سياسة دولية

هل يمكن للاعتراف الأوروبي أن يقرب الدولة الفلسطينية من مكانها؟

قال الرئيس الفرنسي إن "مثل هذا الاعتراف ليس من المحرمات"- منصة "إكس"
يعكس القرار الذي اتخذته إسبانيا والنرويج وإيرلندا بالاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة، حالة السخط المتزايدة تجاه "إسرائيل" بقيادة بنيامين نتنياهو، حتى من جانب الأصدقاء التقليديين، ويشير إلى أن الضغوط الدولية عليه سوف تتزايد.

جاء ذلك في مقال لمدير مكتب صحيفة "نيويورك تايمز" في باريس، روجر كوهين، قال فيه؛ إنه على الرغم من هذا، فإنه من غير المحتّم أن تحذو دول أوروبية أخرى أكبر حذو الدول التي اعترفت بفلسطين.

ونقل المقال تصريحات سابقة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قال فيها؛ إن "مثل هذا الاعتراف ليس من المحرمات"، وهو الموقف الذي كررته وزارة الخارجية الفرنسية مؤخرا.

وفي شباط/ فبراير، قال ديفيد كاميرون، وزير الخارجية البريطاني؛ إن مثل هذا الاعتراف "لا يمكن أن يأتي في بداية العملية، ولكن ليس من الضروري أن يكون نهاية العملية".

ووصف المقال ذلك بـ "الخطوات الصغيرة، على الرغم من أنها تتجاوز كل ما قالوه سابقا، ولكنها أقل بكثير من الاعتراف بالدولة الفلسطينية نفسها"، مضيفا: "إذا توحدت أوروبا، وانضمت الدول الكبرى إلى الاعتراف بها، وتركت الولايات المتحدة معزولة في رفض مثل هذه الخطوة، فقد يكون لها تأثير أعظم، ولكن هذه المرحلة لا تزال بعيدة عن الوصول إليها".

وقال وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورني في بيان حول الاعتراف المحتمل: "هذا القرار يجب أن يكون مفيدا، أي السماح بخطوة حاسمة للأمام على المستوى السياسي. فرنسا لا تعدّ أن الشروط قد استوفيت حتى الآن لكي يكون لهذا القرار تأثير حقيقي على هذه العملية".

وبعبارة أخرى، فإن فرنسا سوف تنتظر، وكذلك الحال بالنسبة لألمانيا، التي يأتي دعمها لـ "إسرائيل"، الذي ترجع جذوره إلى التكفير عن المحرقة، في المرتبة الثانية بعد دعم الولايات المتحدة. 

ولقد أوضح القرار الذي اتخذته إسبانيا والنرويج وإيرلندا أمرا واحدا: لن تكون هناك وحدة أوروبية، أو على الأقل توقيت متسق بشأن مسألة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، قبل أن تنشأ مثل هذه الدولة على الأرض.

وذكر المقال: "لن يكون هناك اتفاق بين الحلفاء عبر الأطلسي. ومثل إسرائيل، تظل الولايات المتحدة مصرة على أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية يجب أن يأتي من خلال المفاوضات بين الطرفين، وإلا فإن مجرد الاعتراف لا يغير شيئا على أرض الواقع، حيث تتدهور الأوضاع يوما بعد يوم".

وأوضح أن "حياة نتنياهو كانت مبنية إلى حد كبير حول تجنب التوصل إلى اتفاق الدولتين، حتى إلى حد الدعم السابق لحماس الذي كان يهدف إلى عرقلة مثل هذه النتيجة. ويبدو من غير المرجح أن يتغير ذلك، ما لم تتمكن الولايات المتحدة بطريقة أو بأخرى من التطبيع السعودي للعلاقات مع إسرائيل، والالتزام الإسرائيلي اللفظي الغامض بعملية تنتهي بحل الدولتين وإنهاء الحرب في غزة".

وقال إيتمار رابينوفيتش، السفير الإسرائيلي السابق لدى الولايات المتحدة، الذي أشار إلى أن إنهاء حرب غزة سيؤدي حتما إلى إجراء تحقيق رسمي في المسؤولية عن كارثة 7 تشرين الأول/ أكتوبر، ومواجهة نتنياهو بتهم الاحتيال والفساد الموجهة إليه؛ إنه "بالنسبة لأي رئيس وزراء باستثناء نتنياهو، فإن العرض الأمريكي جذاب للغاية. لكن لأسبابه الشخصية، فهو يرفض أي دور فلسطيني مهم في فترة ما بعد الحرب في حكم غزة".

وقال زعماء الدول الأوروبية الثلاث التي تعترف بفلسطين؛ إنهم مصممون على إبقاء فكرة الدولتين حية، بينما قال بيدرو سانشيز، رئيس الوزراء الإسباني: "لن نسمح بتدمير إمكانية حل الدولتين بالقوة".
وأكد المقال: "كانت تلك كلمات مثيرة، ويبدو من المحتمل أنه في وقت المعاناة الرهيبة - في ظل أنقاض غزة، وفي ظل ما يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه حكم غير فعال وفاسد للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، فإن الاعتراف سيوفر دفعة معنوية للفلسطينيين الذين يسعون إلى حقهم في تقرير المصير".

وأضاف: "لكن الحقيقة هي أن أوروبا المنقسمة لم يكن لها أي نفوذ حقيقي على الصراع أو تأثير عليه لبعض الوقت، ولقد كانت لاعبا هامشيا منذ أن أسفرت محادثات السلام الإسرائيلية الفلسطينية في أوائل التسعينيات عن اتفاقيات أوسلو، والصوت الوحيد الذي ستستمع إليه إسرائيل اليوم هو الصوت الأمريكي، وحتى هذا أثبت نتنياهو تحديه في الآونة الأخيرة".

