قال معهد دراسات الأمن القومي إنه في نهاية حملة عاصفة، هزم الرئيس السابق دونالد
ترامب نائبة الرئيس كامالا هاريس وانتخب رئيسا للولايات المتحدة، بينما تأتي عودته إلى البيت الأبيض على خلفية التوتر الشديد، من بين أمور أخرى، حول قضايا الهجرة والتضخم والجريمة.
وأكد المعهد في تقرير له أنه "من المتوقع أن يركز ترامب على القضايا الداخلية، وخاصة الأزمة على الحدود الجنوبية، فخلال فترة ولايته السابقة، نال تعاطف الجمهور
الإسرائيلي بفضل دعمه لاتفاقيات أبراهام، والاعتراف بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ومع ذلك، فإن ترامب شخصية مثيرة للانقسام في
الولايات المتحدة، لذلك من المهم أن تحافظ إسرائيل على دعمها الحزبي في الكونغرس وبين الجمهور الأمريكي، بما في ذلك في المجتمع اليهودي الأمريكي".
وأكد أنه "خلال فترة الانتقال، يجب على إسرائيل أن تعمل على الحفاظ على حوار وثيق مع نظيرتها الأمريكية، وخاصة في ضوء الحرب متعددة الجبهات التي تخوضها ضد إيران، وفي حال فتحت الإدارة الجديدة والقوى العالمية مفاوضات حول اتفاق نووي جديد مع إيران، فمن الأفضل لإسرائيل أن تحاول التأثير على شروطه بدلا من معارضته تماما".
وفي نهاية حملة انتخابية عاصفة وفرز مطول للأصوات، أُعلن عن دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة، وهزم هاريس بعد سباق متقارب ومثير للجدل، بعد أن خاض حملة ركزت على التهديد الذي تشكله الهجرة إلى الولايات المتحدة وروجت لمواقفه بشأن الاقتصاد والجريمة والسياسة الخارجية.
وساعدت حملة ترامب في الفوز بأغلبية جمهورية في مجلس الشيوخ أيضا، في حين أنه من غير الواضح حاليًا ما إذا كان مجلس النواب سيبقى في أيدي الجمهوريين أم سينتقل إلى الديمقراطيين.
اظهار أخبار متعلقة
وقال المعهد إنه "خلال فترة الانتقال التي تستمر شهرين، حتى تنصيب ترامب في 20 كانون الثاني/ يناير 2025، من المرجح أن يسعى الرئيس جو بايدن، المتحرر من القيود السياسية والقيود الانتخابية، إلى ترسيخ إرثه، وفي سياق الشرق الأوسط، يعني هذا السعي إلى إنهاء الحرب بين إسرائيل وحماس وحزب الله، وقبل كل شيء الترويج لصفقة لإطلاق سراح الرهائن المحتجزين لدى حماس".
وأضاف أن بايدن قد "لا يتردد في ممارسة ضغوط شديدة على إسرائيل لتحقيق هذه الغاية، ومن الضروري إذن أن تحافظ إسرائيل على علاقات وثيقة مع الإدارة المنتهية ولايتها، في الوقت نفسه الذي تعمل فيه على صياغة إستراتيجية وتطوير العلاقات مع فرق انتقال السلطة في إدارة ترامب القادمة، في محاولة للتوصل إلى تفاهمات بشأن أجندة استراتيجية مشتركة، ومن المهم للغاية أن تتوصل إسرائيل أيضا إلى تفاهمات مبكرة مع الإدارة الجديدة، على افتراض أنها ستبدأ في الأيام الأولى بعد تنصيبها في تحديد أولويات السياسة".
التداعيات على السياسة الداخلية
اعتبر المعهد أن فوز ترامب، مع نائبه السيناتور جيه دي فانس من أوهايو، يرمز إلى الصعود الرسمي للجناح الشعبوي والقومي في المعسكر الجمهوري، ولقد أثار خطاب ترامب المضطرب في الحملة، والذي غالبًا ما كان ملوثًا بالصور العنصرية والعنيفة، إلى جانب أسلوبه الاستبدادي، وتسامحه مع معاداة السامية في أجزاء من القاعدة الجمهورية، ووعده باستخدام سلطات منصبه ضد أعدائه السياسيين، اتهامات ضده بنية الحكم بطريقة استبدادية.
