ملفات وتقارير

أهالي غزة يستعينون بالرياضة للتخلص من ضغوط الحرب النفسية

هناك جملة من التحديات التي تواجه الراغبين في ممارسة الرياضة خلال الحرب- جيتي
لم تثن الحرب الإسرائيلية المدمرة على قطاع غزة، الكابتن محمد عيسى مدرب كمال الأجسام، عن إعادة افتتاح صالته الرياضية في مخيم النصيرات بالمحافظة الوسطى، رغم الأوضاع الأمنية الصعبة والظروف القاسية التي يعيشها الفلسطينيون.

وأخذ عيسى قرار إعادة افتتاح صالته الرياضية قبل شهر تقريبا، رغم التحديات والمخاوف التي ساورته، بسبب استمرار القصف الإسرائيلي العنيف على مخيم النصيرات، والنقص الشديد في المواد الغذائية، والظروف المادية الصعبة التي يعيشها السكان والنازحون بفعل استمرار الحرب.

ويقول عيسى للأناضول: "كانت هناك مخاوف كبيرة بسبب الأوضاع الخطيرة واستمرار القصف الإسرائيلي على المخيم، وأحيانا في المناطق المحيطة بصالة النادي، لكن محبي رياضة كمال الأجسام والقوة البدنية شجعوني على اتخاذ هذا القرار".

ويضيف مدرب كمال الأجسام صاحب الجسد الضخم والعضلات المفتولة: "الإقبال على الاشتراك في الصالة الرياضية قبل شهر كان ضعيفا وخجولا، لكن مع مرور الوقت، بدأ الإقبال يتزايد من الشباب ومحبي الرياضة رغم الحرب".



ويعزو إعادة افتتاح الصالة الرياضية إلى توفير مصدر دخل تعتاش منه عائلته، بعد مرور أكثر من 8 أشهر على الحرب في ظل الأزمة الاقتصادية في القطاع، فضلا عن مطالبات وصلت إليه من رياضيين بضرورة إعادة فتح الصالة لاستئناف ممارسة الرياضة بعد انقطاع طويل.

ويتابع عيسى: "وصلنا في غزة إلى مرحلة التكيف مع الظروف المحيطة، خاصة أن أمد الحرب طال كثيرا، والشباب بات يبحث عن طريقة لتفريغ الضغط النفسي وإعادة بناء أجسادهم من جديد، ونحن شعب يحب الحياة، ويتكيف مع كل الظروف الصعبة التي يمر بها".

وخلال الأشهر 7 الأولى من الحرب، اضطر عيسى لتحويل الصالة الرياضية إلى مأوى لعائلته بعد قصف الجيش الإسرائيلي منزلهم، قبل أن يقرر إعادة افتتاحها من جديد في أيار/ مايو الماضي.

أحلام مفقودة
يقول مدرب كمال الأجسام بغزة؛ إنه عكف قبل الحرب على تجهيز 7 رياضيين فلسطينيين للمشاركة في بطولة محلية لكمال الأجسام.

وتابع: "كنت أحد أفراد هذه المجموعة التي كنا نطمح بالمشاركة في بطولة فلسطين، التي كانت ستقام على أرض غزة في 30 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، لكن الحرب حالت دون انطلاق البطولة وفقد الشباب حلمهم في المشاركة بها".

كما كان هؤلاء الرياضيون "يطمحون للتسجيل في البطولة الدولية التي ستقام في آسيا، وتمثيل فلسطين في المحافل الدولية"، وفق قوله.



وأشار إلى أن الحرب كانت سببا كبيرا في إفشال مشاركتهم بهذه البطولة، لافتا إلى أن جزءا من الرياضيين الذين تم تدريبهم قُتِل خلال الحرب، والجزء الآخر تعرض لإصابات مختلفة، وأما الجزء الثالث فقد غادر إلى خارج القطاع وفقد حلمه.

تحديات وصعوبات
ويترتب على إعادة افتتاح الصالة الرياضية في ظل استمرار الحرب مجموعة من التحديات، لخص عيسى أبرزها بـ"حاجة الرياضي إلى نظام غذائي دقيق ومتكامل، تتوفر فيه بروتينات وكربوهيدرات وفيتامينات وعناصر غذائية".

لكن توفر هذا النظام يبقى تحديا صعبا وكبيرا، خاصة في وقت يعاني فيه قطاع غزة من نقص شديد في المواد الغذائية، ولا سيما اللحوم والخضروات والفواكه، بحسب عيسى.

ويعتمد سكان القطاع ومن بينهم الرياضيون على المواد الغذائية المعلبة، التي توفرها بالعادة المساعدات الغذائية الإغاثية، التي يتم توزيعها من مؤسسات دولية.

