أظهرت نتائج
أعمال العديد من الشركات
المصرية التي خضعت للاستحواذ الخليجي والأجنبي بالسنوات
الماضية تحقيقها أرباحا هائلة، ما اعتبرها البعض مكاسب تصب لصالح سياسة رئيس
النظام
عبد الفتاح السيسي، ببيع الأصول الحكومية والشركات العامة، وتؤكد أن تلك
السياسة حل مباشر لتقليل الخسائر وإنقاذ الاقتصاد الوطني.
وفي رصد لـ "
عربي21"،
لنتائج الأعمال الربع سنوية لبعض
الشركات المصرية التي خضعت للطرح أمام
المستثمرين، حققت شركة "
بلتون" القابضة، إيرادات تشغيلية مجمعة بقيمة
1.33 مليار جنيه خلال الربع الأول من العام الجاري، بزيادة 812 بالمئة على أساس
سنوي، وفق بيان للشركة الأحد الماضي.
وتستحوذ شركة
"شيميرا للاستثمار" الإماراتية على حصة أغلبية في "بلتون"
القابضة منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2022، وعينت الرئيسة التنفيذية لها الوزيرة
السابقة للاستثمار في مصر داليا خورشيد، زوجة محافظ البنك المركزي المصري السابق
طارق عامر.
وفي بيان لها
الأحد أيضا، أعلنت شركة "
مدينة مصر" عن تضاعف أرباحها بنحو 3 مرات في
الربع الأول من 2024، فيما تعد "بي آي جي إنفستمنت غروب" أكبر مساهم
منفرد في الشركة بحصة تبلغ 19.9 بالمئة، وتمتلك "بي إنفستمنت" القابضة
7.5 بالمئة، وتسيطر مؤسسات أجنبية أخرى على حصة قدرها 20.4 بالمئة.
وفي 19
أيار/ مايو الجاري، أعلنت شركة "موبكو" المصرية للأسمدة والتي تستحوذ
الإمارات والسعودية على نحو 45 بالمئة من أسهمها منذ العام 2022، مكاسب صافية وصلت
95 بالمئة في الربع الأول من العام، من فروق أسعار العملة المحلية مقابل الدولار
الأمريكي.
وفي 16 أيار/
مايو الجاري، كشفت مجموعة "
إي فاينانس" للاستثمارات المالية والرقمية،
عن ارتفاع صافي الربح بنسبة 65.4 بالمئة إلى 472.26 مليون جنيه خلال الربع الأول
من العام الجاري.
وكانت الشركة
السعودية المصرية للاستثمار، ذراع صندوق الاستثمارات العامة في مصر، قد استحوذت في
2022 على نحو 24.9 بالمئة من أسهم "إي فاينانس"، المتخصصة بتطوير وإدارة
البنية التكنولوجية للمعاملات المالية والرقمية منذ عام 2005 في مصر.
وفي السياق، وفي
15 أيار/ مايو الجاري أعلنت مجموعة "
أغذية" الإماراتية عن نمو صافي
الإيرادات بنسبة 22.6 بالمئة ونمو صافي أرباح المجموعة بنسبة 32.0 بالمئة خلال
الربع الأول من العام الجاري، مشيرة في بيانها إلى أن الاستفادة من منصة
"أغذية" المصرية عزز النمو في إيرادات الصادرات من مصر لتصل إلى 24.4
مليون درهم إماراتي في الربع الأول من العام.
أيضا، وفي 13
أيار/ مايو الجاري، أعلنت "
فوري" أكبر شركة تكنولوجيا مالية في مصر
والتي تستحوذ عليها شركة "ألفا أوريكس ليمتد" التابعة للقابضة (اي دي
كيو) الإماراتية منذ نيسان/ أبريل 2022، ارتفاع صافي أرباح عملاق التكنولوجيا
المالية بنسبة 149.1 بالمئة على أساس سنوي في الربع الأول من العام الحالي.