وأضاف أنه "في الوقت نفسه، توجد الآن في الولايات المتحدة مخاوف من احتمال حدوث اضطرابات مدنية وتحديات قانونية ودستورية غير مسبوقة، وسيواجه معارضة قوية من صفوف الديمقراطيين، لكنه يدخل ولايته الثانية بفهم أعمق للجهاز الحكومي الأمريكي، مع شبكة مخلصة من المستشارين، وسيطرة أكبر على حزبه".
وقال: "لقد تعهد أوباما بتعيين الموالين له في البيروقراطية الفيدرالية، وبالتالي فهو في وضع مريح يسمح له بالدفع بأجندته وتشريعاته داخل الكونجرس والحكم في ظل ضوابط وتوازنات أقل من الماضي. وفي الشؤون الداخلية، ستكون الأولوية القصوى بالنسبة له هي الوفاء بوعده الرئيسي في الحملة الانتخابية ــ وقف ملايين المهاجرين غير الشرعيين وترحيلهم، وفرض قيود صارمة على الهجرة القانونية إلى الولايات المتحدة".
"أسئلة أكثر من الإجابات"
وأكد المعهد أن "السياسة الخارجية الأمريكية ستتشكل وفقا لنظرة ترامب التجارية للعالم ونفوره من الأدوات التقليدية التي استند إليها النفوذ الأمريكي في مختلف أنحاء العالم، ويشمل نهج "أمريكا أولا" الذي يروج له التزاما بتوسيع اتفاقيات التجارة وتنفيذ التعريفات الجمركية الحمائية، بحجة أن التجارة الحرة أضرت بالعمال الأميركيين والطبقة العاملة.
ويجسد هذا النهج أيضا التشكك في السياسة الأمريكية، التي تتسم بالمشاركة العالمية الواسعة والدفاع عن النظام العالمي الليبرالي، ويشير أنصار ترمب إلى أن "أمريكا أولا لا تعني أمريكا وحدها"، وأن ولايته السابقة شملت تعزيز العلاقات الأمريكية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، مع إسرائيل ومع دول الخليج، ومع ذلك، إلى جانب توضيح العناصر التي يكرهها في النظرة العالمية القائمة، فإن ترامب لا يحمل وجهة نظر عالم من نظامه الخاص، بل إنه كما يزعم مستشاره السابق للأمن القومي روبرت أوبراين، يطيع "غرائزه ومبادئه الأمريكية التقليدية، التي هي أعمق من المفاهيم العالمية في العقود الأخيرة". في هذا السياق، دعونا نتذكر أن الولايات المتحدة كانت ترى نفسها لسنوات عديدة قبل الحرب العالمية الثانية غير مسؤولة عما حدث في "العالم القديم" وغير متورطة فيه.
في ما يتعلق بالعلاقة بين ترامب والنظام الدولي، فإن الافتقار إلى مبدأ تنظيمي يترك أسئلة أكثر من الإجابات وخاصة في الوقت الحاضر، الذي شهد تكثيفًا متزايدًا للمنافسة بين القوى منذ الحرب الباردة، ومن المرجح أن يتجلى التعبير الأكثر وضوحًا عن غرائز ترامب الشعبوية في مجموعة تحالفات الولايات المتحدة، وخاصة تجاه حلفائها الأوروبيين وقضية الحرب في أوكرانيا. لطالما اشتكى ترامب من "الترامبيين"، الذين لا "يدفعون حصتهم"، وطالب بشدة بأن تفي جميع دول حلف شمال الأطلسي بالتزاماتها بتخصيص 2% من ناتجها المحلي الإجمالي للإنفاق الدفاعي.
وهدد في مناسبات عديدة بانسحاب الولايات المتحدة من حلف شمال الأطلسي، وقد تتسبب فترة رئاسية ثانية في مزيد من التوتر في صفوف الولايات المتحدة. وفي ما يتعلق بأوكرانيا، تحدث ترامب عن رغبته في إنهاء الحرب وانتقد الدعم المالي الأمريكي الكبير لكييف. في ضوء ذلك، من المرجح أن يخفض ترامب بشكل كبير المساعدات الأمريكية لأوكرانيا ويدعم التنازلات الأوكرانية الكبيرة لروسيا.
