اقتصاد عربي

بيانات صادمة.. هكذا أضرت سياسات ترشيد الاستيراد بصادرات مصر

تراجعت قيمة دخل مصر من الصادرات بنسبة 45 بالمئة- جيتي
كشفت أحدث بيانات رسمية عن حجم التجارة الخارجية لمصر أن ما اتبعته حكومة رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، من سياسات لترشيد الاستيراد حفاظا على العملة الصعبة التي تعاني البلاد ندرة منها؛ أضرت بشدة بقطاع التصدير المصري والصناعة الوطنية للبلد العربي الأفريقي.

البيانات الحديثة الصادرة الثلاثاء عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء (حكومي)، أوضحت أن سياسات ترشيد الاستيراد نجحت في خفض قيمة فاتورة الواردات المصرية بنسبة 27 بالمئة، ولكنها في المقابل كانت سببا في خفض قيمة دخل البلاد من الصادرات بنسبة 45 بالمئة.

"خلل الميزان"
الجهاز، كشف عن ارتفاع عجز الميزان التجاري المصري خلال شهر نيسان/ أبريل الماضي بنسبة 23.8 بالمئة ليصل إلى 2.33 مليار دولار مقارنة بـ1.89 مليار دولار خلال الشهر نفسه من العام الماضي.
وعجز الميزان التجاري، يعني وجود فجوة بين الاستيراد والتصدير، في قطاعات الخدمات، والسياحة، وتحويلات المصريين في الخارج، والعمالة الوافدة، والمنح الخارجية، وصافي الاستثمار بين المطلوبات والموجودات.

وبحسب الجهاز الحكومي، فإنها انخفضت قيمة الواردات بنسبة 27.4 بالمئة لتصل إلى 5.36 مليار دولار في نيسان/ أبريل الماضي، مقارنة بـ7.3 مليار دولار (القمح بنسبة 1.4 بالمئة، والمواد الكيماوية 2.1 بالمئة، والحديد والصلب 52.4 بالمئة، واللدائن 33.6 بالمئة).

وكشف الجهاز أيضا عن انخفاض قيمة الصادرات المصرية بنسبة 44.9 بالمئة لتصل لنحو 3 مليارات دولار مقارنة بـ5.5 مليار دولار في الشهر نفسه من العام الماضي.

وأرجعت البيانات الأمر لانخفاض قيمة صادرات بعض السلع وأهمها: الغاز الطبيعي المسال بنسبة 75.6 بالمئة، والفواكه الطازجة 58.8 بالمئة، والبترول الخام 48.2 بالمئة، والملابس الجاهزة 34.1 بالمئة.

خبراء ومراقبون، تحدثوا لـ"عربي21"، أرجعوا تلك المفارقة إلى ما اعتبروه اعتماد الحكومة على مؤشرات خاطئة، تؤدي إلى وقوعها في دائرة الفشل، مشيرين إلى توابع خطيرة لتلك الأرقام الرسمية.

"دلالات خطيرة"
الخبير الاقتصادي المصري، عبد النبي عبد المطلب، قدم في حديثه لـ"عربي21"، قراءة لدلالات أرقام تراجع التصدير المصري، وأسباب تلك الأزمة، وتأثيرها على الصناعة والإنتاج والاقتصاد الوطني والبطالة، والمسؤول عن اتخاذ القرارات الخاطئة.

وقال إن "تراجع قيم الصادرات كما أظهرت البيانات الرسمية، هو تراجع كبير جدا، حيث نتحدث عن نسبة تصل إلى 45 بالمئة تقريبا، وسببه الأساسي هو تراجع الإنتاج المصري"، مشيرا إلى تأثير "قرارات البنك المركزي المصري في شباط/ فبراير 2022، التي أدت لتوقف عدد كبير جدا من الواردات".

وأوضح أن "جزءا من تلك الواردات كان لمواد خام ومستلزمات إنتاج وقطع غيار لعدد وآلات ومعدات تعمل بالمصانع، وفي ظل عدم توافر هذه الخامات وقطع غيار الماكينات والمعدات توقف عدد غير قليل من المصانع عن الإنتاج".

متابعا: "جزء من هذه المصانع كان ينتج سلعا أساسية بغرض التصدير سواء في المناطق الحرة المنتشرة بعدة أماكن في مصر أو حتى الموجودة داخل الاقتصاد القومي، وبالطبع توقف هذه المصانع أدى إلى خفض الإنتاج وعدم وجود منتجات كافية للتصدير".


