أثار
الحريق الذي اندلع في مبنى
وزارة الأوقاف المصرية القديم بالعاصمة القاهرة علامات استفهام
كثيرة، وذلك بعد نحو شهر من إخلاء المبنى من الموظفين ونقل الوزارة بالكامل إلى مقرها
الجديد بالعاصمة الإدارية الجديدة منذ مطلع تموز/ يوليو الماضي.
وكان
وزير الأوقاف مختار جمعة، أكثر الوزراء استمرارا في منصبه منذ عام 2013، وجه باستمرار
عقود الصيانة للمبنى واستمرار تأمينه مع إخلاء جميع المخازن، مع إجراء استغلال المبنى
القديم أو التصرف به باعتباره مبنى وقفيا مملوكا لوزارة الأوقاف المصرية.
بعد
السيطرة على الحريق، قرر محافظ القاهرة تشكيل لجنة هندسية لفحص مبنى وزارة الأوقاف
القديم لبيان مدى تأثير نتيجة الحريق الذي حدث على سلامة المبنى، فيما أمر رئيس هيئة
النيابة الإدارية بفتح تحقيق عاجل في الواقعة.
تعد
وزارة الأوقاف من أغنى الهيئات في مصر، وتمتلك أصولا عقارية وزراعية وأموالا سائلة ضخمة،
وتصل قيمة أملاك الوقف إلى حوالي تريليون و37 مليار جنيه و370 مليونا و78 ألف جنيه، وفق
أول أطلس لحصر أملاك الوقف أصدرته الوزارة في نيسان/ أبريل 2019، كان الدولار يساوي
وقتها نحو 15.7 جنيه فقط.
وأولى
رئيس النظام المصري، عبد الفتاح السيسي، أملاك وأصول الأوقاف أهمية كبرى، وحث في كانون
الثاني/ ديسمبر 2017 على ضرورة الاستفادة المثلى من ممتلكات الأوقاف ووضع خطط استثمارية
متطورة لتعظيم إسهامها في خدمة المجتمع والتنمية الاقتصادية للبلاد، على حد قوله.
وحققت
وزارة الأوقاف إيرادات غير مسبوقة عام 2022، بلغت مليارين و140 مليون جنيه، بنسبة
زيادة تقدر بنحو 11.6% عن نفس الفترة من العام الماضي.
مسؤول
سابق يتحدث عن خطورة الحريق
يقول
أحد المسؤولين السابقين عن ملف إدارة أموال الأوقاف، مستشار وزير الأوقاف السابق الشيخ
سلامة عبد القوي، إن "حريق مبنى وزارة الأوقاف لا ينبغي أن يمر مرور الكرام، لأن
المبنى يضم
الوثائق والحجج والصكوك والأسانيد الخاصة بأصول وأملاك الوقف التي تعود
ملكيتها لكل الشعب المصري، أي لمن أوقفها ولمن أوقفت من أجله".
مضيفا
لـ"عربي21": "كما أنه حريق نشب في ظروف اقتصادية صعبة تمر بها البلاد،
ولم يسبق حدوث حريق بهذا الحجم في المبنى التاريخي العريق الذي يعد من الأهمية بمكان،
وبحكم وظيفتي السابقة من خلال تولي مسؤوليات داخل المبنى واطلاعي على حجم الأسانيد
والحجج فهي كبيرة وكثيرة وقديمة، وتم تكليفي بإدارة ملف الوقف والحجج أي رئاسة مجلس
إدارة هيئة الأوقاف، إضافة إلى تكليفي بإدارة صناديق النذور التي تزيد إيراداتها على مئات ملايين الجنيهات سنويا".