ومن المتوقع أن تكون الصين مصدر قلق كبير لترامب، إذا تم انتخاب أنصار إعطاء الأولوية لآسيا في أجندة
واشنطن لمناصب رئيسية في الإدارة، فمن المرجح أن يتم دفع الشرق الأوسط جانبا لصالح شرق آسيا والمواجهة المباشرة مع الصين، وبدلا من ذلك، إذا كان الأشخاص الرئيسيون المعينون هم أولئك الذين يرون أن التحدي الذي تشكله الصين مرتبط بصراعات أخرى، بما في ذلك قضية إيران، فقد تظل إسرائيل والشرق الأوسط ساحة مركزية للاهتمام والموارد الأمريكية.
الشرق الأوسط
قال المعهد إن الفترة الأولى لترامب تميزت بعلاقات الدعم الوثيقة مع "إسرائيل" ودول الخليج، وخاصة السعودية والإمارات، والتي توجت بـ "اتفاقيات أبراهام"، وشمل دعم ترامب الاعتراف بسيادة "إسرائيل" على مرتفعات الجولان، ونقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس، والانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، واغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني، وعلى هذه الخلفية، فلا عجب أن أظهرت استطلاعات الرأي التي أجريت قبل الانتخابات أن أغلب الإسرائيليين يفضلون ترامب على هاريس.
اظهار أخبار متعلقة
وأضاف أنه "في ما يتعلق بقضية إيران، فإنه يمكن للمرء أن يتوقع أن يكثف ترامب الخطاب الذي يستخدمه البيت الأبيض تجاه طهران ويستأنف فرض عقوبات اقتصادية كبيرة، بالإضافة إلى ذلك، فإنه قد يأمر باستخدام القوة العسكرية الأمريكية ضد شخصيات إيرانية متورطة في أنشطة إرهابية في جميع أنحاء الشرق الأوسط. ومع ذلك، فستمتنع إدارة ترامب عن العمل العسكري ضد القدرات النووية الإيرانية، خوفًا من تورط أميركا في حرب جديدة في الشرق الأوسط".
واعتبر أن "الدعم الذي عبر عنه في الأشهر الأخيرة للعمليات العسكرية الإسرائيلية ضد طهران لن يظل ساري المفعول بالضرورة خلال فترة ولايته، حيث قد تشكل عواقبها تحديًا للولايات المتحدة أيضًا. ونظراً لاحتمالية العمل الأمريكي المباشر ضد البرنامج النووي الإيراني، فسوف يتبقى لترامب وسيلتان للتعامل مع طموحات طهران النووية: العقوبات الاقتصادية، التي تكون فعاليتها في وقف البرنامج النووي محدودة، والمفاوضات من أجل تجديد الاتفاق النووي. لذلك، وعلى الرغم من ازدرائه العلني للنظام الإيراني، فقد يفتح ترامب مفاوضات مع طهران - وهي الخطوة التي دعمها علناً في الماضي، مدعياً أنه يمكن أن يتوصل إلى اتفاق أفضل مع إيران من الاتفاق الذي صاغته إدارة أوباما في عام 2015. ومن المتوقع أن تجعل مزاجية ترامب وعلاقته بالقيادة الإسرائيلية الحالية من الصعب على الحكومة الإسرائيلية معارضة مثل هذه المفاوضات علناً، على غرار محاولة منع الاتفاق النووي الأصلي مع إيران".
أما بالنسبة لـ "إسرائيل"، فإن تقلبات ترامب تثير العديد من الأسئلة في هذا السياق أيضًا، والقضية الأكثر إلحاحًا هي الحرب المستمرة ضد محور المقاومة الذي تقوده إيران في لبنان وقطاع غزة، ولقد أعرب ترامب عن رغبته في رؤية نهاية الحرب في غزة حتى قبل توليه منصبه في 20 كانون الأول/ يناير، لكنه لم يوضح علنا رؤيته لليوم التالي.
وأشار إلى أنه "إذا كان الماضي يعلمنا عن نواياه، فمن المشكوك فيه للغاية أن يحد ترامب من المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل من أجل كبح جماحها. ومع ذلك، بالنظر إلى دعمه لـ "اتفاقيات أبراهام" و "صفقة القرن" مع الفلسطينيين، فهناك احتمال واضح بأن تدعم حكومته نسخة ما من حل الدولتين (ربما نسخة تتضمن السماح بضم مساحة كبيرة من الضفة الغربية إلى إسرائيل)".