"توابع كارثية"
وكيل وزارة التجارة الخارجية المصرية السابق للبحوث الاقتصادية، أكد أن "الصادرات معروف أنها إحدى أهم قاطرات التنمية لأنها أحد أهم مصادر تدفقات العملة الصعبة".

ولفت إلى أنه "في ظل تراجع معدلات التصدير حتى لو تراجعت معدلات الواردات كما تتحدث البيانات الرسمية فإن ذلك يعني انخفاض كمية المدخولات للاقتصاد المصري من العملات الأجنبية، وهذا يؤدي لحدوث مشاكل كثيرة جدا أقلها ضررا تباطؤ معدلات النمو".

يرى أنه "في ظل عدم وجود إمكانية للإنتاج بغرض التصدير تتوقف العديد من المصانع والمشاغل والورش، وهذا يؤدي بالتأكيد لانخفاض الإنتاج العام للدولة ككل، وغلق المصانع والورش من المؤكد يزيد من معدلات البطالة".

وخلص إلى القول إن "تراجع قيم الصادرات خطورته تكمن أولا، على الاقتصاد الوطني وكذلك البطالة فهو أمر مؤكد، حيث ينخفض الإنتاج والاستهلاك ويقل مستوى المعيشة ويزيد معدل البطالة الناتج عنه مشكلات إجتماعية خطيرة جدا الكل يعلمها".

وأشار إلى أنه "على الجانب الآخر فإن تراجع الصادرات يؤدي إلى فقدان السلع والمنتجات المصرية إلى جزء من أسواقها الخارجية، وفقدان هذه الأسواق يجعل المستورد الأجنبي يبحث عن بديل بأسواق أخرى، كما أن استعادة هذه الأسواق أمر في منتهى الصعوبة".

وأكد أن "تراجع قيم الصادرات يؤدي كذلك لفقدان تنافسية السلع المصرية في الأسواق الخارجية، وغياب الدافع لزيادة الإنتاج وتحسين نوعيته بغرض التصدير والمنافسة بالأسواق الخارجية".

وختم عبد المطلب، بالقول إن "هذا يؤدي إلى عزوف الاستثمار المحلي والأجنبي عن افتتاح أنشطة جديدة أو توسيع الأنشطة الموجودة، وهذا بالطبع ينطبق على مجالات الصناعة والزراعة والسياحة والخدمات وكافة القطاعات ذات الارتباط بالتصدير".

"ماهية الأزمة"
أزمة استيراد الخامات تفجرت إثر خسارة مصر لنحو 20 مليار دولار من الأموال الأجنبية الساخنة في الربع الأول من العام 2022، والتي تزامنت مع بداية الحرب الروسية الأوكرانية في 24 شباط/ فبراير 2022، وتوجه البنك الفيدرالي الأمريكي لزيادة أسعار الفائدة.

وإلى جانب تلك الأزمة، تفاقمت حاجة مصر للعملات الأجنبية لتوفير بعض السلع الاستراتيجية مثل القمح والزيوت التي زادت أسعار استيرادها عالميا، إلى جانب تفاقم أزمة خدمة الديون الخارجية على مصر وحلول آجال العديد من الأقساط، ما زاد معاناة القاهرة مع توفير العملات الأجنبية.

وإزاء تلك الأوضاع، قرر البنك المركزي المصري في آذار/ مارس 2022، تطبيق نظام "الاعتمادات المستندية" على الواردات والصادرات، ما فاقم أزمة المستوردين والصناع ومستوردي الخامات وقطع الغيار التي تكدست بضائعها بالموانئ المصرية تنتظر قرارات الإفراج عنها وتوفير العملة الصعبة وشراءها من السوق السوداء.

وفي الوقت الذي تعمل فيه في مصر 42 ألف منشأة صناعية، بإجمالي عاملين يصل إلى 3 ملايين بحسب بيانات مجلس الوزراء، عانت أغلبها من أزمة توفير الدولار، لتوفير الخامات وقطع الغيار فكان توجهها  لخفض الإنتاج وتقليل العمالة.


"اعتماد بيانات خاطئة"
وفي رصده لحجم الأزمة وأسبابها وكيفية الخروج منها، قال الخبير الاقتصادي أحمد البهائي، إن "صانع السياسات الاقتصادية يعتمد على نتائج أبحاث ودراسات لم تكن جادة في تحديد مدى نجاح سياسة تخفيض قيمة العملة المحلية بتحسن ميزان المدفوعات".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أكد أن الدراسات التي يعتمد عليها صانع القرار ومن بينها لصندوق النقد الدولي، "أخفقت في تحديد درجة مرونة الطلب الخارجي على الصادرات المحلية، ومدى قبول المواطن على الإنتاج المحلي".

