ملفات وتقارير

ما أسباب عودة الجنيه المصري للهبوط أمام الدولار بعد إجازة عيد الأضحى؟

اقترب سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار إلى 49 جنيها - جيتي
مع أول أيام العمل الرسمي في مصر عقب إجازة عيد الأضحى المبارك، سجل سعر صرف الجنيه المصري بمقابل الدولار تقلبات مثيرة في السوق الرسمي والسوق الموازية، مسجلا أدنى مستوى له منذ قرار تحرير سعر الصرف في 6 آذار/ مارس الماضي، بعد شبه ثبات لعدة أشهر.

ودفع تراكم طلبات الشراء على الدولار، إلى تسجيل الدولار الأمريكي ارتفاعات قياسية في أسعارها بأول أيام عمل البنوك المصرية بعد انتهاء إجازة عيد الأضحى، ليقترب من مستويات 49 جنيها، بحسب موقع "الفجر" المحلي.

وبزيادة بلغت نحو 65 قرشا دفعة واحدة، وفي ارتفاعات قياسية في الساعات الأولى من صباح تعاملات الأحد البنكية، سجلت أسعار الدولار أعلى مستوياته السعرية في البنك "الأهلي المتحد" عند 48.40 جنيها للشراء، و48.50 جنيها للبيع.



وارتفعت أسعار الدولار أيضا في البنك "الأهلي" و"التجاري الدولي" إلى 48.36 جنيها للشراء و48.46 جنيها للبيع، كما أنه في أوقات من صباح الأحد، سجل سعر الدولار حوالي 47.77 جنيها للبيع و47.63 جنيها للشراء.

لكنه، وفق ما يعرضه موقع "إيجي كارنسي" "egcurrency"، المتخصص في عرض أسعار صرف العملات وأسعار الذهب، وصل سعر الدولار نحو 63 جنيها في السوق السوداء في ارتفاع قياسي جديد، لم يحدث منذ قرار تعويم الجنيه الأخير في 6 آذار/ مارس الماضي.

وهو الرقم الذي أكد تجار متعاملون في السوق السوداء بأنه غير حقيقي أبدا، موضحين أن السوق الموازية صباح الأحد، لم تتعد رقم 47.65 جنيها مقابل الدولار، وأن ما تعرضه بعض تلك المواقع مخالف تماما للواقع على الأرض.

"البنوك تتلاعب لأجل المكسب"

وفي حديثه لـ"عربي21"، قال طه، أحد تجار العملة في السوق السوداء؛ "إن ارتفاع سعر الدولار في البنوك يحدث بشكل مستمر عقب الإجازات الرسمية الطويلة، وعقب عطلات نهاية الأسبوع، ويكون لمدة نصف يوم أو عدة ساعات".

وبين أن "رفع البنوك سعر الدولار بهذه الطريقة، يتزامن مع بيعها الدولار للشركات والمصانع والتجار والمستوردين والمتعاملين مع البنوك"، مشيرا إلى أن "البنوك تحقق بهذا الارتفاع ربحية عالية، وهي بهذا تقوم بعمليات مضاربة على سعر الدولار، وتكون شريكة في المضاربة، وتقلد في هذا التجار الكبار في السوق الموازية".

وألمح في نهاية حديثه، إلى أن "الكل يريد الربح، والكل يلعب بالطريقة نفسها، ويتلاعب في السوق، والشعب من يدفع الثمن"، مؤكدا أن "مستقبل سعر صرف الجنيه أمام الدولار، لا يمكن لأحد توقعه، ولكنه مازال بيد الجهاز المصرفي للدولة، وليس بيد السوق السوداء".

ولفت حسين، أحد تجار العملة في السوق السوداء، إلى أن "السوق السوداء ليست رائجة حاليا، وكثيرون ينتظرون ضخ ما لديهم من دولارات ويورو للسوق الموازية، في الوقت المناسب، حيث السعر الأعلى المناسب الذي يتوقعونه في أي وقت؛ نظرا لتقلبات السوق المصرية، وعدم استقرارها، ونظرا لتجاربهم السابقة، منذ أول تعويم حدث في عهد السيسي، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016".

