ملفات وتقارير

حرب كلامية بين مصر وإسرائيل و"اتهامات" غير مسبوقة.. ما حقيقة الخلاف بينهما؟

أعلنت مصر مرارا أنها دمرت ما بين 1500 و2000 نفقا بينها بين قطاع غزة - جيتي
تتصاعد حدة التصريحات "الإسرائيلية" والأمريكية ضد مصر بشكل مطرد، منذ سيطرة جيش الاحتلال الإسرائيلي على "محور صلاح الدين" (فيلادلفيا)، والسيطرة على الجانب الفلسطيني من معبر رفح البري، بمخالفة للاتفاقيات المبرمة بين مصر ودولة الاحتلال.

وفي السابع من أيار/ مايو الجاري، اقتحم جيش الاحتلال المنطقة الحدودية مع مصر، ونشر مقاطع مصورة للعلم "الإسرائيلي" بمعبر رفح، وسط رفض مصري رسمي وغضب شعبي، ما دفع بعلاقات الطرفين التي وصلت أوجها بعهد رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، لاتخاذ منحنى الهبوط، منذ طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.

"اتهامات علنية غير مسبوقة"
ومن المثير أن احتلال الكيان للمنطقة الاستراتيجية تبعه اتهامات من وفد "إسرائيل" لمصر أمام محكمة العدل الدولية، زعم خلالها أن الأسرى لدى المقاومة الفلسطينية قد يكونوا في سيناء في تلميح لتورط مصري، بل زعم الوفد أن القاهرة تقدم الدعم لحركة المقاومة الفلسطينية حماس.


وجاء ذلك بالرغم من إعلان مصر مرارا أنها دمرت ما بين 1500 و2000 نفقا بين قطاع غزة والأراضي المصرية وأقامت منطقة عازلة على الحدود وأنشأت جدارا أسمنتيا بارتفاع 6 أمتار وبطول 13 كيلومتر، وهو الحديث الذي قوبل في داخل الاحتلال بمطالبات بحفر تل أبيب خندقا عميقا على حدود مصر بدعوى كشف الأنفاق بين سيناء وغزة.

وفي موقف قد يكون هو الأول في عهد السيسي وقع سجال بين وزيري خارجية مصر سامح شكري والاحتلال يسرائيل كاتس والمصري.

وطالب غانتس مصر بإعادة فتح معبر رفح لإدخال المساعدات الإنسانية للقطاع، زاعما بأن منع حدوث أزمة في غزة بأيدي المصريين.

ورد شكري رد معلنا رفض مصر لسياسة ليّ الحقائق التي تتبعها إسرائيل، وأكد أنها المسؤولة عن كارثة غزة الإنسانية، موضحا أن سيطرتها على معبر رفح، والعمليات العسكرية بمحيط المعبر، هي السبب.


وعبر عن الوضع المتأزم رسميا وبشكل علني بين القاهرة والاحتلال، موقع "i24news" العبري في 17 أيار/ مايو الجاري، بالقول إن "إصرار الحكومة الإسرائيلية على اتمام العملية العسكرية في رفح قوبل باستياء مصري بالغ، وهددت مصر بالخروج من دور الوساطة لاعادة المختطفين، وتداولت أنباء عن خفض التمثيل الدبلوماسي، وإعادة النظر في اتفاقية السلام، كما رفضت القاهرة استمرار إدخال المساعدات إلى قطاع غزة طالما تسيطر إسرائيل على الجانب الآخر منه".

وضمن حملة الهجوم على مصر من وسائل الإعلام العبرية، وجهت "معاريف" اتهامات لها قائلة: "مصر وجعلتنا ننام ولعبت لعبة مزدوجة.. وحان وقت الاستيقاظ"، وزعمت بأن "القاهرة خدعت تل أبيب ولعبت لعبة مزدوجة، واختارت أن تكول بجانب حماس وزودتها على مدار سنوات عبر الأنفاق بالوسائل العسكرية التي تحارب بها إسرائيل اليوم".

وفي انتقاد أمريكي نادر لمصر، اتهم مسؤول بإدارة الرئيس جو بايدن للقاهرة، بحجب المساعدات الإنسانية إلى غزة، فيما نقل موقع "تايمز أوف إسرائيل"، عن المسؤول الأمريكي قوله، إن "مصر غير مستعدة لإعادة فتح المعبر طالما أن الجيش الإسرائيلي هو الذي يقوم بتأمين الجانب الآخر، ولا تريد أن يُنظر إليها على أنها متواطئة مع احتلال إسرائيل للبوابة".