وأوضح أن "نجاح سياسة تخفيض قيمة العملة في تحقيق التوازن بميزان المدفوعات تتوقف على درجة مرونة الطلب الخارجي على الصادرات المحلية، كذلك زيادة معدلات الطلب المحلي على السلع المنتجة محليا".

وأشار إلى أن "ارتفاع درجة مرونـة الطلـب الخـارجي علـى المنتج المحلي نتيجة انخفاض أسعارها مقارنة بالسلع المنافسة بالسوق الدولية يساعد على زيادة الصادرات، وبالتالي زيادة حصيلة البلاد من النقد الأجنبي".

وأكد أن "ما حدث هو أن مرونة الطلب الخارجي على المنتج المحلي لم يحدث بها تغيير بالقدر التي تعكس فعالية سياسة تخفيض قيمة العملة المحلية، وذلك لانخفاض قدرتها التنافسية بالسوق الدولية، لأسباب تجاهلها صندوق النقد الدولي على الرغم من انخفاض أسعارها".

البهائي، لفت إلى أن كل ذلك "أدى إلى تفاقم الضغوط التضخمية بالاقتصاد المصري"، ملمحا إلى أن "انخفاض الطلب المحلي على المنتجات المحلية نتيجة زيـادة تفضيل الواردات لانخفاض أسعارها مقارنة بأسعار السلع المنتجة محليا".

وبين أن تلك الحالة "ترجـع إلـى اعتماد الصناعات المحلية على استيراد نسبة كبيرة من مستلزمات الإنتاج سواء كانت مواد أولية أو سلعا نصف مصنعة".

وأوضح أن "هذا يؤكد عدم جدوى عملية التخفيض والإقلال من فعاليتها في تحقيق زيادة في حجم الصادرات أو تخفيض حجم الواردات، الأمر الذي ساهم بالفعل في زيادة الاختلالات في ميزان المدفوعات".

وقال إن "الدليل على ذلك اعتراف رئيس البعثة الفنية لصندوق النقد الدولي إلى مصر كريس جارفيس، بأن الصندوق كان مخطئا في توقعاته لسعر الجنيه قياسا إلى أساسيات الاقتصاد، وقوله إن تراجع قيمة الجنيه بعد تحرير سعر الصرف كان أكبر من توقعاتنا".

"توقف آلاف المصنع"
وبحسب ما نقله موقع "برلماني" المحلي، في كانون الأول/ ديسمبر 2022، عن عضو مجلس النواب أيمن محسب، فإن هناك من 8000 إلى 8500 مصنع متوقف، ما أدى إلى تشريد عمالة وزيادة نسب البطالة.

وفي أيلول/ سبتمبر 2022، أكد رئيس جمعية المستثمرين الصناعيين محمد جنيدي، لموقع "مصر 360" المحلي، أن عدد المصانع المتوقفة عن العمل الفترة الماضية، قرابة الـ11 ألف مصنع، منها 4 آلاف بسبب أزمة الاستيراد ونقص الدولار.

ورغم تغيير محافظ البنك المركزي طارق عامر، الأكثر استمرارا في منصبه لمدة 7 سنوات في عهد السيسي، في آب/ أغسطس الماضي، وتعيين المصرفي حسن عبدالله قائما بأعمال محافظ البنك المركزي، إلا أن الأزمة مازالت قائمة.

صحيفة "البورصة" الاقتصادية المحلية، في 25 نيسان/ أبريل الماضي، كشفت أن المصانع خفضت طاقتها الإنتاجية بنسب تراوحت بين 30 و45 بالمئة منذ بداية العام الجاري، للحفاظ على مخزون المواد الخام بمستودعاتها.

وأشار العديد من المسؤولين إلى أهمية استيراد الخامات ومواد التشغيل لأغلب الصناعات.

وأكد رئيس غرفة الصناعات الهندسية محمد المهندس، أن الصناعات الهندسية تعتمد على خامات مستوردة بنسبة 60 بالمئة.

وقال رئيس شعبة المواد العازلة كمال الدسوقى، إن قطاع مواد البناء يعتمد على 25 بالمئة من مدخلات إنتاج مستوردة.

وأوضح نائب رئيس مجلس إدارة غرفة صناعة الحبوب عبد الغفار السلاموني، أن قطاع الحبوب يستورد نحو 30 بالمئة من مستلزمات الإنتاج آلات وقطع غيار ومنتجات تعبئة وتغليف.