كذلك، وفي 9
أيار/ مايو الجاري، أعلنت شركة "
طاقة عربية" ارتفاع صافي أرباحها بنسبة
16 بالمئة خلال الربع الأول من العام الجاري، ليصل إلى 102.7 مليون جنيه، مقابل
88.3 مليون جنيه للربع المماثل من 2023.
تم طرح
"طاقة عربية" في تموز/ يوليو الماضي، بالبورصة المصرية ليسيطر الأجانب
من الإمارات والبحرين وبريطانيا على 98.6 بالمئة في النسبة المشاركة برأس المال،
بينما تأتي النسبة المتبقية بنحو 1.32 بالمئة لصالح المصريين.
"تبرير ودعم سياسات الخصخصة"
وفي قراءته لتلك
الوقائع الاقتصادية قال الخبير الاقتصادي والمسؤول المصري السابق بوزارة التجارة
والصناعة الدكتور عبد النبي عبد المطلب: "بداية فإن سياسة طرح الشركات العامة
والأصول الحكومية كما هو معروف جاءت استجابة للتعهدات المصرية لصندوق النقد الدولي".
وكيل وزارة
التجارة والصناعة للبحوث الاقتصادية سابقا أضاف لـ "
عربي21": "ومن
هنا فهي قرارات أُجبرت الدولة المصرية على اتخاذها، وليست وليدة سياسة وضعتها
الحكومة لأجل رفع كفاءة عمل هذه الشركات أو إعادة هيكلتها".
وتابع:
"ومن هنا وفي ظل البحث عن جذب المزيد من الاستثمارات سواء العربية أو الأجنبية
المباشرة وُجد أن طرح هذه الشركات قد يكون بداية لإغراء عدد من الشركات العربية
والعالمية للقدوم إلى مصر".
وفي إجابته على
السؤال: "هل تكشف نتائج أعمال بعض الشركات بعد بيعها عن وجاهة سياسة طرح الأصول
العامة أمام المستثمرين العرب والأجانب؟"، قال إن "مسألة تحقيق عدد من هذه
الشركات أرباحا أو أنها تحولت من الخسارة إلى الربح أعتقد أن ذلك يمكن اتخاذه
مبررا أو داعما لسياسات الخصخصة".
وأكد أنه
"عندما ننظر إلى نتائج أعمال بعض تلك الشركات نلاحظ الآتي: أولا أن أغلب هذه
الشركات رفع قيمة وسعر الخدمات التي يقدمها، ولا أريد أن أتحدث عن شركات بعينها،
ولكن المصريين لاحظوا أن بعض الشركات قامت برفع مقابل الخدمة بنسبة تقترب من حوالي
66 بالمئة".
"سياسات عادلة للاستخدام"
وفق رؤيته
الاقتصادية لأسباب تحقيق تلك الشركات أرباحها المهولة، وهل نتيجة أعمال جادة
وتطوير وضخ أموال واستثمارات ونجاح إداري إثر فشل الإدارات الحكومية في كل ما سبق؟
أم لوجود تلاعب وسياسات خاطئة أفادت الملاك الجدد؟.. أشار إلى تغيير بعض السياسات مع
الإدارات الجديدة.
وأوضح أنه
"إذا أخذنا بعض الأمور التي لا تخفى على أحد عندما تم خصخصة بعض الخدمات، لا
أقول إنه كانت هناك كفاءة أكثر، ولكن أقول على الأقل تم وضع سياسات عادلة
للاستخدام، وانخفض عدد المستشارين وانخفض ما يتم دفعه من هذه الشركات لعدد من
الجهات بدون فائدة معينة".
وواصل:
"أصبح هناك إلى حد ما كفاءة في الإدارة، بالتأكيد ساهمت في تحقيق أرباح؛ ولكن
الأرباح الحقيقية أتت من جيوب المواطنين، حيث أن أغلب هذه الشركات رفعت مقابل أداء
الخدمة أو أسعار سلعها".
