في عكس اتجاه مطالب المؤسسات المالية الدولية والمستثمرين الدوليين بتخارج الدولة
المصرية من القطاع الخاص، استحوذ "جهاز مشروعات الخدمة الوطنية" التابع للجيش على ما يصل إلى 24 بالمئة في ثلاث شركات بالقطاع الخاص.
وذكرت مواقع محلية أن "جهاز مشروعات الخدمة الوطنية" استحوذ على 24 بالمئة في ثلاث شركات تابعة لمجموعة "بشاي للصلب" وبلغت قيمة هذه الصفقات نحو 10 مليارات جنيه (324 مليون دولار) بدعوى تعثر المجموعة وتراكم المديونيات.
شملت الصفقات التي فاجأت القطاع الخاص والمستثمرين شركات "المصرية للحديد الإسفنجي والصلب"، و"المصرية الأمريكية لدرفلة الصلب"، و"المصانع الدولية لدرفلة الصلب" في سوق خارج المقصورة بالبورصة المصرية.
مجموعة "
بشاي للصلب"، تأسست عام 1948، وهي أكبر شركة قطاع خاص منتجة للصلب بطاقة استيعابية تصل إلى ٤ ملايين طن سنوياً، وذلك لتغطية احتياجات الأسواق المحلية والعالمية، وتوظف المجموعة أكثر من 3500 فرد، بحسب موقعها الإلكتروني.
تأسس جهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة المصرية عام 1979، ويمتلك 63 شركة في قطاعات أساسية إنتاجية في المجالات الهندسية، الصناعية، الزراعية، الإنتاج الحيواني والداجني والصناعات الغذائية والعمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي من بعض الاحتياجات اللازمة للقوات المسلحة وطرح منتجات الشركات في السوق المحلي.
يخالف هذا التوجه توصيات ومطالب صندوق النقد الدولي وتعهدات السلطات المصرية وفق وثيقة سياسة ملكية الدولة الجديدة التي صادق عليها رئيس الجمهورية، والتي تنص على تخارج الدولة بالكامل من 79 قطاعا اقتصاديا إلى جانب 45 قطاعا آخر جزئيا في غضون ثلاث سنوات من أجل زيادة مشاركة القطاع الخاص في الاستثمارات العامة من 30 إلى 65 في المئة.
تراجع الحكومة عن تعهداتها
وحتى الآن لم تنفذ الحكومة المصرية أيا من تعهداتها التي أعلنها رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، بأن القوات المسلحة المصرية وافقت على زيادة عدد الشركات التابعة لها والمقرر طرحها بالبورصة أو للبيع إلى مستثمرين استراتيجيين، إلى 10 شركات بجانب الطرح السابق لشركتين تابعتين للمؤسسة العسكرية، وهما "وطنية"، و"صافي".
في كانون الأول/ ديسمبر 2020، أعلن الرئيس التنفيذي لصندوق مصر السيادي، اختيار 3 شركات تابعة لوزارة الدفاع لإدراجها بالبورصة خلال الربع الأول من عام 2021، مشيرا لخطة بيع 100 بالمئة من أسهم 10 شركات يمتلكها
الجيش، وهو ما لم يتحقق حتى الآن.
بدلا من تقليل سيطرة وحصص الجيش في الاقتصاد المصري يشير تباطؤ الحكومة المصرية في تنفيذ المطالب الدولية إلى زيادة الجيش من نفوذه الاقتصادي، وهو ما يشير، بحسب مراقبين، إلى أن قيادات بالجيش المصري تعارض بيع شركاته، وأن المؤسسة العسكرية لن تضحي بأصولها الثابتة وتلك التي تدر أرباحا كبيرة لها، وإن ضحت فببعض الشركات الأقل ربحية.
وكان الباحث في مركز "مالكولم إتش كير" (كارنيجي) للشرق الأوسط، يزيد صايغ، قد قال في إحدى أوراقه البحثية إن "الجيش المصري سيقاوم بيع الأصول التي تدر الأرباح"، مضيفا أن الشركات التي قد يتخلى عنها لن تكون جذابة للمستثمرين الأجانب إلا في حال ضمان استمرار الامتيازات التي تحظى بها شركات الجيش.
تشبث عسكري بمفاصل الاقتصاد
يقول الباحث في الشؤون العسكرية، محمود جمال، إن "المؤسسة العسكرية في مصر لن تتراجع قيد أنملة عن امتيازاتها الاقتصادية التي توسعت بشكل كبير بعد 2013، الجيش تحول من وضعية لاعب كبير في الملف الاقتصادي إلى وضعية الفاعل المهمين والمسيطر على الحياة الاقتصادية ككل".
وأشار في حديثه لـ"عربي21" إلى موقف الجيش وتحديدا القيادات الكبيرة من مطالب المؤسسات الدولية: "
السيسي يعلم أن إرضاء الجيش هو العامل الأساسي لبقائه في الحكم، وهو حريص على توسيع امتيازات الجيش لكسب ولائه أكبر فترة ممكنة".
وأضاف جمال: "والجيش من زاوية أخرى لم يتنازل أو يتراجع عن امتيازاته، هناك ضغط من المؤسسة العسكرية لعدم المس بأي شكل من الأشكال بامتيازات القوات المسلحة، أو "عرق الجيش" كما قال اللواء محمود نصر وهو ما تؤكده الشواهد الخاصة بعدم التفريط بأي شركة حتى الآن".
الجيش من الدفاع إلى التملك
اعتبر رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بالبرلمان المصري سابقا، رضا فهمي، أن "تكرار السؤال بشأن تمسك الجيش المصري بإمبراطوريته الاقتصادية وعدم الرغبة في التفريط فيها وتراجعه عن تعهدات الحكومة أمام المؤسسات والمستثمرين الدوليين يكشف عن حجم توغل المؤسسة العسكرية ليس في الاقتصاد فقط بل في كل مناحي المصريين تطبيقا للمقولة جيش له دولة وليس دولة لها جيش، وهي بحسب وصف السيسي شبه دولة".
وأوضح لـ"عربي21": "المؤسسة العسكرية منذ كامب ديفيد 1979 اختلف دورها 180 درجة، حيث تغيرت عقيدته القتالية، والمهام العسكرية أصبحت مقصورة على حماية النظام، والصفقات العسكرية أصبحت من أجل الحصول على سمسرة، وحماية البلاد لم تعد من أولوياته، وضابط الجيش يعاني من بطالة مقنعة، وجاهزية الجيش خلال العقد الأخير لم تكن واضحة رغم اختراق الأمن القومي المصري في سد النهضة وفي غاز شرق المتوسط وفي جزيرتي تيران وصنافير".
ورأى أن "مسألة انخراط الجيش في الاقتصاد كانت مقصودة من أجل إخراجه من معادلة الصراع العربي الإسرائيلي إلى معادلة البيزنس والمال وجمع الثروات، لكنها استفحلت بشكل كبير في عهد السيسي الذي جعل كل الدولة مطمعا للجيش وباتت مؤسسات وثروات البلاد والقطاع الخاص رهن إشارة الجيش الذي بات يحتكر أوجه النشاط الاقتصادي بما فيها الأنشطة الصغيرة مثل تصنيع وإنتاج البسكويت، ويحظى بامتيازات غير مسبوقة وتمتعه بنفوذ كبير من أجل بسط الهيمنة على الاقتصاد، وبالتالي خرجت مؤسسات الدولة من أداء مهامها الطبيعية".