"ردود مصرية ومصادر مجهولة"
وفي رد مفاجئ من الجانب المصري ولكن عبر مصادر مجهولة، نقلت فضائية "إكسترا نيوز"، المحلية عن مصدر مصري رفيع المستوى قوله إن "تصريحات مسؤولين إسرائيليين بأن المشكلة عدم سماح مصر لسكان غزة بالدخول إلى أراضيها يؤكد النوايا والمخططات الإسرائيلية بتهجير الفلسطينيين لسيناء، وهو ما ترفضه مصر بشكل قاطع".

وقال المصدر المجهول والذي غالبا ينتمي لجهات سيادية مصرية بحسب فضائية "القاهرة الإخبارية" الوجه الإخباري الأحدث: "على إسرائيل مراجعة موقف المساعدات المصرية المتراكمة بمعبر كرم أبوسالم والتي تتجاوز 500 شاحنة قبل أن تدعي وتتهم مصر بأنها تمنع إدخال المساعدات للقطاع".

كما نقلت "القاهرة الإخبارية" الثلاثاء الماضي، عن مصدر رفيع المستوى أنه "لا صحة لما تداوله إعلام إسرائيلي بشأن التنسيق المشترك مع إسرائيل بشأن عمليتها العسكرية برفح"، متهما الإعلام العبري بـ"تعمد نشر أخبار غير صحيحة لصرف الأنظار عن حالة التخبط التي تعاني منها إسرائيل داخليا".

"هجوم أمريكي.. ورصد غربي للأزمة"
وفي أحدث سجالات الهجوم الإسرائيلي الأمريكي على مصر ما نقلته شبكة (سي أن أن) الإخبارية الأمريكية الأربعاء، عن 3 مصادر مطلعة على مفاوضات الهدنة في غزة، قولهم إن النائب الأول لرئيس المخابرات المصرية أحمد عبدالخالق غير بنود مقترح وقف إطلاق النار الذي وقعت عليه إسرائيل، ما أدى لإحباط صفقة إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين وفلسطينيين من سجون إسرائيل، وإنهاء القتال مؤقتا في غزة.

من جانبه رصد الإعلام الغربي حالة التضارب بين نظامي القاهرة وتل أبيب والتي قد تكون الأولى منذ انقلاب السيسي على السلطة الشرعية بدعم وتأييد إسرائيلي.

وتحت عنوان: (مصر "غاضبة ومحبطة".ـ العلاقات مع إسرائيل في "أسوأ مراحلها") ذكرت شبكة "دويتشه فيله" الألمانية في 19 أيار/ مايو الجاري: "يبدو أن سيطرة إسرائيل على معبر رفح قد تجاوزت بعض الخطوط الحمراء وأثارت توترا بين البلدين"، متسائلة: "هل يصل الأمر إلى حد قطع العلاقات؟، وما مصير اتفاقية كامب ديفيد؟"، مؤكدة أن "العلاقات الثنائية بين البلدين بلغت أدنى مستوى لها منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد قبل 45 عاما".

ونقلت "وول ستريت جورنال" الأمريكية أن القاهرة تفكر باستدعاء سفيرها بإسرائيل، خالد عزمي، وذلك قبل إعلانها في 12 أيار/ مايو الجاري، الإنضمام لدعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بلاهاي.

وهو الموقف النادر من القاهرة بحق ضد الاحتلال والذي يشير بوضوح وفق مراقبين إلى توتر علاقات الجانبين، ويثير التساؤلات حول ما إذا كان هذا الخلاف حقيقي أم مصطنع، واحتمال تطوره؟.

"خلاف حقيقي وآخر مفتعل"
وفي رؤيته، يعتقد الخبير في الشؤون السياسية والاستراتيجية الدكتور ممدوح المنير، أن "الخلافات الأمريكية الإسرائيلية مع القاهرة جزء منها حقيقي والآخر مفتعل للتغطية على ما يحدث برفح وانتهاك معاهدة كامب ديفيد بخصوص محور صلاح الدين والمعبر".

الباحث المصري أوضح لـ"عربي21"، أن "الجزء الحقيقي هو نوع من ممارسة الضغوط على القاهرة إما لقبول ملف التهجير إلى سيناء، خصوصا بعد تدمير رفح وعدم وجود مكان آمن ويصلح للمعيشة يذهب إليه سكان القطاع حاليا".

