توشك
مصر على اتخاذ إجراءات اقتصادية قاسية جديدة بعد قرار البنك المركزي المصري رفع أسعار الفائدة الأساسية بواقع 100 نقطة أساس، مخالفة توقعات المحللين، ليصبح سعرا الإيداع والإقراض لليلة واحدة 19.25 بالمئة، و20.25 بالمئة على التوالي.
وواصل المركزي المصري رفع أسعار الفائدة أسوة بـ"الفيدرالي الأمريكي"، لكن بوتيرة أقل من المتوقع أحيانا بعد أن فقدت قدرتها على كبح جماح
التضخم الذي قفز إلى معدلات تاريخية غير مسبوقة؛ بسبب شح الدولار استمرار دعم الجنيه المصري.
وأرجع البنك المركزي السبب في
رفع الفائدة إلى تباطؤ معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي خلال العام المالي 2022-2023 مقارنةً بالعام المالي السابق له، وارتفاع المعدل السنوي للتضخم الأساسي إلى 41% في حزيران/ يونيو 2023 مدفوعا بارتفاع واسع النطاق في أسعار معظم بنود الرقم القياسي لأسعار المستهلكين نتيجة لاستمرار صدمات العرض.
ومن المتوقع أن تصل معدلات التضخم إلى ذروتها في النصف الثاني من عام 2023، بحسب بيان لجنة السياسات بالبنك المركزي، وذلك قبل أن تعاود الانخفاض نحو معدلات التضخم المستهدفة والمعلنة مسبقاً، مدعومة بالسياسات النقدية التقييدية حتى الآن.
وتعاني مصر المعتمدة بشكل كبير على الاستيراد، من ارتفاع في أسعار السلع والخدمات نتيجة زيادة سعر الدولار وخفض الجنيه، وصعوبات في توفير تدفقات دولارية، مع تأخر مراجعة أولى لبرنامج صندوق النقد الدولي للحصول على الشريحة الثانية من قرض بقيمة ثلاثة مليارات دولار من الصندوق.
مسلسل رفع الفائدة
تعد هذه المرة الثانية التي يقرر فيها البنك المركزي رفع أسعار الفائدة منذ بداية العام 2023، وبذلك تكون قد وصلت إلى مستوى قياسي، وكانت الأولى بمقدار 2% في آذار/ مارس الماضي بعد تسارع معدل التضخم وتسجيله رقما قياسيا هو 40.3%.
وبلغ إجمالي الزيادة في أسعار الفائدة منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية 11%، لتصبح بذلك أعلى دولة في المنطقة في رفع أسعار الفائدة.
وكان المركزي رفع أسعار الفائدة 8 بالمئة في 2022، في 4 اجتماعات لمواجهة التضخم الناتج عن أزمة الحرب الروسية الأوكرانية التي بدأت في 24 شباط/ فبراير 2022.
هل تعود مصر لتعليمات صندوق النقد؟
وكانت مصر قد ابتعدت بعض الشيء عن متطلبات صندوق النقد الدولي، ضمن حزمة مساعدات مالية بقيمة 3 مليارات دولار، الذي يدعو إلى مرونة أكثر في سعر صرف الجنيه، وزيادة أسعار الفائدة لكبح جماع معدلات التضخم، ولكن تباطؤ سياسات المسؤولين المصريين أرجأت مراجعة الصندوق وتأخير صرف الشريحة الثانية لحين إتمام المراجعة في أيلول/ سبتمبر المقبل.
بعض المحللين في مؤسسات الاستثمار الدولية رأوا أن مثل هذا التوجه قبيل المراجعة الثانية، هو إشارة إلى أن المسؤولين يرغبون في العودة إلى مسار برنامج صندوق النقد الدولي على أمل أن تمنع مزيدا من خفض التصنيف الائتماني للبلاد، أي قبل اختتام مراجعة خفض تصنيف وكالة موديز.
في أيار/ مايو الماضي، خفضت وكالة "فيتش"، تصنيف مصر، لأول مرة منذ 2013، درجة واحدة من "بي+" إلى "بي"، وعدلت نظرتها المستقبلية من "مستقرة" إلى "سلبية"، وخفضت وكالة موديز، في شباط/ فبراير الماضي التصنيف الائتماني السيادي لمصر درجة واحدة إلى "بي 3" من "بي بي 2" ووضعتها قيد المراجعة لخفض تصنيفها الائتماني المحتمل.
ويرى أستاذ الاقتصاد المصري، أحمد ذكر الله، أن "البنك المركزي المصري مضطر إلى مجاراة الفيدرالي الأمريكي برفع أسعار الفائدة؛ لأسباب داخلية وخارجية، مثل ارتفاع استمرار معدلات التضخم إلى مستوى قياسي وبالتالي التأثير بشكل سلبي على الأسعار وزيادة نسبة الفقر، واقتراب مراجعة صندوق النقد الدولي لبرنامجه مصر".
وأضاف لـ"عربي21": "الأمر الآخر، يتعلق بزيادة المعروض من النقود نتيجة التوسع في طباعتها لذلك يسعى المركزي المصري إلى تقليص المعروض من خلال رفع أسعار الفائدة حتى تتلاءم مع معدلات التضخم، إضافة إلى أسعار البترول والحبوب الغذائية الرئيسية بسبب إلغاء اتفاقية تصدير الحبوب من البحر الأسود بين روسيا وأوكرانيا".
وأعرب الأكاديمي المصري عن اعتقاده أن "هناك سبب آخر لم يعلن عنه من قبل البنك المركزي المصري، هو وجود أزمة كبيرة بسبب عملية "الدولرة"، والسعي إلى الحد منها بأي وسيلة من خلال رفع أسعار الفائدة وإغراء المودعين بالاحتفاظ بالعملة المحلية".
اقتصاد مصر بانتظار تقارير حاسمة
وفي اعتقاده؛ يرى الخبير الاقتصادي الدولي، إبراهيم نوار، أن "مصر تواجه نهاية الشهر الجاري قرارات حاسمة تتعلق بأمرين، الأول موعد المراجعة الثانية لقرض صندوق النقد الدولي المتوقف، الذي كان من المفترض أن تجمع مصر من ورائه 14 مليار دولار".
وأضاف في حديثه لـ"عربي21": "هذه المراجعة مشكوك فيها في ظل عدم استجابة مصر لشروط صندوق النقد، الأمر الثاني والذي تنتظره الأسواق العالمية بالنسبة لمصر هو إعلان نتائج مراجعة التصنيف الائتماني، بواسطة وكالات التصنيف الائتماني، وهو ما سيترك أثره على تقييم المؤسسات العالمية والدول المانحة للمعونة للوضع الاقتصادي في مصر".
وأشار نوار إلى أن "أعلى سعر فائدة على عطاءات أذون الخزانة (لأجل 364 يوما) لصالح وزارة المالية يوم 3 أغسطس كان قد وصل إلى 24.2 % في حين أن البنوك كانت قد طلبت عائدا لإقراض الحكومة وصل إلى 28%".
وحذر الخبير الاقتصادي من " أرقام العجز في صافي الأصول الأجنبية للجهاز المصرفي المصري (27.1 مليار دولار) تجاوزت الخط الأحمر بكثير، وسجلت في نهاية السنة المالية رقما قياسيا جديدا، يضاف إلى موسوعة الأرقام القياسية لحكومة الإنجازات بما يهدد سلامة النظام المصرفي المصري، وتؤكد فشل السياسة الاقتصادية للدولة المصرية، الإصرار على استمرار السياسة الفاشلة يعني الاصرار على قتل الاقتصاد".