شراء
اللحوم وذبح الأضحية وإطعام الفقراء في
عيد الأضحى الموسم السنوي للحوم في
مصر، أصبحت
ثلاثتها أمرا صعب المنال مع تفاقم أزمة ارتفاع أسعار اللحوم والأضاحي وتضاعفها 3 مرات
خلال عام واحد.
فقد ارتفعت أسعار اللحوم من نحو 140 جنيها لكيلو
الجملي، و160 جنيها للبقري، و70 جنيها للضاني، إلى نحو 300 جنيه للأولى و350 جنيها للثانية،
ونحو 200 جنيه للثالثة، وهي الأسعار التي تزيد بنسب أكبر بالمناطق الراقية من البلاد،
علما بأن سعر الدولار رسميا (30.77 جنيها مصريا).
وفي
حديثهم لـ"عربي21"، اشتكى مصريون من عجزهم عن توفير لحوم عيد الأضحى، بينما
اشتكى آخرون من عجزهم عن شراء أضحية مناسبة، مشيرين إلى ارتفاع الأسعار.
"حلول
وسخرية"
ومع
ارتفاع أسعار اللحوم والأضاحي لمستويات قياسية وتاريخية دعت الإعلامية بسمة وهبة، المصريين
لشراء ربع كيلو من اللحوم بعيد الأضحى.
ورغم
اعتراف وهبة، بأن موسم عيد الأضحى يشهد هذا العام؛ تراجعا في القدرة الشرائية وضعف
الإقبال على شراء أضاحي العيد، إلا أنها لم تُحمل الدولة أية مسؤولية عن الأزمة موجهة
اتهاماتها للتجار، قائلة: "سرقوا فرحة الغلابة".
وفي
السياق، أثار الأكاديمي الأزهري المعروف بفتاواه الشاذة أستاذ الفقه المقارن بجامعة
الأزهر سعد الهلالي، الجدل بدعوته المصريين للتضحية بالطيور والدجاج بدلا من الجمال
والأبقار والخراف والماعز، وذلك بدعوى إنهاء الأزمة الاقتصادية الحالية.
حديث
الهلالي، أحدث بلبلة بين المصريين، وسخرية بمواقع التواصل الاجتماعي، ورد عليه عضو مجمع
البحوث الإسلامية الدكتور عبد الله النجار، مؤكدا أن الأضحية سنّة، ومن لم يجد ما يضحي
به فليس إلزاما عليه، موضحا أن الشرع حدد الأضحية من بهيمة الأنعام (الإبل والبقر والغنم).
"جزارون:
خسائر كبيرة"
الجزارون
يواجهون خسارة كبيرة في موسم بيع اللحوم السنوي، فلا يوجد مشترون للأضاحي مع قلة الإقبال
من المواطنين، وزيادة كبيرة في الأسعار مع قلة المعروض من الحيوانات بفعل الأزمة السودانية،
وهو ما أكد عليه الجزار الحاج أحمد عسكر.
عسكر
أكد لـ"عربي21" أن "الإقبال على شراء الأضاحي قليل، وحتى سوق بيع اللحوم
متراجع بنسبة كبيرة".
وفي
حديثها لـ"عربي21" تقول تاجرة إن عيد الأضحى يمثل موسمها السنوي لجلب الأضاحي
لأهل القاهرة من الريف.
وأضافت:
"الخراف والماعز تلقى إقبالا أكبر، فهي الأضحية الرخيصة والسهلة والمفضلة لدى
المصريين والتي يجري ذبحها داخل البيوت، وتمثل فرحة كبيرة للمصريين، وكان يمكن تدبير
سعرها، ولكن أسعارها هذا العام تضاعفت بشكل كبير، من 3 و4 و5 آلاف إلى نحو 15 ألف جنيه".
"تضارب
الأسعار"
وفي
17 حزيران/ يونيو الجاري، كشف رئيس شعبة القصابين بالجيزة سعيد زغلول، عن ارتفاع أسعار
الأضاحي 3 أضعاف عن العام الماضي، مرجعا السبب للارتفاع الكبير في أسعار الأعلاف، مؤكدا
أن الإقبال على شراء الأضاحي ضعيف هذا العام.
وقالت
شعبة القصابين إن سعر الكيلو من الخراف الحية "قائم" وصل 170 جنيها، وكيلو
الخراف البرقي من 120 إلى 175 جنيها، والأسواني من 120 إلى 135 جنيها، والفلاحي من
110 إلى 130 جنيها، والصعيدي من 120 وحتى 130 جنيها.