ويرى أن "صورة النصر التي يطمح لها نتنياهو تتمثل بالتهجير لسيناء، وقتل قادة حماس، وبالتالي سيظل يضغط على الجميع للوصول لذلك".

"أيضا تحاول تل أبيب، تفسير فشلها باسترداد الأسرى أمام عائلاتهم والشعب الصهيوني بإلقاء المشكلة على مصر، وأن حماس تخبئهم هناك، وبالتالي إخلاء مسؤولية جيش الاحتلال عن فشله باستعادتهم"، بحسب رؤية المنير.

وأكد أن "الجزء الثالث هو ما أثارته تقارير إعلامية عن تعديلات المخابرات المصرية على اتفاق التهدئة دون الرجوع لباقي الوسطاء، وتقديم المسودة لحماس كونها متفق عليها من الوسطاء، ووافقت عليها، وتسبب ذلك بأزمة ثقة حاصلة الآن بعد هذا الفشل السياسي المصري بإدارة ملف المفاوضات".

أمّا الجزء المفتعل، فيرى المنير، أنه "لغرض رفع الحرج السياسي عن مصر لتخليها عن سيادتها وأمنها القومي بما تفعله إسرائيل برفح، وعلى حدودها، بعد حديث مسئولين مصريين عن خطوط حمراء للدولة في رفح وحدودها مع غزة، والتي على ما يبدو قد أصاب النظام عمى ألوان فلم يعد قادرا على تمييز ما يحدث على الحدود".

وخلص للقول: "بالتالي يبدو الأمر وكأن مصر غاضبة ورافضة وهي في الحقيقة لا تملك من أمرها شيئا".

وأشار إلى أن "نفس القصة تنطبق على ملف منع المساعدات عن غزة، فالجميع يحاول إلقاء المسئولية على مصر، وهي بكل تأكيد تتحمل جزءا كبيرا من المسئولية بإغلاقها المعبر طيلة الشهور الماضية".

وختم بالقول: "ولكن الواقع أن مصر السيسي، تهاوت في المكان والمكانة وأصبحت بعد الرشاوي الاقتصادية الأخيرة مفعولا بها لا فاعلة، عليها أن تتلقى صفعات الإذلال والاستباحة لأمنها القومي حتى يظل الفرعون مطمئن إلى أن ملك مصر سيبقى له، حتى يأذن الله بميلاد موسى من رحم الطوفان".

"نموذج لا صداقة ولا عداء"
بدوره، قال الباحث الفلسطيني في الشأن الإسرائيلي صلاح الدين العواودة: "العلاقة المصرية الإسرائيلية نموذج فريد بالعلاقات الدولية، فلا هي صداقة وتحالف ولا عداء، ونتذكر هنا مقولة: (السلام البارد)، الذي سخن قليلا مع حكم السيسي، وبشهادة الإسرائيليين وصل لأعلى درجة حرارة بهذا السلام، ما تجلى بالموقف من قطاع غزة، وجماعة الإخوان المسلمين، وتركيا، وبملف الغاز".

وفي حديثه لـ"عربي21"، استدرك الباحث بمركز "رؤية للتنمية السياسية"، باسطنبول: "لكن ظل هناك قضايا خلافية بين القاهرة وتل أبيب وبين مصر وأمريكا، بخلافات لها 3 مستويات، أولها مستوى القيادة المصرية الإسرائيلية فليست كما كانت بفترة حكم حسني مبارك، وشيمون بيريز، وبنيامين بن اليعازر الصديق الشخصي لمبارك".

وأضاف: "رغم تحسن العلاقات بفترة السيسي لا يوجد أصدقاء مع وجود نتنياهو بالسلطة، إذ يشكل عقبة بتطوير العلاقات كونه يرفض التسوية مع الفلسطينيين ويرفض حل الدولتين".

"وثانيا: ما يتعلق بالأمن القومي المصري، فرغم محاولات السيسي كونه بحاجة إلى إسرائيل، كما يقول كثير من المراقبين لإضفاء شرعية والحصول على المساعدات والتغطية على وضعه الداخلي؛ إلا أن مصر كدولة لا تنسجم مع سياسات إسرائيل بالسنوات الأخيرة"، بحسب العواودة.

وتابع: "لذلك رغم سخونة العلاقات لا يوجد انسجام بين القيادتين ولا على مستوى الدولتين ومصالحهما الاستراتيجية والعلاقات ومصالحهما بالإقليم، ويلفت مراقبون إلى إن التطبيع الإسرائيلي مع الخليج جاء على حساب العلاقات مع مصر، وتطوير خطوط التجارة مع السعودية والإمارات على حساب قناة السويس".

