توقع خبيران اقتصاديان مصريان الإعلان رسميا خلال الأيام المقبلة عن تجميد صرف الشريحة الثانية من قرض
صندوق النقد الدولي، وذلك على خلفية عدم قدرة القاهرة على تلبية التعهدات التي تعهدت بها سابقا لصندوق النقد الدولي، وهو ما سيؤدي برأيهما إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية بشكل أكبر في المرحلة المقبلة.
وقال الوكيل السابق لوزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية
المصرية، عبد النبي عبد المطلب، إنه ربما يتم الإعلان بنسبة كبيرة عن هذا التجميد خلال الأيام القليلة المقبلة، كما أنه ربما يتم تجميد المراجعات التي يجريها الصندوق لأداء الاقتصاد المصري.
وتبلغ قيمة الشريحة الثانية من قرض صندوق النقد الدولي 347 مليون دولار، وكان من المفترض أن تحصل عليها القاهرة عقب تحديد موعد المراجعة الأولى لبرنامجها مع الصندوق، وهو ما لم يحدث حتى الآن.
يشار إلى أنه من المفترض أن تتم مراجعة أداء الاقتصاد المصري وفقا لبرنامج الصندوق على مدى ثماني مراجعات، تنتهي آخرها في أيلول/ سبتمبر 2026.
تداعيات القرار
لكن عبد المطلب استبعد، في تصريح خاص لـ"عربي21"، الإعلان الرسمي عن فشل اتفاق مصر مع صندوق النقد الدولي أو إعلان توقف اتفاق القرض، لأن هناك مسائل أخرى (لم يحددها) مرتبطة بهذا الاتفاق الذي قال إنه يعتبر هاما للغاية بالنسبة للدولة المصرية، خاصة في هذا التوقيت.
توقعات سلبية ومتشائمة
وحول تفسيرات القرار المرتقب، وتداعياته، قال عبد المطلب: "ما أخشاه أن يصدر صندوق النقد الدولي تقريرا عن مجمل الإصلاحات التي اتخذتها الحكومة المصرية ويتم الإشارة فيه إلى توقعات سلبية ومتشائمة لعدم قدرة البلاد على تنفيذ تعهداتها السابقة التي قطعتها على نفسها من أجل الحصول على القرض الجديد لصندوق النقد الدولي".
وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن "هناك غموضا حول موقف اتفاق مصر مع صندوق النقد الدولي منذ آذار/ مارس الماضي وحتى الآن. صحيح أنه تم صرف جزء من الشريحة الأولى بمجرد توقيع الاتفاق، لكن المشاكل والمعطيات الحالية تشير إلى أن مصر ستجد صعوبة كبيرة جدا في تنفيذ تعهداتها للصندوق".
وأردف الوكيل السابق لوزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية: "عندما بدأت مصر مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي كان أمام متخذي القرار المصري ما حدث في 2017، حيث وضع المفاوض المصري نصب عينيه إمكانية الحصول على كل ما يريد، وأن يعطي بإرادته للصندوق ما يريده".
وذكر أنه "في برنامج الإصلاح الاقتصادي السابق عام 2017 تم تحرير سعر الصرف، واتخاذ مجموعة من الإجراءات التي كان مردودها السيئ والسلبي بشكل كبير جدا على المواطن المصري، بينما لم تتأثر بها فئات بعينها، وعلى رأسها الجهات السيادية أو رجال أعمال أو مؤسسات صناعية".
ونوه عبد المطلب إلى أن "تأثير السياسات الاقتصادية في عام 2017 كان منصبا بدرجة كبيرة على المواطن؛ فمَن دفع الفاتورة بشكل أكبر وأخطر كان المواطن المصري، أما الجهات السيادية والمؤسسات ورجال الأعمال فربما كانت أرباحهم أكبر بكثير من السلبيات التي أحاطت بهم".
وثيقة سياسة ملكية الدولة
وأكمل: "لكن صندوق النقد الآن ما زال مُصرّا على أن يتم تنفيذ التعهدات المصرية بحذافيرها، وهو لم ينخدع بمسألة إصدار وثيقة سياسة ملكية الدولة، واعتبرها فقط بادرة على حسن النية، لكنه كان ينتظر أن يتم بالفعل طرح أسهم الشركات التي أعلنت عنها الدولة في البورصة، وأن يتم التخارج الفعلي للدولة من الأنشطة التي حددتها -كمرحلة أولى على الأقل- وهذا لم يحدث إلى الآن".