وعن
أسعار العجول القائم، بينت الشعبة أن سعر كيلو العجل البلدي قائم 73 جنيها تقريبا،
والمستورد 140 جنيها للحوم الأوكرانية.
وهي
الأسعار التي لا تجدها في أسواق بيع الأضاحي، ولا لدى الجزارين، بحسب ما أكد في حديثه
لـ"عربي21"، الحاج خالد، أحد السائقين الذي كان يحرص سنويا على ذبح أضحية
من البقر أو الجاموس.
وأكد
أن "تلك الأسعار غير حقيقية، والعملية تخضع للعرض والطلب، وشطارة التاجر وقدرة
المشتري على الفصال، ولكن في النهاية تزيد بكثير بمبلغ يتعدى ألف جنيه للخراف والماعز
و5 آلاف للمواشي".
"منافذ
الدولة"
وفي
الوقت الذي ينصح فيه الإعلام المصري المواطنين بشراء اللحوم المذبوحة أو الأضاحي المستوردة
من منافذ الدولة، ووزارات الزراعة والداخلية والقوات المسلحة، التي تبلغ وفقا لما نقلته
الإعلامية بسمة وهبة بين 235 إلى 275 جنيها، يرفض الكثير من المصريين هذا الحل.
البعض
أكد لـ"عربي21" أن "أضحية يعني ذبحا ودماء تراق وفقا للشعيرة الإسلامية
وكما فعل أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام"، وهو ما قاله أشرف، أحد الضباط المتقاعدين،
مؤكدا أنهم "يضحكون علينا بكلام لن يقنع طفلا".
وأشار
إلى عدم ثقته فيما يتم عرضه من لحوم مستوردة، قائلا إنها "تحمل بين فرثها ودمها
أمراضا سنشتريها بأموالنا"، منبها لما اعتبره "عمليات الفساد في استيراد تلك
اللحوم"، ومعربا عن مخاوفه من أن تكون "غير صالحة للاستهلاك الآدمي، وعدم
الثقة في طرق تخزينها".
وغابت
بشكل لافت منافذ بيع القوات المسلحة عن الأزمة، وهي المنافذ التي جرى تدشينها وبناؤها
في أغلب القرى والأحياء بالمدن، عام 2013 و2014، لبيع اللحوم والكبد والقوانص والأسماك،
إلى جانب المواد الغذائية الأخرى.
ورصدت
"عربي21"، غياب السيارات التابعة لتلك المنافذ والتي كانت تجوب القرى لبيع
اللحوم المجمدة، وذلك بحسب مواطنين، لارتفاع سعرها وعدم الثقة في طريقة تخزينها ولا
مصدرها.
أحد
أعضاء حزب "مستقبل وطن"، وعن دور الحزب في حل الأزمة وتوزيع اللحوم، قال
لـ"عربي21": "لم يحن بعد وقت الانتخابات، ولو كان العيد قريبا منها لوجدت
السيارات تجوب الشوارع لتوزيع كراتين اللحوم"، مضيفا: "من الآخر، الناس تعبت
تبرعات والكل الآن يبحث عن مصلحة له قبل فوات الأوان"، لكنه أشار لوجود العديد من الشوادر
التابعة للحزب بأغلب المدن.
وفي
المقابل، تتواصل دعاية الجمعيات الأهلية لدفع المواطنين لشراء الأضاحي والصكوك والتبرع
باللحوم، حيث تضج إذاعة "القرآن الكريم" بالبرامج الإعلانية، وغيرها من الإذاعات
والفضائيات بالدعاية لشراء صكوك الأضاحي من وزارات الأوقاف والجمعيات الأهلية.
"عادات
تختفي"
نعمة،
ربة منزل، تقول لـ"عربي21": "في موسم عيد الأضحى، نقوم بشراء كيلو لحم
لكل بنت من بنات العائلة نرسلها لها يوم وقفة عرفات، وهي عادة سنوية تصل للبنات المتزوجات
والخالات والعمات والأجداد والجدات، والأقارب، والجيران والفقراء".
وتوضح
أنها ستذهب للجزار قبل يوم عرفات بيوم، لشراء حاجتها من اللحوم، وأنها لن تنفذ عادتها
السنوية، وستكتفي بكيلو لحم ليوم الوقفة وآخر ليوم العيد وثالث لثاني يوم العيد، ولن
تشتري إلا لبناتها الثلاث فقط كيلو لكل واحدة منهن".