ولكن، هل تشير
تلك النتائج إلى أن البيع هو الحل الأمثل للتخلص من خسارة بعض الشركات العامة
وإنقاذ البلاد من الإفلاس؟
وفي رده، أكد
الخبير المصري، أن "الحديث عن أرباح الشركات التي تم خصخصتها في اعتقادي أنه
يحاول أن يوصل الرسالة للمواطن أن الخصخصة قد ترفع كفاءة الشركات وأن البيع قد
يؤدي إلى أرباح رغم أن الجزء الأكبر من هذه الأرباح لم يعود للخزانة العامة
المصرية".
ولفت إلى أن
"البعض يقول إنه سوف يتم الحصول على ضرائب، وأن رفع كفاءة تلك الشركات سوف
يجذب المزيد من رؤوس الأموال، وأنها رسالة إيجابية عن الاقتصاد المصري".
واستدرك:
"لكن في النهاية تم الاستحواذ على قيم أكبر من جيب المواطن نتيجة سياسة رفع
الأسعار، سواء نتحدث هنا عن شركة موبكو التي تقدم الأسمدة ورفع أسعارها أو شركات
تقديم الخدمات المالية والتي رفعت قيمة خدماتها من 60 إلى 66 بالمئة".
وحول ما يروجه
البعض من أن "أسلوب الخصخصة أو نقل ملكية الشركات سواء للقطاع الخاص المصري
أو القطاع الخاص العربي هو الحل"، يرى عبد المطلب، أن "هذه التجارب لم
تؤد إلى تحقيق تنمية أو رفع معدلات النمو".
وأضاف:
"وفي اعتقادي أيضا، أن البيانات المتاحة حتى الآن لم تساهم في زيادة عرض فرص
العمل للمصريين، لكن لننتظر نهاية العام المالي ثم نبدأ في قياس أثر هذه التجربة
على التنمية في مصر".
وختم بالقول:
"ولو أنني شخصيا أعتقد أن مثل هذه الطروحات وهذا النوع من الخصخصة والاستحواذ
لا يصب ولا يؤدي في مصلحة تنمية الاقتصاد المصري على المستوى القريب أو البعيد".
"بيع بخس وآثاره السلبية قادمة"
وفي تعليقه قال
الخبير الاقتصادي الأردني هاشم الفحماوي: "للأسف الشديد فإن الحكومة المصرية
تبيع بعض الأصول في جلسات بيع بأقل من قيمها الحقيقية، وعلى سبيل المثال شركة
الإسكندرية للحاويات".
المحلل
الاقتصادي للأسواق العربية والعالمية أوضح في حديثه لـ "عربي21" أنها
"باعت هذا الأصل بسعر 8 جنيهات تقريبا وكان سعر الدولار حينها نحو 19.65،
بينما قيمة هذا الأصل الحقيقية حينها أكثر من 25 جنيها"، متسائلا: "فكيف
باعته بـ8 جنيهات، ولحساب من، ومن هم المتنفذين خلف هذا البيع؟"، معتبرا أن
"هذه نقطة سلبية كبيرة".
وأشار إلى أن
"شركة الشرقية للدخان طرحت للبيع بـ 51 جنيها في عام 2011 عندما كان سعر
الدولار تقريبا 6 جنيهات، ليتم بيعها بسعر 24 جنيها وبقرابة سعر صرف 35 جنيها
مقابل الدولار ".
خبير المال
والأعمال أعرب عن تعجبه من "بيع أصول حكومية تحقق عوائد عالية جدا"، متسائلا:
"كيف تبيعها بأسعار زهيدة ومتدنية؟"، موجها حديثه للحكومة المصرية:
"هذا خطأ كبير جدا ترتكبه"، مبينا أنه "المفروض أن تقوم بتأسيس
صناديق لدى البنك المركزي أو تقوم الصناديق الموجودة لديه بشراء هذه الأصول أو
أطرحها أمام شركات خاصة بنظام العطاءات وأبيع جزءا منها".