وأوضح أنه "إذا وافقت السعودية على ذلك، فمن الممكن أن يتشكل دعم سعودي وعربي واسع النطاق لإعادة إعمار قطاع غزة، والإصلاحات في السلطة الفلسطينية، وتوقيع اتفاقيات دفاع بين الولايات المتحدة وإسرائيل وبين المملكة العربية السعودية. من ناحية أخرى، وفي ضوء حقيقة مفادها أن عددا من مستشاري ترامب، فضلا عن الحكومة الإسرائيلية نفسها، قد صرحوا بأنهم لا يرون في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني مفتاحا للاستقرار الإقليمي، فقد يتجنب ترامب الربط بين التقدم نحو حل الدولتين وتوسيع اتفاقيات أبراهام".
من ناحية أخرى، وفي ضوء إصرار السعودية على أن تتضمن خطوات التطبيع مع "إسرائيل" التزاما إسرائيليا بأفق سياسي للفلسطينيين، فإن الرفض الإسرائيلي للقيام بذلك قد يحبط الجهود الرامية إلى الترويج لاتفاق إقليمي جديد، لذلك فإن من المرجح أن "يضغط ترامب على الحلفاء لمنع التحقيقات الدولية ضد القادة والجنود الإسرائيليين في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي".
وأكد أن "دخول ترامب إلى البيت الأبيض سيؤثر على قضيتين رئيسيتين في الأجندة الإسرائيلية: الموقف الأمريكي من السياسة الداخلية لإسرائيل والمساعدات الأمريكية لإسرائيل، وفي ما يتعلق بالسياسة الإسرائيلية، فإن معارضة إدارة بايدن للثورة القانونية كانت من بين العوامل التي قيدت جهود الحكومة الإسرائيلية لإعادة تشكيل النظام الدستوري للبلاد. من ناحية أخرى، من المرجح أن يكون ترامب أكثر تعاطفًا من الرئيس بايدن مع التحركات التي تريد الحكومة الترويج لها في هذا الصدد. وفي ما يتعلق بالمساعدات الأمريكية، فإن دعم ترامب المبدئي لإسرائيل لا يعني بالضرورة الدعم المادي".
اظهار أخبار متعلقة
وذكر أن "ترامب هو معارض ثابت للمساعدات الخارجية الأمريكية في جميع أنحاء العالم، ويدعو إلى تحويل المنح إلى قروض، والتي يتعين على الدول سدادها، قد يكون تنفيذ هذا الموقف في ما يتعلق بإسرائيل تحديًا كبيرًا في وقت من المقرر أن يزداد فيه الإنفاق الدفاعي لإسرائيل والاعتماد على المساعدات العسكرية الأمريكية قوي، وخاصة في التحضير للمفاوضات بشأن مذكرة المساعدات الأمنية التالية خلال فترة ترامب".
توصيات سياسية
قال المعهد إنه "يتعين على إسرائيل السعي للحفاظ على الدعم الحزبي في الكونغرس، وسوف تكون أصوات الديمقراطيين حاسمة في الموافقة على مذكرة المساعدات الأمنية المقبلة والموافقة على العنصر الأمريكي في أي اتفاق إسرائيلي سعودي، لذلك، يتعين على إسرائيل أن تبذل جهودا في الحفاظ على العلاقات مع المشرعين الديمقراطيين وتقليص الفجوات القائمة في التعامل معهم".
وفي حالة تحويل التركيز الأميركي إلى الصين ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ، يتعين على "إسرائيل" أن تثبت جدارتها كحليف وشريك إستراتيجي للولايات المتحدة، حتى مع تحرك واشنطن لمزيد من الموارد شرقا.
وسوف يكون تعزيز التكامل الإقليمي لـ"إسرائيل" عنصرا في إثبات قيمتها في المواجهة الأمريكية مع الصين وحلفائها في الشرق الأوسط.
وختم بأنه "في حالة المفاوضات نحو تشكيل اتفاق نووي متجدد بين إيران والقوى العالمية، يتعين على إسرائيل أن تعمل مع الإدارة الأمريكية، وليس معارضتها علنا، من أجل تحسين فرص أن يساهم الاتفاق الذي تم التوصل إليه في تحقيق مصالحها".