائيل المحتلة والاحتلال الإسرائيلي، وهذا التوصيف مهم جدا وليس اعتباطيا، فهو يوحي برسائل قوية جدا لعدد من الدول ولعدد من المؤسسات الدولية.

 وقد توجه رئيس محكمة العدل بطلب للأمم المتحدة بتنفيذ هذه الاستشارة القانونية وباعتمادها٬ وهذا الطلب وجهه رأسا إلى مؤسسات الأمم المتحدة خاصة الجمعية العامة التي طلبت منه ذلك الرأي الاستشاري من خلال اللجنة الرابعة المعنية بتصفية الاستعمار.

وهو كذلك رسالة إلى الدول التي طبعت مع إسرائيل، على اعتبار أنها أخطأت في عملية التطبيع لأنها بذلك تعترف بدولة محتلة، وهذا الأمر خطير جدا، قد يتصادم مع قرار محكمة العدل الدولية، وبالتالي على هذه الدول أن تعيد النظر في علاقتها مع إسرائيل، بطلب من محكمة العدل الدولية.