وبين عيسى أنه في حال توفر المواد الغذائية المطلوبة، فإن أسعارها تكون مرتفعة جدّا، ما دفع الرياضيين إلى البحث عن بدائل مناسبة في المعلبات الغذائية.

تفريغ الطاقة السلبية
يقول عيسى؛ إن ضغوطات الحياة اليومية في ظل الحرب المستمرة تدفع الشباب للتوجه إلى الصالة الرياضية؛ كونهم يشعرون بالراحة النفسية، ويعملون على تفريغ الطاقة السلبية خلال ممارستهم للرياضة.

رجل الأعمال الفلسطيني علاء بدوان النازح من مدينة غزة، يمارس رياضة اللياقة البدنية داخل الصالة الرياضية، من باب تخفيف الضغوطات النفسية وتفريغ طاقته السلبية.

ويقول بدوان للأناضول: "أعشق الرياضة بجميع أشكالها وألوانها، وبمجرد أن سمعت بافتتاح ناد في النصيرات توجهت لزيارة المكان وتعرفت عليه، وقمت على الفور بحجز بطاقة مشاركة في النادي، والتحقت به ولازلت مستمرا للأسبوع الثالث على التوالي، دون انقطاع".

ويضيف: "لا يختلف أحد على أننا نعيش ظروفا قاسية وصعبة، ونفسية مدمرة، فكان لا بد من البحث عن وسيلة لتفريغ الطاقة السلبية، فلا يوجد بديل في الوقت الحالي إلا النادي، ولم أتردد في التوجه إليه لتفريغ الهم والكبت".

ويوضح بدوان أن اللاعب في أثناء التمرين يخرج عن البيئة المحيطة والأجواء التي يعيشها، ويركز بشكل كامل في ممارسة الرياضة.



وحث بدوان جميع الشباب على ممارسة الرياضة للتخفيف من الضغوط النفسية التي خلفتها الحرب، معربا عن آماله في انتهاء الحرب وعودة السكان إلى حياتهم الطبيعية.

القفز عن المعيقات
بدوره، يقول الفنان الفلسطيني محمود زعيتر؛ إنه كان يمارس الرياضة قبل الحرب، فضلا عن اهتمامه بالنظام الغذائي.

وأضاف للأناضول: "التمارين الرياضية كانت كالإدمان بالنسبة لنا، لم نستطع تركها أو التخلف عنها، لكن بفعل الحرب اضطررنا بشكل قسري لتركها وانشغالنا بقضايا الحياة اليومية".

وأوضح أن اشتراكه في النادي أعاد إليه ذكريات "سنوات طويلة من ممارسة رياضة رفع الأثقال واللياقة البدنية"، لافتا إلى "التزامه الحالي بالتمارين الرياضية".

واستكمل قائلا: "ممارسة الرياضة في الصالات الرياضية في غزة كان أسلوب حياة للشبان قبل الحرب، والآن أصبح بالإمكان العودة إلى ممارسة الرياضة مجددا، رغم المخاوف الكثيرة التي تساور البعض من الوضع الأمني وإمكانية استهداف المكان أو المنطقة المحيطة".

وأشار إلى نجاحه في القفز عن المعيقات كافة التي تواجهه خلال ممارسته للرياضة في الوقت الحالي، خاصة فيما يتعلق بالمواصلات؛ كونه من سكان مدينة دير البلح التي تبعد عن المخيم نحو 4-5 كيلومترات.

ومنذ بداية الحرب ومع شح توفر الوقود بسبب إغلاق المعابر، تبقى مهمة الحصول على مواصلات عامة صعبة للغاية، حيث استبدل السكان هذه المواصلات بالعربات التي تجرها حيوانات.

وختم قوله قائلا؛ إنه تجاوز أيضا عقبة عدم توفر غذاء صحي متكامل من خلال حصوله على البدائل البسيطة، التي تحتوي على البروتينات كمعلبات "التونة والفول"، خاصة أنها في متناول الجميع.

وخلفت الحرب الإسرائيلية على غزة التي توشك على دخول شهرها التاسع أكثر من 119 ألف قتيل وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، ونحو 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة أودت بحياة العشرات.

ويواصل الاحتلال هذه الحرب متجاهلا قرارا من مجلس الأمن يطالبها بوقف القتال فورا، وأوامر من محكمة العدل بوقف هجومها على رفح، واتخاذ تدابير فورية لمنع وقوع أعمال "إبادة جماعية"، و"تحسين الوضع الإنساني" بغزة.