بعد مناقشته طلبا من الرئيس طيب
أردوغان، وافق البرلمان التركي على تمديد بقاء القوات التركية على الأراضي
الليبية، غرب البلاد، لعامين إضافيين. وبرر أردوغان طلبه بالحاجة لحماية المصالح
الوطنية، واتخاذ الاحتياطات اللازمة ضد المخاطر الأمنية التي مصدرها جماعات مسلحة
غير شرعية في
ليبيا، وكذلك تهديدات الهجرة، وأيضا تقديم المساعدات الإنسانية التي
يحتاجها الليبيون، وباستثناء الفقرة الأولى المتعلقة بحماية المصالح الوطنية، فإن
مبررات الرئيس التركي لاستمرار بقاء القوات التركية في الغرب الليبي لا مسوغ لها
على الإطلاق.
ومعلوم أن قرار تمديد بقاء الوجود
التركي العسكري يشكل عاملا من عوامل التأزيم في البلاد التي يتصارع فيها أطراف
محلية تدعمهم قوى إقليمية ودولية، غير أن معارضة الوجود التركي لا تخلو من شبهة
وقلة اتزان، ذلك أن من يتصدون بشدة للوجود التركي العسكري على الأراضي الليبية لا
يرون حرجا في الوجود العسكري الروسي متمثلا في قوات فاغنر، برغم الاختلاف في ظروف
الوجودين وشرعيته.
وعندما تكون مقاربة الوجود الأجنبي
العسكري في البلاد خاصعة لأبجديات الصراع والمناكفة السياسية ستفقد بالقطع قيمتها، وهذا هو واقع الحال في
ليبيا، فكيف سيكون موقف من يعارضون الوجود التركي في الغرب الليبي مقنعا لداعميه
وهم ينظرون أن خصومهم يصمتون عن القوات الأجنبية في مناطقهم في الشرق والجنوب.
تركيا تسللت عسكريا إلى الغرب الليبي
في ظروف شديدة التعقيد، ذلك أن حكومة الوفاق واجهت تهديدا مباشرا بهجوم قوات حفتر
المدعومة بالمال والسلاح إقليميا ودوليا، فلم يكن أمامها خيار إلا التسليم بتوقيع
اتفاقية هي أقرب إلى الدفاع المشترك.
لا يمكن فصل الوجود التركي عن النزاع القائم والإخفاق في الوصول إلى تسوية تنهي الصراع الراهن، وعندما يصبح طرف إقليمي أو أكثر حاضرا في أجندة التفاوض وضاغطا لأجل تمرير متطلبات بعينها ضمن الاتفاق سيكون مجافيا للحكمة والمنطق أن تطلب من الخصم السياسي التجرد الكامل وتجاهل عناصر الدعم الداخلية والخارجية التي تجعله يدافع عما يراه مصلحة عامة وموقفا سليما.
قوات الفاغنر الروسية بالصوت والصورة
شاركت في الهجوم على العاصمة خلال عامي 2019-2020م ووصلت إلى مدى لا يتجاوز 10 كم
عن مركز العاصمة، فكيف يكون هذا مبررا ومقبولا فيما تصبح الاستعانة بالأتراك لصد
هذا الهجوم خيانة وعمالة وتسليم البلاد للغزاة كما تكرر على لسان مسؤولين ونشطاء
سياسيين وإعلاميين وغيرهم.
الوجود الأجنبي ينبغي أن يكون مرفوضا
من قبل الجميع وتجاه كل الدول دون استثناء، أما اعتبار طرف إقليمي أو دولي نصيرا ومسموحا له أن يتدخل عسكريا ويمد حليفه بالسلاح والخبرة ويكون هذا مبررا حتى لو كان
وجوده على حساب المصلحة الوطنية، ثم يقال للطرف النقيض أنك خائن لأنك استعنت بطرف
إقليمي أو دولي لصد عدوان لا غطاء شرعي ولا قانوني ولا سياسي ولا اجتماعي له، فهذا
منطق مختل وموقف مهزوز يحتاج إلى مراجعة.
دخلت تركيا إلى الغرب الليبي وصار لها
وجود عسكري هناك وصار هذا الوجود مقبولا ومبررا لأن هناك طرفا من أطراف الصراع هدد
العاصمة والغرب الليبي ولا يزال، ولم يلجم ويكبح جماح طموحه إلا الوجود والدعم
التركي لقوات الغرب، وما لم ينته التهديد بشكل قطعي وحاسم وفق عملية سياسية ناجحة
وضمانات كاملة تشتمل على اتفاق يخرج كل القوات الأجنبية من البلاد دون استثناءات
ويمنع اللجوء للقوة والسلاح في حال الخلاف، فإنه من غير المنطقي ولا الممكن إقناع
الطرف الذي يشعر بالتهديد بسلامة موقف المعارضين للوجود التركي في الغرب الليبي.
وأخيرا لا يمكن فصل الوجود التركي عن
النزاع القائم والإخفاق في الوصول إلى تسوية تنهي الصراع الراهن، وعندما يصبح طرف
إقليمي أو أكثر حاضرا في أجندة التفاوض وضاغطا لأجل تمرير متطلبات بعينها ضمن
الاتفاق سيكون مجافيا للحكمة والمنطق أن تطلب من الخصم السياسي التجرد الكامل
وتجاهل عناصر الدعم الداخلية والخارجية التي تجعله يدافع عما يراه مصلحة عامة
وموقفا سليما.
والخلاصة هي أن الوجود الأجنبي،
المرفوض قطعا، يتغذى على طفيليات النزاع ويتوسع وفقا للمساحات التي يوجدها الصراع،
وأن ازدواجية المعايير تزيد الطين بلة وتعمق من التدخل الخارجي في الأزمة الليبية
أكثر فأكثر، وأن ثقة الليبيين ببعضهم وتغليبهم للمصلحة العامة على مصالحهم الخاصة
وتوصلهم إلى اتفاق عادل وشامل سيكون هو الوسيلة لإنهاء الوجود الأجنبي في البلاد
ولا استثناء لتركيا في ذلك.