الحاج
عزت، والحاج رضا، لن ينفذا عادتهما السنوية بالاشتراك في أضحية مع الأهل والجيران والأصدقاء،
حيث كان كل واحد منهم يحصل على نسبته بنحو ربع الذبيحة ويضع جزءا كبيرا منه في "ديب
فريزر" يستهلكه لعدة شهور من السنة، بعدما يأكل منه في العيد ويوزع على الأقارب.
الحاج
رضا، قال لـ"عربي21": "موضوع الغلاء سيقلل الروابط الأسرية والاجتماعية،
فلن يستطيع أحد أن يهدي لحوما لغيره من أهال وجيران وفقراء كما كان، وهذا العام رغم
قرب العيد لم أقرر بعد هل سأشارك إخوتي ككل عام في ذبح جمل أم لا؟ وفي الغالب سأشتري
بضعة كيلوغرامات ليمر العيد دون فضيحة".
ومع
تأزم الأوضاع الاقتصادية في الربع الأول من العام 2022، وهروب نحو 20 مليار دولار من
الأموال الساخنة من السوق المصرية مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية وتفاقم أزمة
الديون المصرية وشح الدولار، تفجرت أزمة غير مسبوقة في أسعار اللحوم.
ما دفع
المصريين لتقليل استهلاكهم منها، وهو ما أكده تقرير للجهاز المركزي للتعبئة العامة
والإحصاء (حكومي)، في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، حيث خفض 93.1 بالمئة من الأسر المصرية
استهلاك اللحوم والطيور.
وأظهرت
بيانات البنك المركزي المصري 11 حزيران/ يونيو الجاري، ارتفاع معدل التضخم الأساسي
السنوي في مصر إلى 40.3 بالمئة في أيار/ مايو الماضي، فيما زادت أسعار اللحوم والدواجن
بنسبة 91.5 بالمئة، على أساس سنوي.
"أسباب
الأزمة والحلول"
وفي
تعليقه على أسباب الأزمة وطرق حلها، قال الأكاديمي المصري والخبير الزراعي ومستشار
وزير التموين الأسبق الدكتور عبد التواب بركات: "تدعي الحكومة أن ارتفاع أسعار
اللحوم والدواجن يرجع لأسباب خارجية مرتبطة بالحرب في أوكرانيا".
وفي
حديثه لـ"عربي21" يرى أن "ارتفاع أسعار اللحوم في مصر يرجع لعدة أسباب،
أولها، إغراق سوق اللحوم البلدية باللحوم المجمدة المستوردة بواسطة شركات تابعة للجيش،
طمعا في الربح المضاعف، حيث تستورد الكيلو بدولار واحد، وتبيعها بواسطة سيارات تابعة
للجيش في عموم المدن والقرى والعزب، ما حقق خسائر فادحة للمربي المصري، وتوقف 70 بالمئة
تقريبا عن الإنتاج".
"السبب
الثاني: ارتفاع أسعار الأعلاف بالسوق المحلية رغم تراجعها دوليا، بسبب انخفاض قيمة
الجنيه وشح الدولار، ما تسبب في خروج كثير من مزارع اللحوم والدواجن والأسماك من دولاب
العمل وتراجع الإنتاج بسبب ارتفاع تكلفته".
ولفت
إلى أن "السبب الثالث: انتشار الأمراض المميتة بين المواشي مثل الحمى القلاعية،
وغياب دور الدولة في دعم المربين وتوفير اللقاحات والأمصال والأدوية البيطرية، ما أدى
لزيادة التكلفة وتراجع الإنتاج".
ويرى
الخبير المصري أنه "لعلاج أزمة اللحوم في مصر لا بد من العودة إلى تنفيذ مشروع
البتلو القديم بمميزاته، حيث توفر وزارة الزراعة العجول المحسنة والأعلاف المحلية والإشراف
البيطري دون تربح، ثم تشتري وزارة التموين العجول وزن 500 كيلو غرام بأسعار تحقق هامش
ربح حقيقي ويناسب المربي والمستهلك".
وشدد
على ضرورة "علاج نقص الأعلاف محليا بدعم إنتاج الدرة الصفراء والقطن، والتوقف
عن الإغراق وتدخل الجيش بالاستيراد العشوائي للحوم المجمدة، وتنفيذ برامج تحسين سلالات
البقر والجاموس المصري ووقف مخطط التخلص منها وإحلال سلالات أجنبية محلها".
"سخرية
وتندر"
وعبر
مواقع التواصل الاجتماعي، انتشرت عشرات التدوينات والتغريدات الساخرة من الأزمة، وتلك
التي تنتقد أطرافها ودعوات التقشف الموجهة للمصريين.