وعاد الفحماوي،
للاستعانة بالأمثلة متعجبا من "تصفية الحكومة المصرية لشركة الحديد والصلب
حتى تستحوذ على أراضي الشركة المقدرة بـ8 مليارات جنيه ثم إعادتها للتداول، وبدلا
من دعم صناعة الحديد والصلب الاستراتيجية تقوم بتصفيتها".
وواصل تساؤلاته:
"هل يعقل أن تبيع سعر السهم بين 8 و10 و15 جنيها؟"، معتبرا أن "هذا
أمر غير منطقي"، معربا عن قلقه من "استمرار الحكومة في بيع الأصول بغير
أسعارها الحقيقية"، مضيفا: "أين لجنة التقييمات في الحكومة
المصرية؟"، مؤكدا أنها "غائبة وليس لها دراسات حقيقية"، ومشددا على
أن "عمليات بيع الأصول الحكومية بأسعار زهيدة يترتب عليها آثار سلبية خلال
عام 2025 وعلى النمو الاقتصادي المصري".
وتابع:
"هناك أيضا شركة مدينة مصر، كيف تبيع هذا الأصل بينما يحقق لك إيرادات عالية
جدا؟، وكذلك شركة موبكو أكبر وأعرق شركات الأسمدة، كيف تبيعها وهي تحقق لك عوائد
عالية جدا".
وعاد للتساؤل:
"من يبيع الأصول بأسعار زهيدة؟، ثم لمصلحة من؟"، معربا عن أسفه من أن
"السياسة الاقتصادية المتبعة حاليا في مصر سياسة فاشلة، لعدم وجود الخبرة،
وغياب لجان التقييمات".
وأكد أن
"كل ذلك يقدم مؤشرات سلبية تؤثر على سعر صرف الجنيه مقابل الدولار ما يظهر
نهاية 2024، ويؤثر على نمو الاقتصاد المصري أيضا عام 2025"، متوقعا
"حدوث تعويم جديد للجنيه قد يكون إلى 57 أو إلى 60 جنيها مقابل
الدولار"، وفق قوله.
"كرفانات تل أبيب"
وعبر صفحته
بـ"فيسبوك"، قال الخبير الاقتصادي عبدالنبي عبدالمطلب عن تحقيق فورى
أرباحا بلغت 150 بالمئة بعد بيعها: "لم يتحدث أحد عن رفعهم (فوري) تكاليف
الخدمة، ولم يتحدث أحد عن تخفيض سعر الجنيه بنسبة 45 بالمئة"، معتقدا أن
الرسالة هي أن "البيع يحقق مكاسب"، ملمحا إلى أنها تعطي الحكومة مبررا
لمواصلة عمليات بيع الأصول.
وأشار معلقون
إلى أن "المستحوذ الحقيقي والفعلي هو تل أبيب، وأن شركات الإمارات والسعودية
ما إلا كرفانات للتعمية على الشعب وعدم استفزازه بشكل عمدي ومباشر لو تم البيع
للصهاينة مباشرة".
وتحدث معلقون
آخرون عن أن البيع واستمراره ومواصلة حكومة السيسي ذات سياسة التفريط "خطوة
مهمة جدا ومحكمة للغاية لتركيع مصر وإفقارها وتجويعها وتخريدها وتخريبها لصالح
العدو الصهيوني".
وألمحوا إلى دور
السيسي، قائلين: "الموضوع ليس الحكومة، ولكنه إيلي كوهين الذي يلتزم حرفيا
بتنفيذ مخطط صهيوني محكم للغاية، ومنضبط بالمازورة، تم وضعه في أضابير الموساد
لتدمير مصر وتجويعها وتعطيشها وإفقارها وإفلاسها، والمخطط يسير بنجاح".