وأكد لـ"عربي21"، أن "الكثير من التجار يتعاملون بالدولار بشكل غير رسمي، في عمليات البيع والشراء، وخاصة في مجال العقارات، فيما يعرف باسم ظاهرة الدولرة"، مبينا أن هناك "شريحة من الأغنياء لم تعد تتعامل بالجنيه".

ويؤكد مراقبون وخبراء ومتحدثون لـ"عربي21"، أن كل السلع والخدمات الموجودة في مصر أصبحت مقومة بالدولار، حيث يرتبط سعر صرف العملة المحلية مقابل الدولار بأسعار سلع مهمة في السوق المحلية، مثل: الذهب، الدواء، والسيارات، والأجهزة الكهربائية، وسوق العقارات، وغيرها.



ومنذ 6 آذار/ مارس الماضي، وعقب قرارات البنك المركزي الشهيرة بتحرير سعر صرف الجنيه مقابل العملات الأجنبية، ورفع سعر الفائدة 600 نقطة أساس، انخفض سعر الجنيه في السوق الرسمية من 30.95 جنيها منذ أوائل العام الماضي، إلى نحو 50 جنيها، لينخفض بعدها إلى معدل ما بين 46 وأقل من 47 جنيها حتى صباح الأحد.

"عوامل خارجية"

وفي الوقت الذي يرجع فيه البعض ارتفاع سعر الدولار رسميا في البنوك المصرية الأحد، إلى رغبة البنوك في تحقيق مكاسب من بيع الدولار للمستوردين، بجانب زيادة الطلب على العملة الأجنبية عقب إجازة عيد الأضحى، لتدبير الاعتمادات المستندية لاستيراد السلع، إلا أن مراقبين عزوا الأمر لأسباب خارجية.

وتتزامن عملية انخفاض الجنيه المصري، مع عدة مؤثرات ومؤشرات خارجية، بينها استمرار التوتر في إقليم الشرق الأوسط، وزيادة وتيرة التصعيد بين المقاومة الفلسطينية والكيان المحتل، ودخول حزب الله اللبناني على الخط، وسط توقعات بتفجر حرب مع لبنان خلال 48 ساعة.

كما أن تلك التراجعات في قيمة الجنيه، تأتي عقب زيادة تكلفة عمليات الشحن والتأمين على السفن العابرة لمضيق باب المندب؛ إثر غرق سفينة شحن استهدفتها قوات الحوثي اليمنية الداعمة للمقاومة الفلسطينية، قبل أيام.

وفي المقابل، يرى مراقبون أن ما حصلت عليه مصر مؤخرا من دعم دولي بصرف الشريحة الثانية من قرض صندوق النقد الدولي، واستلام الدفعة الثانية من صفقة منطقة رأس الحكمة بقيمة 14 مليار دولار في أيار/ مايو الماضي، وإقبال الأجانب على شراء أدوات الدين المصرية فيما يعرف بالمال الساخن، لم تحل أزمات شح الدولار في مصر، إلى جانب عمليات بيع الأصول العامة الجارية على قدم وساق.

وألمحوا إلى أن أي وفرة دولارية تحققت لمصر، يتم توجيهها بشكل مباشر لسداد خدمة دين خارجي تعدى 168 مليار دولار بنهاية العام الماضي، بالإضافة إلى ما استجد من ديون خارجية خلال الأشهر الستة الماضية.

خبراء تحدثوا لـ"عربي21"، عن أسباب ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه مع أول يوم لعودة العمل في الجهاز المصري عقب إجازة العيد، ونتائج ذلك الارتفاع وتأثيره على أكثر من 106 ملايين مصري، والتوقعات المحتملة في سوق العملة، واحتمالات حدوث انهيار جديد في سعر الجنيه.

"غير منطقي.. ولكن خلفه رسالة"

وفي قراءته، يعتقد الخبير الاقتصادي الدكتور عبدالنبي عبدالمطلب، أنه "لا يوجد أسباب منطقية، ولا علمية، لارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه في بداية التعاملات المصرفية بعد إجازة طويلة للقطاع".

وكيل وزارة التجارة والصناعة للبحوث الاقتصادية سابقا، أضاف لـ"عربي21": "ربما يُرجع البعض ذلك لطول فترة الإجازة، ووجود طلبات على الدولار  لتغطية احتياجات ومشتريات، أو تسوية مدفوعات تمت بالدولار خلال فترة الإجازة".

