لا تخفي أوساط عديدة داخل دولة
الاحتلال خشيتها من التبعات المتوقعة للعدوان الجاري على قطاع غزة على العلاقات مع
مصر، التي تستعد قواتها لمواجهة أي نتائج للهجوم
الإسرائيلي على رفح، فهي بحسب المصادر الإسرائيلية، تقوم بتسليح نفسها كما لو أن هجوما أجنبيّا على الطريق، ولا تخفي انزعاجها من التبعات الكارثية لهذا الهجوم على مختلف الأصعدة، لاسيما الإنسانية منها.
وبحسب المستشار الأمني الإسرائيلي٬ يهودا بالانغا٬ الذي ذكر أنه "منذ عام 1979، كانت مصر أحد ركائز الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بجانب السعودية، فهي تعمل كوسيط في عمليتي السلام الإسرائيلي العربي والإسرائيلي الفلسطيني، وهي عامل استقرار وكابحة لجماح القوى المعادية للاحتلال في العالم العربي، وتوفر الدعم الأمني للقوات الأمريكية المتمركزة في المنطقة، ومن هنا فإن لواشنطن مصلحة حيوية في الحفاظ على علاقاتها مع القاهرة، رغم الاضطرابات الحكومية التي تعيشها مصر منذ عام 2011 ".
وأضاف في مقال نشرته صحيفة
إسرائيل اليوم، وترجمته "عربي21"، أن "من أهم الأدوات المتاحة للولايات المتحدة هو تقديم
المساعدات العسكرية لمصر، رغم أنه في حقبة ما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، خاصة بعد اتفاق السلام بين إسرائيل ومصر، لم يكن هناك تهديد كبير لأمنها، مما يجعل من تسليح الجيش المصري بآلاف الدبابات ومئات الطائرات مسألة غير منطقية، ولا يوجد سيناريو يمكن تصوره يحتاج المصريون فيه لكل هذه الدبابات إلا الغزو الأجنبي.
وتساءل الكاتب: "لماذا ترسل الولايات المتحدة مساعدات عسكرية ضخمة لمصر كل عام؟ ولماذا تستمر مصر في طلب المساعدات الأمريكية، مع العلم أن الصناعة العسكرية الأمريكية تكسب مليارات الدولارات سنويّا من الأسلحة المقدمة إلى مصر، وتوفر العمل لعشرات الآلاف من العمال بسبب المساعدات العسكرية لمصر ودول الشرق الأوسط الأخرى، ومن ثم فإن كل أموال المساعدات الأمريكية تقريبا المقدرة بحوالي 1.4 مليار دولار، تأتي من ميزانية التمويل العسكري الأجنبي الأمريكي؟".
وأشار المقال إلى أن "مصر في هذه الحالة، لا تتلقى أموالا سائلة، بل أسلحة خام، وتعود الأموال للاقتصاد الأمريكي، ومن وجهة نظرها، من المهم أن يدرك الإسرائيليون أنه رغم اتفاق السلام مع مصر في آذار/مارس 1979، فإنها لا تزال تنظر إلى دولة الاحتلال كعامل تهديد، وفي القاهرة اختاروا مفردة "السلام البارد"، وقلّصوا التطبيع إلى الصفر، وتجاهلوا تماما نظرة الجمهور المصري السلبية لليهود بشكل عام، وإسرائيل بشكل خاص، لذا فإن مصر المؤسسة، ومعها جماهير الشعب، لا تزال ترى دولة الاحتلال كخصم محتمل، يجب أن يبذل كل جهد ممكن للوصول للتكافؤ الاستراتيجي معها، والعمل على إضعافه".
وزعم بالانغا أن "هذا السلوك المصري، ينعكس في السعي نحو التكافؤ الاستراتيجي مع إسرائيل، من خلال تعزيز غير مسبوق للجيش المصري في السنوات الأخيرة، في بناء البنية التحتية العسكرية واسعة النطاق في سيناء، وإجراء المناورات الحربية، بما في ذلك التدريب على محاكاة "غزو العدو من الشرق". صحيح أن السلام مع إسرائيل هو رصيد استراتيجي للنظام المصري اليوم، لكن الدولة المصرية تنظر بعين ثاقبة ومركزة إلى وضع إسرائيل، وتحاول الاستفادة مما حصل لها في السابع من تشرين الأول/أكتوبر على حدود قطاع غزة.
وأوضح أن "القلق المصري من السلوك الإسرائيلي تضاعف مع تزايد الأصوات الإسرائيلية المطالبة بالتحرك في رفح، وهو هجوم يثير قلق المصريين؛ بسبب الخوف من موجة من اللاجئين الفلسطينيين تجتاح حدودهم؛ وبسبب الخوف المصحوب بجنون العظمة من أن تستغل إسرائيل الحرب في غزة، وتغزو سيناء، وإذا قمنا بتجميع الأمور معا، فإن مصر ستبذل قصارى جهدها لمنع الاحتلال من دخول آخر معقل لحماس، ومن ثم هزيمة المنظمة ضمنا".
وكشف الكاتب "أن الأسابيع الأخيرة شهدت تقديم طلبات مصرية من الولايات المتحدة لتزويدها بمعدات أمنية ورادارات، وصفقات أسلحة جديدة بقيمة نصف مليار دولار مع شركة بوينغ، لتحديث أسطول طائرات الهليكوبتر من طراز شينوك في مصر، وبالتزامن مع ذلك، أظهرت زيارة الرئيس السيسي للكلية الحربية المصرية، ومن بين جميع الصور التي التقطت في هذا الحدث، تم نشر صورة واحدة فقط، تُظهر الجنرالات المصريين وهم منتبهون لمراجعة شاملة لمزايا ونقاط ضعف دبابة ميركافا4، المسماة فخر الصناعة العسكرية الإسرائيلية".
بغض النظر عن وجاهة القراءة الإسرائيلية للسلوك المصري من العدوان على غزة، لكن رسالة مصر واضحة، وتحمل تحذيرا صريحا من توسع الغزو الإسرائيلي لرفح، وانتظار النتائج النهائية للعدوان كله ضد غزة، الحديقة الخلفية لشبه جزيرة سيناء، لمعرفة ما إذا كانت قوات الاحتلال ستحقق ما تزعم أنه "النصر الكامل"، أم سيتعين عليها تقديم التنازلات أمام حماس، مما سيجعل من بقاء حماس في غزة انتصارا فلسطينيا قد يشوه صورة دولة الاحتلال في العالم، ويضرّ باتفاقيات السلام مع مصر والأردن، والتطبيع مع الدول العربية الأخرى.