وقال رابينوفيتش: "ليس للأوروبيين أي تأثير فعليا، والاعتراف بالدولة الفلسطينية هو أمر رمزي بحت ولا يغير شيئا، وإذا أرسلوا 30 ألف جندي أوروبي إلى غزة لإنهاء الحرب، فسيكون الأمر مختلفا، لكننا نعلم أنه إذا قُتل 10 منهم، فسوف يغادرون جميعا على الفور".

ويأتي هذا الاعتراف في غضون أسبوع، عندما طلب المدعي العام من المحكمة الجنائية الدولية إصدار أوامر اعتقال بحق نتنياهو ووزير دفاعه، يوآف غالانت، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة، في الوقت نفسه الذي كان يسعى فيه للحصول على أوامر اعتقال بحق قيادات حماس. ولا تزال الطلبات تنتظر موافقة قضاة المحكمة.

ووصفت الولايات المتحدة قرار المدعي العام للجنائية الدولية بـ "المخزي"، في حين قالت فرنسا؛ إنها "تدعم المحكمة الجنائية الدولية واستقلالها ومكافحة الإفلات من العقاب في كل المواقف"، ما يعد علامة أخرى محتملة على انقسام الحلفاء مع تفاقم الحرب. 

لكن سيجورني، وزير الخارجية، قال في وقت لاحق؛ إن أوامر الاعتقال "يجب ألا تخلق تكافؤا" بين حماس، التي وصفها بأنها جماعة "إرهابية"، و"وإسرائيل".

وردا على الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا، أمرت محكمة العدل الدولية، التي تحكم في القضايا بين الدول، وليس الأفراد، "إسرائيل" بمنع قواتها من ارتكاب أعمال الإبادة الجماعية أو التحريض عليها.

وبعبارة أخرى، فإن الضغط على "إسرائيل يتزايد، وكذلك عزلتها، وقرار نتنياهو، مع مصيره السياسي والقضائي على المحك، أما إطالة أمد الحرب والامتناع عن وضع خطة لليوم التالي لغزة، يأتي بثمن باهظ".

ويظل السؤال الجوهري قائما: هل تؤدي كل هذه الإدانات إلى تغيير موقف إسرائيل الثابت الذي يؤكد ضرورة تحقيق النصر في الحرب ضد حماس، بما في ذلك في رفح؟ أم إنها سوف ترسخ هذا الموقف مع تنامي الاستياء إزاء ما يُنظر إليه على نطاق واسع في إسرائيل، باعتباره مساواة أخلاقية أوروبية لا يغتفر "بين إرهابيي حماس ودولة إسرائيل الديمقراطية".

وقد أعرب بعض المعارضين الشرسين لنتنياهو، الذي يعاني ائتلافه اليميني المتطرف من قاعدة انتخابية متقلصة في إسرائيل، عن غضبهم الشديد من المحكمة الجنائية الدولية: يبدو أن المدعي العام يساوي بين الزعيم الإسرائيلي ويحيى السنوار، زعيم حماس في غزة والعقل المدبر لهجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر، مما جعلهم يشعرون بأنهم مضطرون إلى الوقوف إلى جانب الزعيم الإسرائيلي.

وقال إسرائيل كاتس، وزير الخارجية الإسرائيلي، في رد لاذع على اعتراف الدول الثلاث بالدولة الفلسطينية: "قرار اليوم، يبعث برسالة إلى الفلسطينيين والعالم: الإرهاب يؤتي ثماره"، مضيفا أنه ستكون هناك عواقب.

ليس هناك شك في أن القضية الفلسطينية، التي كانت نائمة حتى الهجوم الذي وقع في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، أصبحت الآن في المقدمة والمركز مرة أخرى في العواصم الغربية وخارجها.

كان الهجوم على "إسرائيل"، والقصف الإسرائيلي المدمر لغزة ردا عليه، سببا في إخراج العالم من سباته إزاء صراع مستعص على الحل. نادرا ما ذكرت إدارة بايدن، إلى جانب القوى الأوروبية، حل الدولتين في السنوات السابقة، معتقدة أنه يمكن إنهاء القضية الفلسطينية في بعض التطبيع الأوسع في الشرق الأوسط للعلاقات مع إسرائيل.

وجاء في المقال، أن "الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني اللذين يتقاتلان من أجل نفس القطعة الضيقة من الأرض الواقعة بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن، يظلان يشكلان جوهر الصراع غير القابل للتصرف، ولن يرحل أي منهما؛ يعتقد كل منهما أن ادعاءه لا يمكن دحضه، والآن، مع ظهور مواجهة إقليمية أوسع نطاقا، فقد حدث تدافع لإحياء فكرة الدولتين، على الرغم من أن الظروف الملائمة لتحقيقها تبدو أقل ملاءمة من أي وقت مضى".

وبين أن اعتراف إسبانيا والنرويج وإيرلندا بالدولة الفلسطينية هو جزء من هذا التدافع، الذي ربما جاء بعد فوات الأوان، مضيفا أنه "يعكس شعورا واسع النطاق بأن هذا يكفي، وأنه جزء من السخط العالمي الذي قد يساهم في دفع الزخم إلى الأمام إذا تغير العديد من الأشياء، ليس أقلها استبدال القيادة الإسرائيلية والفلسطينية الحالية، وإنهاء الحرب وإنشاء سلطة حكم ما في غزة، ليس لديها ما يربطها مع حماس".