لكن عبدالمطلب، يرى أن "ذلك ليس مبررا منطقيا، ولا أعتقد أن كل البنوك المصرية لا توفر الدولار طوال فترة الإجازة من خلال ماكينات (ِATM)".

وتابع: "صحيح أن البنوك الكبرى مثل (الأهلي) و(مصر) وباقي البنوك الحكومية لا توفر الدولار لحاملي بطاقات الائتمان؛ لكن هناك أكثر من طريقة لتسوية المدفوعات، عبر ما نسميه بالبنوك الإلكترونية والتطبيقات الإلكترونية للبنوك، حيث يمكن للعميل تسوية مدفوعاته المؤجلة أو التي لم يستطيع أن يؤديها داخل القطاع المصرفي".



وقال: "ولذلك في اعتقادي أن هذا الارتفاع الكبير الذي حدث في بداية التعاملات المصرفية ببداية الأسبوع، ربما يكون نوعا من أنواع الرسائل الموجهة لخبراء صندوق النقد الدولي، بأن سعر الصرف في مصر سعر صرف مرن".

وأشار إلى أن "الجميع يعلم أن قرار استقالة حكومة مصطفى مدبولي، مطلع الشهر الجاري، كان خوفا من أن يؤدي تقرير لجنة خبراء صندوق النقد الدولي الموجودة في مصر منذ أول حزيران/ يونيو الجاري، إلى نتائج لا ترضاها الحكومة، ومن هنا جاءت محاولات لإرجاء التقرير أو المراجعة، بإعلان قبول استقالة الحكومة".

وألمح إلى أنه "كان من الصعب على لجنة الخبراء التابعة للصندوق أن تستكمل المراجعة في ظل حكومة مستقيلة، وكان عليها أن تنتظر حتى يتم تشكيل الحكومة الجديدة".

ومن هنا يرى الخبير المصري، أن "مسألة التطور في سعر الصرف الحالي ليس له أسباب اقتصادية منطقية، خاصة أننا في فترة إجازات المصريين العاملين في الخارج، وهي فترة من المفترض أن يزيد بها عرض الدولار، ومن هنا كان من المفترض أن يكون الدولار ثابتا، أو ينخفض لا يرتفع بمقابل الجنيه".

"أيضا هذا الارتفاع في سعر الدولار مقابل الجنيه، يتزامن وموسم الحج، والمفروض أن يزيد الطلب على العملات الصعبة ومن بينها الدولار، ولكن فترة الحج لم تؤثر كثيرا على سعر الصرف في مصر"، بحسب قول عبدالمطلب.

وأكد أن "تأثير ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه أصبح أمرا معروفا، والآن كل السلع والخدمات الموجودة في مصر أصبحت مقومة بالدولار، لكن المأساة أن كل تحرك طفيف في سعر الدولار إلى أعلى، يقابله ارتفاعات كبيرة في أسعار السلع المصرية إلى الأعلى أيضا، وعندما يتراجع الدولار تأخذ السلع المصرية وقتا حتى تتراجع بنسب قليلة".

وأضاف: "جميعنا يذكر ما حدث في الفترة من كانون الأول/ ديسمبر 2023 وحتى نهاية آذار/ مارس 2024، حينما ارتفع الدولار بالشهور الثلاثة الأولى من تلك الفترة، ثم عاود الانخفاض في الشهر الأخير، لكن السلع لم تعد لمستواها السابق، ولم تستجب لهذه التراجعات إلا ببداية حزيران/ يونيو الجاري، وبنسب طفيفة".

وخلص للقول؛ إن "هناك تخوفات من أن يؤدي هذا الارتفاع في سعر الدولار إلى ارتفاعات في الأسعار، وأتمنى أن تتمكن الأسر المصرية من مواجهة هذه الزيادات، خاصة في ظل ارتفاع قيم فواتير الكهرباء والغاز والمياه بأشهر الصيف، وذلك في ظل ثبات الدخول؛ ما يعني زيادة معاناة المواطن المصري".

"الأمر مبكر للحكم عليه"

من جانبه، قال الباحث المصري في الملف الاقتصادي والعمالي حسن بربري؛ إن "الحكم على ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه يحتاج بعض الوقت، حتى يمكننا تقييم الأمر والتأكد أن سعر الصرف هذا موضوعي، أم أنه شكلي".