بشأن
مكان اندلاع الحريق في المبنى، في الطوابق العليا، أوضح عبد القوي، أن "المبنى
العريق يتكون من نحو أربعة طوابق، وفي الأسفل بدروم قديم ويضم بعض الحجج القديمة والمهمة
وهو مكان مهمل للغاية، أما الطابق العلوي الذي اندلع فيه الحريق فتوجد الإدارة المسؤولة
عن حفظ وتوثيق وتسجيل تلك الحجج والأسانيد ما يعني أن النار أتلفت كل ذلك، ودلالة هذا
الأمر خطيرة من حيث عدم وجود ما يثبت أنها أصول أو أرض وقف، ومن هنا وجب التحذير من
أن الأمر أخطر من مجرد حريق عابر؛ لأن حرق الوثائق يفتح الباب أمام نهب الأصول".
في نيسان/
أبريل 2021 وافق مجلس الشيوخ المصري على مشروع قانون صندوق الوقف الخيري، المقدم من
الحكومة المصرية والمحال من مجلس النواب، كما أنه وافق على منح وزير الأوقاف سلطة التصرف
في أموال الصندوق.
وعلى
الرغم من أن أموال صندوق الوقف الخيري تصنف ضمن الأموال العامة إلا أن مجلس الشيوخ
حذف مراعاة الحد الأقصى للأجور بزعم جذب أعلى الكفاءات صاحبة الخبرة الإدارية والاستثمارية
بإدارة صناديق الاستثمار أو الصناديق السيادية.
تتكون
موارد الصندوق من فوائض حسابات اللجنة العليا للخدمات الإسلامية والاجتماعية وصناديق
النذور وصناديق إعمار المساجد، وفوائض ريع الوقف وسائر التبرعات والهبات والمنح النقدية
أو العينية التي يتلقاها من الأشخاص الطبيعية والاعتبارية والتي يقبلها مجلس إدارة
الصندوق بما لا يتعارض مع أغراضه، وعائد استثمار أموال الصندوق.
تحذير
من العبث بأملاك الوقف
أعرب
الناشر والسياسي المصري، هشام قاسم، عن تخوفه من آثار الحريق في مبنى مثل وزارة الأوقاف
الذي يضم آلاف السجلات والوثائق المهمة التي تتعلق بأملاك الوقف التي تمتد لعقود طويلة،
وطالب بإجراء تحقيقات موسعة وشفافة حتى لا تضيع سجلات ووثائق الوقف التي تعد ثروة ضخمة
بمئات مليارات الجنيهات، يقال إن هناك فسادا في إدارة ملف الأوقاف وهذه مسألة أخرى،
ما يعنينا هو حقوق المصريين من أملاك الوقف".
وأضاف
في حديثه لـ"عربي21": "لا يملك أحد في مصر الأوقاف إلا إذا عاد صاحبها
من الموت من أجل أن يستردها، ووقوع حريق في مبنى الوزارة أمر مقلق ويثير العديد من
المخاوف والتساؤلات حول مصير السجلات؛ لأن ضياع أو إتلاف بعضها هو مسح أي دليل على
ملكية الأوقاف لها".
وحذر
قاسم "من محاولة السطو على أملاك الأوقاف، لذلك لا بد من إجراء تحقيق صارم وجاد
في مسألة الحريق والوقوف ليس على الأسباب فقط إنما على الخسائر ونوعها وكشفها للرأي
العام، ورغم ذلك فلا أثق في نزاهة أي تحقيقات تجرى من قبل النظام في مثل هذه المسائل".
وتعتزم
الحكومة المصرية بعد نقل الوزارات إلى العاصمة الإدارية إعادة استغلال بعض المباني
السابقة للوزارات تحت إشراف صندوق مصر السيادي؛ بهدف جذب استثمارات مالية جديدة واستغلال
مواقع أغلب الوزارات المميز وسط القاهرة.
يعود
تاريخ إنشاء وزارة الأوقاف إلى عام 1835 بقرار من والي مصر محمد علي باشا تحت اسم
"ديوان الأوقاف العمومي"، وفي عام 1899 افتتح الخديوي توفيق مبنى ديوان الأوقاف،
وهو الجزء الرئيسي من المبنى، ثم تم توسيعه ببناء ملحق له في 1912، ثم ملحق آخر في
1929، ثم جرى هدم منزلين مجاورين وبناء ملحق ثالث للمبنى في 1936.