قضايا وآراء

آفاق التحر ك الصيني تجاه الملف الفلسطيني

تسلل حراك الصين الدبلوماسي ببطء إلى الملف الفلسطيني على حين غفلة من الأمريكيين تغذيه بيئة سياسية وأمنية مضطربة.. (وفا)
أبلغ وزير الخارجية الصيني تشين غانغ في نيسان (أبريل) الماضي نظيريه الإسرائيلي إيلي كوهين والفلسطيني رياض المالكي استعداد بلاده للمساعدة في محادثات سلام، في اتصالين منفصلين وفق ما ذكرت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا).

التحركات الدبلوماسية الصينية اتخذت منحى نشطا تجاه الملف الفلسطيني في أعقاب النجاح الذي حققته الصين في تحقيق المصالحة السعودية ـ الإيرانية في آذار (مارس) الماضي؛ إذ حث تشين وزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي إيلي كوهين على اتخاذ "خطوات لاستئناف محادثات سلام"، مؤكدا أن "الصين على استعداد لتسهيل ذلك".

الحراك الصيني بلغ ذروته منتصف الشهر الحالي يونيو / حزيران باستضافة الرئيس الصيني تشي جينبنغ  رئيس السلطة الفلسطينية في رام الله محمود عباس في العاصمة الصينية بكين؛ تبعها إعلان رئاسة وزراء الاحتلال يوم الثلاثاء الماضي الموافق 27 يونيو / حزيران الحالي تلقي بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الاحتلال الفاشية الدعوة لزيارة الصين والمتوقعة في تشرين أول (أكتوبر) المقبل، بحسب موقع واللا العبري.

الحراك الصيني اكتسب أهمية خاصة؛ لتزامنه مع حراك أمريكي متعثر لخفض التصعيد في الأراضي المحتلة، وتباطؤ مشروعها السياسي والاقتصادي لتعزيز اتفاقات التطبيع (اتفاقات إبراهام)، برفض المملكة العربية السعودية الانضمام لهذا المسار، وتعطله أكثر من مرة بتأجيل منتدى النقب في المملكة المغربية.

ففي ضوء البيئة السياسية والأمنية المتدهورة برزت الصين كطرف مبادر، سرعان ما تفاعلت معه السلطة في رام الله بقيادة محمود عباس، التي تعاني من تآكل شرعيتها وتراجع مكانتها في الأراضي الفلسطينية والإقليم؛ لتقدم بكين طوق نجاة تتشبث به السلطة وقياداتها التي تعاني عزلة إقليمية وضغوطا أمريكية وإسرائيلية تدعوها لاجتراح المعجزات في قمع المقاومة الفلسطينية، التي تتصدى بدورها للانتهاكات الإسرائيلية اليومية.

الحراك الصيني اكتسب أهمية خاصة؛ لتزامنه مع حراك أمريكي متعثر لخفض التصعيد في الأراضي المحتلة، وتباطؤ مشروعها السياسي والاقتصادي لتعزيز اتفاقات التطبيع (اتفاقات إبراهام)، برفض المملكة العربية السعودية الانضمام لهذا المسار، وتعطله أكثر من مرة بتأجيل منتدى النقب في المملكة المغربية.
في المقابل، فإن المبادرة الصينية رغم سقفها المرتفع إسرائيليا بالدعوة لحل الدولتين على حدود الرابع من حزيران، واستقبالها الرسمي لمحمود عباس في بكين بمراسم رئيس دولة؛ فإنها قدمت لنتنياهو فرصة للمناورة والضغط على الإدارة الأمريكية بالكشف عن استجابته للدعوة الصينية لزيارة بكين، قبيل  استقباله وفدا من الكونغرس الأمريكي يوم أول أمس الثلاثاء.

التعامل مع الضغوط الأمريكية يمثل جوهر ولب التعاطي الإسرائيلي مع الحراك الدبلوماسي الصيني؛ إذ ورد على لسان نتنياهو القول؛ إن "مشاركة الصين المتزايدة في الشرق الأوسط هي تطور إيجابي؛ لأنه يُلزم الولايات المتحدة أيضا بزيادة مشاركتها في المنطقة"، وهي تصريحات صدرت عن نتنياهو خلال مشاركته في جلسة مغلقة عقدتها لجنة الشؤون الخارجية والأمنية في الكنيست، قبل نحو أسبوعين بحسب موقع واللا العبري.

توقيت الإعلان عن الزيارة، كشف رغبة نتنياهو في كسر الحصار الذي فرضته الإدارة الأمريكية على حكومة نتنياهو الفاشية ووزرائها، وعلى رأسهم وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير؛ فمن حيث الشكل اتفق نتيناهو مع دوافع السلطة في رام الله بالبحث عن طوق نجاة ينتشلها من تراجع مكانتها وتآكل شرعيتها محليا وإقليميا؛ إلا أنه من حيث المضمون بقي متمسكا برفض حل الدولتين الذي دعى لاجتثاثه عبر الاستيطان والإجراءات القمعية.

التفاعل مع المبادرة الصينية إسرائيليا لم يقتصر على إخراج نتنياهو وحكومته من حالة العزلة والتجاهل التي تمارسها إدارة بايدن، بل ومواجهة الضغوط الناجمة عن التصعيد في الضفة الغربية، التي دفعت الخارجية الأمريكية لإبلاغ نطيرتها الإسرائيلية وقف التعاون العلمي مع المستوطنات الإسرائيلية، وانتقادها المتكرر لهجمات المستوطنين على الفلسطينين في قرى نابلس ورام الله، وهي مفارقة بالغة الأثر.

ختاما.. تسلل حراك الصين الدبلوماسي ببطء إلى الملف الفلسطيني على حين غفلة من الأمريكيين تغذيه بيئة سياسية وأمنية مضطربة؛ ومصالح متعارضة ومتضاربة بين الخصوم والشركاء تسمح للصين المضي قدما في مبادرتها تجاه الملف الفلسطيني رغم تشابكه وتعقيداته؛ فالآفاق واعدة ولا تقتصر على الوساطة بين السلطة في رام الله والكيان الإسرائيلي؛ إذ يتوقع أن تمتد إلى ملف المصالحة الفلسطينية والتهدئة في مفارقة أخرى يتوقع أن تنتجها المتغيرات الدولية المتسارعة في أوروبا والباسفيك.

https://twitter.com/home