القيادي في حزب "التحالف الشعبي"، أوضح في حديثه لـ"عربي21"، أنه لو أن التغير هذا شكلي ونتيجة إجازة طويلة، بجانب تراكم طلبات المستوردين والمنتجين، وخاصة المنتجين الصناعيين، فإن هذا يوضح سبب وجود ضغط على الدولار في أول يوم عمل".

بالنسبة للسوق الموازي، ففي التقدير الشخصي للنقابي المصري والناشط العمالي، فهذه "مناورة منهم على أساس أنه لديهم 4 توقعات خلال الفترة القادمة، وخاصة الأسابيع المقبلة، ورؤيتهم لاحتمال وجود انخفاض في كمية الدولارات الموجودة في السوق أو تراجع ضخها".

وأشار إلى أن "رؤيتهم تلك تأتي نتيجة لعدة اعتبارات يضعونها في الحسبان، أولها أن السعودية قد تسحب وديعتها من البنك المركزي المصري، والبالغة نحو 5.3 مليار دولار، وهو ما يعني نقصا في العملة بالبنك المركزي".

"وثانيا: وجود أقساط ديون خارجية الشهر القادم بقيم تفوق قدرة الدولة على سدادها، وذلك نتيجة لانخفاض إيرادات قناة السويس مع عمليات جماعة الحوثي؛ دعما للمقاومة الفلسطينية بمضيق باب المندب"، بحسب بربري.

وأوضح أن هذا "يؤثر على حركة مرور السفن بقناة السويس ويقلل دخلها، وذلك بجانب انخفاض تحويلات المصريين من الخارج"، مؤكدا أنهما "أهم عاملين داعمين لوفرة الدولار بالسوق المصري".

وختم بالقول؛ إن "الوقت مبكر لتقييم الموقف، وأمامنا على الأقل أسبوع؛ وفي تقديري الشخصي أن السعر الرسمي قد يتوازن مجددا، والدليل على ذلك أن هذا التغير لم ينعكس بزيادة أسعار السلع والخدمات بالسوق المحلي، ولذ فالأمر يحتاج أسبوعا لمراجعة كيف ستسير الأحوال".

"من الذهب إلى الانهيار"

ومنذ انقلاب قائد الجيش عبدالفتاح السيسي، على الرئيس الراحل محمد مرسي، وتواصل عمليات انهيار قيمة العملة المحلية التي بدأت بالجنيه الذهبي والجنيه الفضي بعهد محمد على باشا، عام 1836، وهو ما تبعه عملية طباعة أول جنيه ورقي على يد البنك الأهلي المصري عام 1899.

ومع بداية عهد السيسي، انتقل سعر صرف الدولار مقابل الجنيه رسميا، من نحو 6.8 جنيهات عام 2013، إلى 6.9 جنيهات في 2014، ليصل في 2015 و2016، إلى نحو 8.8 جنيهات رسميا، وحوالي 22 جنيها في السوق الموازي.

ليأتي توجه حكومة السيسي، نحو الاقتراض من صندوق النقد الدولي، في 3 تشرين الثاني/ نوفمبر 2016،  بقيمة 12 مليار دولار، ليكون الضربة القاضية للجنيه، حيث جرى تحرير سعر صرفه لأول مرة في عهده، ليتراجع رسميا إلى 17 جنيها مقابل الدولار.

في آذار/ مارس 2022، وإثر قرار تعويم جديد، واقتراض من صندوق النقد الدولي، تراجعت قيمة الجنيه من نحو 16 جنيها إلى 18.9 جنيها، لتتواصل عمليات تحريك سعر صرف الجنيه بالنصف الثاني من 2022، ليبلغ سعر صرف الدولار 31 جنيها، وذلك مع توقيع مصر اتفاقا مع صندوق النقد الدولي في كانون الأول/ ديسمبر 2022، بقيمة 3 مليارات دولار.

لكنه في المقابل، ازدهرت السوق السوداء بشكل تاريخي، حيث تصاعدت أسعار الصرف إلى 40 ثم 50 ثم 60 وصولا إلى 70 جنيها حتى منتصف شباط/ فبراير الماضي، ليعيد قرار بتحريك سعر الصرف رسميا من 31 جنيها إلى نحو 50 جنيها انضباط السوق الموازية والرسمية، لتبقى في حدود 47 جنيها.