قال كاتب إسرائيلي إن قوات
الاحتلال ستظل عاجزة عن هزيمة حركة المقاومة
الفلسطينية "
حماس" في قطاع
غزة.
الكاتب نمرود كورينغون، عضو منتدى الباحثين بمركز إليشار في معهد بن تسفي بالقدس المحتلة، نشر مقالا في صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية تحت عنوان "لماذا لا تستطيع إسرائيل هزيمة حماس؟".
وأوضح كورينغون أنه بعد مرور 8 أشهر من الحرب، فلا تزال "حماس" تحافظ على هيكلها القيادي، وتدير المعارك، وتحتفظ بالأسرى، مرجعا الفضل في ذلك إلى "الأنفاق" بالدرجة الأولى.
وتاليا الترجمة الكاملة للمقال:
أكثر ما يثير الإحباط الشعبي بشأن الحرب، بعد إخفاق السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، يتعلق بعدم قدرة إسرائيل على هزيمة حماس. وعلى الرغم من زج إسرائيل بقواتها داخل غزة وقيامها بعملية عسكرية ضخمة، تكاد تكون غير محدودة من حيث الموارد أو الزمن، فما زالت حماس تقف على قدميها.
وحتى التدمير الشامل للبنى التحتية للإرهاب وقتل المسلحين، ورغم التفوق الذي حققه الجيش الإسرائيلي جواً وبحراً وبراً، كل ذلك لم يفض إلى انهيار الحركة.
لم تزل إسرائيل في صراع منذ سنين إزاء ما الذي ينبغي أن تفعله مع غزة. ومن ضمن الخيارات التي حددها المسؤولون الأمنيون (على سبيل المثال آي إن إس إس في عام 2020)، جاء احتمال الاستيلاء على القطاع عسكرياً في ذيل الأولويات. وكانت التحفظات الرئيسية على احتلال قطاع غزة تتعلق بالتكلفة الباهظة للحياة البشرية، وحالة الفوضى التي ستنشأ في غزة، وانعدام الشرعية الدولية لعملية واسعة النطاق. ولكن لم يحصل أن تم الأخذ بالاعتبار إمكانية الإطاحة بنظام حماس.
كما أنه لم يكن من الممكن تصور مذبحة السابع من أكتوبر قبل وقوعها، لم يكن ممكناً كذلك تصور أن القوة العسكرية الأقوى في المنطقة، والتي هزمت من قبل عدة جيوش في ستة أيام، لن تكون قادرة على إلحاق الهزيمة بمنظمة إرهابية محلية حينما أجبرت على ذلك.
لماذا إذن لم يتسن إلحاق الهزيمة بحماس؟
الإجابة المدهشة، والتي كانت دوماً تحت بصرنا، هي الأنفاق، والأكثر من ذلك، إنه التفوق الذي أحرزته حماس تحت الأرض. جميع "الامتيازات النسبية" الأخرى التي اكتسبتها حماس تم حرمانها منها: تحركها من داخل المراكز السكانية المدنية – عبر الإخلاء المكثف، وأسلوبها في إيجاد الملاذ في المواقع المدنية (المستشفيات، المدارس، المساجد، إلخ.) من خلال حرمانها من الحصانة، والهجوم عليها. إلا أن الخواص السابقة على العسكرة لحماس، نشاطها تحت الأرض، لم تتأثر كثيراً.
تسكن المنظمة داخل الأنفاق، وتتحرك فيها ومنها، وتحتفظ بتسلسل قيادي، وتستنفر القوات المسلحة، وتمسك بالرهائن تحت الأرض. في نفس الوقت، تستخدم الأنفاق كما لو كانت قلعة، وتستمر في حفر الأنفاق الجديدة أثناء القتال. هذا هو مصدر قوتها والسبب من وراء بقائها على قيد الحياة. بدون الأنفاق، لربما انتهت الحرب في شهر أكتوبر (تشرين الثاني). رغم أن إسرائيل تعمل هي الأخرى داخل أنفاق، ربما على مستوى أقل بكثير، إلا أنها لا تبقى بشكل دائم في داخلها، ولا تناضل من أجل اختراق الوسط الجوف أرضي ككل.