وأكد الباحث الفلسطيني أن "المستوى الوحيد الذي شهد تقدما بالسنوات الأخيرة وأثنت عليه إسرائيل هو التعاون الأمني وخاصة في سيناء وغزة، وكانت ذروته سماح إسرائيل لمصر بتحرك عسكري بسيناء خلافا لاتفاقيات السلام، وتعاون مصر ضد حماس وغزة، مقابل تعاون استخباراتي وعسكري ضد الجماعات بسيناء، لذلك التطور الوحيد كان بالمستوى الأمني والتكتيكي وليس الاستراتيجي".

"خلاف حقيقي"
وقال: "والآن، وفي ظل الأزمة الأخيرة في غزة وحرب طوفان الأقصى، ربما كان السيسي يطمح ونتنياهو كذلك لتطور العلاقات الأمنية باتجاه ايجابي أكثر للتعاون ضد حماس وهزيمتها، ولكن هناك عوامل أثرت بهذا الاتجاه منها رغبة إسرائيل بتهجير الفلسطينيين مما يحرج مصر ويضغط عليها، حيث لم تكن مستعدة كدولة وجيش ومخابرات لأن تقف لهذا القرار".

ويعتقد أنه "قد تكون مصر السيسي راغبة بأن تنتصر إسرائيل على حماس وتنهيها وتعيد السلطة الفلسطينية للقطاع؛ لكن المشهد بغزة أعقد بكثير، حتى محاولة إرسال عناصر أمنية من الضفة الغربية عبر مصر لغزة تصب بهذا الاتجاه، لأن مصر أرادت فعلا أن تنتصر إسرائيل وتعيد السلطة لغزة وليس إعادة الحكم العسكري للقطاع، وربما هذا سبب رئيسي لغضب مصر من احتلال إسرائيل للمعبر والمحور".

وأكد أن "الخلاف حول مستقبل غزة موجود بين مصر وإسرائيل، وهو خلاف حقيقي، والخلاف مع نتنياهو خلاف حقيقي، حول مستقبل العلاقات مع الفلسطينيين والقضية بكاملها، ومع ذلك مصر حريصة على اتفاقية السلام وعلاقات مستقرة مع إسرائيل وأمريكا".

ولفت العواودة إلى ما اعتبره "عامل إضافي يتعلق بالعلاقة الإسرائيلية المصرية ويؤثر فيها وهو مستوى أداء الدبلوماسية المصرية وقيادة المخابرات المصرية قبل الحرب وأثناء الحرب وحتى اللحظة، وفي إدارة العلاقة بين إسرائيل وقطاع غزة والوساطة بجولات التصعيد السابقة والتهدئة".

وألمح إلى أنه "بالتقارير الاستخباراتية ترى إسرائيل أن مصر خدعتها، بأن حماس مردوعة ووجهها إلى التهدئة، ولكن فاجأتها بطوفان الأقصى، ولأن إسرائيل لا تثق بأحد وهذه طبيعتها فلا تثق بأن مصر لم تكن تعرف أو أن تقديرها بأن حماس تريد التهدئة كان عن جهل، وأنها تفاجأت بطوفان الأقصى مثلها".

وأشار إلى أن "هناك فشل وتقصير بالأداء الدبلوماسي المصري فيما يتعلق بالعلاقات والمفاوضات والوساطة، وقضية تحريف مسودة الاتفاق بين إسرائيل وحماس تأتي بهذا الإطار".

وأشار إلى التقارير الصادرة حول "رئيس وفد مصر رجل المخابرات أحمد عبدالخالق، وأنه حرًف مسودة الاتفاق التي عرضت على إسرائيل وحماس ولم تعرض للطرفين بنفس الشكل"، مؤكدا أن "هذا يعتبر فشلا ويعبر عن ضعف الأداء الدبلوماسي الأمني المصري، ومن أسباب تأزم العلاقة مع إسرائيل".

وخلص للقول إنه "تأزم حقيقي، حيث فقدت إسرائيل الثقة بمصر رغم العلاقات والتنسيق الأمني، بل هناك آراء بإسرائيل تعتبر مصر عدو، وتتهمها بالمتاجرة بالموقف من إسرائيل لتصدر الموقف العربي وللعب دور قيادي، وإسرائيل ترى أن هذا على حسابها، وبالتالي تسجل نقطة سلبية بالعلاقات مع مصر وتضيف إلى شكوكها".