بالإضافة إلى ذلك، تتجنب إسرائيل محقة جلب قوات ضخمة إلى داخل الأنفاق. ولذلك فإن العمليات التي تنفذها تحت الأرض تشبه من حيث المدى النسبي تلك العمليات التي تقوم بها حماس فوق سطح الأرض – عمليات ذات أهداف محددة وصغيرة الحجم. عادة ما تخرج حماس إلى السطح، فتطلق الصواريخ المضادة للدبابات، ثم تسارع إلى الاختباء ثانية تحت الأرض في الأنفاق. وفي هذه الأثناء ينزل الجيش الإسرائيلي إلى ما دون السطح، فيدمر العدو وبناه التحتية، ثم يعود إلى السطح.
واقع الحرب في قطاع غزة أقل فوضوية مما يبدو عليه الأمر، وعلى النقيض من الفكرة الشائعة، فإن ثمة حد يفصل بين قوات الجيش الإسرائيلي وقوات حماس – الفرق الوحيد هو أن هذا الحد لم يعد كما كان من قبل – غرب الكيبوتس – بل هو ممتد الآن فوق سطح الأرض نفسها.
وتخضع المساحة التي فوق الأرض لسيطرة إسرائيل، بينما المساحة التي تحت الأرض تحتلها حماس. وأثناء الدخول البري في نهاية شهر أكتوبر/ تشرين الأول، والعملية الضخمة التي نفذتها القوات الإسرائيلية، انسحبت قوات حماس إلى جوف الأرض وأقامت هناك خط دفاع. ومنذ ذلك الوقت، فإنه هناك، في معظم الأحيان، تدور عمليات قتال مشترك خلف خطوط العدو. بالنسبة لحماس، خلف العدو هو الآن جباليا أو رفح، أما بالنسبة لإسرائيل فإن الأنفاق التي تحت هي خلف العدو.
إن التصريحات المهينة التي تسمع في إسرائيل عن أن زعيم حماس يحيى السنوار يختبئ مثل الفأر في الجحور لا تنجم عن عدم الاحترام أثناء البحث عنه في رمال غزة العميقة، وإنما تنم بشكل أساسي عن الإحباط وعن الخوف (المبرر) من أنه لا يمكن بالوسائل المتاحة النزول إلى أعماق الأنفاق ووضع اليد على كبار المسؤولين في حماس الذين يتحصنون هناك. فلقد تعرضت القوات الإسرائيلية التي دخلت إلى أعماق الأنفاق للأذى بسبب المصائد التي تنصب لها وبسبب عدم وجود حماية كافية لها.
لقد حققت إسرائيل نجاحات تكنولوجية أمنية وعسكرية رفيعة المستوى، ولكنها لم تكن مستعدة لخوض حرب تحت الأرض. سواء من حيث الأسلحة المكرسة، أو الأفراد المدربين، أو العقيدة القتالية، لا تتوفر لدى قواتها ناقلات جنود مصفحة للاستخدام تحت الأرض، ولا سلاح هندسة أنفاق، ولا عقيدة قتالية شاملة، وغير ذلك من الموارد المطلوبة من أجل محاربة الوسط الرئيسي الذي يتواجد فيه العدو الحمساوي. لقد علمتنا الحرب الحالية أنه بقدر ما هو محال تصور حرب بحرية فعالة بدون سفن حربية أو غواصات أو عناصر بحرية، فإنه كذلك من المستحيل إلحاق الهزيمة بقوة تتخذ من جوف الأرض مقراً لها دون أن تتوفر لديك الموارد الضرورية.
لهذا الغرض، فإنه لا بد للمرء أن يكون مستعداً لخوض القتال في أي وسط (جواً وبحراً وبراً)، وإلحاق الهزيمة بالعدو من خلال نشر القوات تحت الأرض (وليس فوق الأرض). إذا كان الانطباع بأنه لا يمكن هزيمة العدو بدون غزو بري صحيحاً، فإنه في حالة حماس لا يمكن إلحاق الهزيمة بها بدون غزو جوف الأرض – فتلك هي المساحة التي يقاتل فيها العدو، وينبغي على المرء أن يكون هناك ليناور ويجتاح ويهزم.
فحتى التصريحات حول حجم ومساحة الأنفاق (التي تصل إلى ما يبلغ طوله 500 كيلومتر) لا تقدم تفسيراً مقنعاً حول لماذا لم يتسن اجتياحها – فهناك آلاف الكيلومترات من الطرق، وعشرات آلاف الكيلومترات من المناطق المعمرة في قطاع غزة، ومع ذلك لم يحل أي من ذلك دون اجتياحها.
في الأيام الأولى للحرب، رافق الصدمة التي شكلتها همجية جرائم حماس، انتشار على نطاق واسع في إسرائيل وحول العالم لوجهة نظر ترى أن حماس قد مارست الانتحار. افترض كثيرون أن المذبحة التي ارتكبتها المنظمة حكمت عليها وحسمت مصيرها، وأن كل هدفها بعد السابع من أكتوبر كان إلحاق أكبر أذى ممكن بإسرائيل بينما تتعرض هي للانهيار والدمار. بدا كما لو أن "طوفان الأقصى" جلب النهاية للمنظمة التي كانت إسرائيل على استعداد لاحتوائها طالما أن خطرها ظل محدوداً لا يتجاوز "نزراً يسيراً" من الصواريخ، وبعض الجولات القتالية مرة كل بضع سنين، وإطلاق البالونات الحارقة بشكل دوري.
إلا أن بقاء المنظمة وكبار العناصر فيها على قيد الحياة بعد ثمانية شهور من حملة عسكرية في غاية القوة يتطلب إعادة نظر في فرضية استشهاد المنظمة. وبناء عليه فلا بد من إثارة السؤال التالي: هل ظنت حماس أن إسرائيل سوف تعلن حرباً واسعة النطاق ضدها؟ ربما كانت الإجابة نعم. هل ظن قادتها أنهم سوف ينجون من مثل هذه الحرب؟ وهنا أيضاً، ربما كانت الإجابة نعم.
لقد علمت حماس أن لديها مكسباً استراتيجياً لم تزل تطوره على مدى عقدين من الزمن، وأن هذا ما سوف يسمح لها بالبقاء على قيد الحياة حتى فيما لو قامت إسرائيل باحتلال القطاع بشكل كامل – احتلال فوق الأرض ولكنه ليس احتلالاً تحت الأرض. لعله من المحتمل أن هذا الإدراك بأنها تمتلك هذه التقنية، والتي هي عبارة عن قبة حديدية تحت الأرض، والتي تضمن درجة أعلى من البقاء لمعظم الجيوش في المنطقة، هو ما حفزها على شن الهجوم في يوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، والاستخدام الكامل لهذا المكسب، الذي لم يواجه حتى ذلك الحين أي تحد، لعلمها بأن إسرائيل لا تملك من الوسائل ما يمكنها من التغلب عليه.
طالما أن إسرائيل لا تملك هذه القدرات، فمن المحتمل ألا تتمكن من هزيمة حماس، وعليها إذ ذاك أن تقنع بحصارها وحرمانها من أن تنشأ فوق الأرض. يأتي الاعتراف بمثل هذا الواقع على خلفية التغير الحاد في سلوك إدارة بايدن، والتي كان واضحاً في البداية أنها أيدت تفكيك حماس، ولكن لم تعد ترى ذلك بعد أن أدركت، لسوء الحظ، أن هذه الغاية غير قابلة للتحقيق ضمن القدرات المتاحة.
على الرغم من "الفئرانية" والصورة التي تعود إلى ما قبل الحداثة، إلا أن ما تمكن لحماس من استخدام للأنفاق كان مذهلاً بحق، إذا جعلها تتفوق تقنياً في المعارك التي تدور رحاها تحت الأرض. مثلها في ذلك مثل الأمريكيين، فإنه ينبغي على إسرائيل أن تنظر إلى الواقع، مهما كان ذلك محبطاً، وأن تجتهد ما وسعها الأمر من أجل إحداث التغيير المطلوب. ولكن طالما أنها لا تملك لا التقنية ولا الموارد لإلحاق الهزيمة بالعدو، فإنه يتوجب عليها السعي لإبرام صفقة لوقف إطلاق النار تتمكن من خلالها من استعادة الرهائن، فاستعادتهم تبقى هي القضية الأهم.
للاطلاع على النص الأصلي (هنا)