وتهدف "وثيقة سياسة ملكية الدولة" -التي وافق عليها
السيسي في كانون الأول/ ديسمبر 2022- إلى إشراك القطاع الخاص في قطاعات اقتصادية أوسع من مجالات الاستثمار، ورفع معدلات النمو الاقتصادي، عن طريق رفع معدل الاستثمار إلى ما يتراوح بين 25% و30%، بما يُسهم في زيادة معدل النمو الاقتصادي إلى ما بين 7 و9%.
ولفت الخبير الاقتصادي إلى أن "الصندوق كان ينتظر أن يكون هناك تشجيع وإفساح للمجال أمام القطاع الخاص لزيادة نسبة مساهمته في الناتج المحلي من 35% حاليا إلى نحو 45% خلال هذا العام لتكتمل إلى 65% خلال الثلاث سنوات المقبلة، بينما لم يحدث أيضا".
وتابع: "أنا شخصيا أعتقد أن ما تنوي الحكومة فعله هو تحرير أسعار الكهرباء والوقود، لكن حتى لو اتخذت الحكومة المصرية خلال الفترة المتبقية، والتي لا تتجاوز الأيام المعدودة، قرارا برفع الدعم كاملا عن الكهرباء، وتحرير سعر الصرف بشكل كامل، فإن الصندوق سوف يجد هذه الإجراءات أقل بكثير جدا من التعهدات التي تعهدت بها مصر".
"طريقة الفهلوة"
واتفق الباحث في الاقتصاد السياسي والتنمية، مصطفى يوسف، مع ما ذهب إليه عبد المطلب قائلا إن "المفاوض المصري تعامل مع صندوق النقد الدولي بنفس طريقة الفهلوة والوعود والتصريحات الوردية التي لا يمكن تنفيذها ببساطة، لأن الجمهورية الجديدة تقوم على بسط هيمنة المؤسسة العسكرية على مقدرات الاقتصاد، ورأسمالية عسكرية تُقرّب المحظيين ومحاسيب النظام ورجال الأعمال الذين يدورون في فلك الدولة العسكرية".
وأشار يوسف إلى أن "الإعلان الرسمي المرتقب لتجميد صرف الشريحة الثانية من قرض صندوق النقد الدولي سيلقي بظلال سلبية كبيرة على الاقتصاد المصري، وسيؤزم ويُعقّد الأوضاع أكثر مما هي عليه حاليا"، مُعبّرا عن تفهمه لما وصفه بتشدّد صندوق النقد الدولي في "الاستجابة لشروطه هذه المرة، لأن النظام يتوهم أنه قادر على خداع وتضليل الجميع سواء في الداخل أو الخارج، وهذا غير حقيقي".
وانتقد التصريحات الأخيرة التي قالتها وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية، هالة السعيد، والتي قالت فيها إن الاقتراض لن يكون إلا في أوقات الضرورة لمشروعات ذات عوائد تنموية، حيث قال يوسف: "لأول مرة أسمع الحكومة المصرية تتحدث عن ضوابط لعملية الاقتراض، فما هي هذه الضوابط المزعومة؟ وأين كان مثل هذا الحديث خلال السنوات العشر الماضية؟ وهل سيصدقون في ما يقولون؟".
وأضاف: "الوزيرة قالت إن القروض لا بد أن يكون لها دراسة جدوى، بينما الرئيس السيسي صرّح بشكل واضح بأنه لا يؤمن بدراسات الجدوى، فكيف يتسق هذا مع ذاك؟ وهل قرض صندوق النقد الدولي الذي تلهث مصر وراءه حاليا هو قرض تنموي له فترة سماح طويلة، وأسعار فائدة مخفضة، كما قالت الوزيرة؟".
هيمنة المؤسسة العسكرية
وأردف يوسف، في تصريحات خاصة لـ"عربي21": "لا توجد أي قرارات أو إجراءات تشجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وللأسف مصر في عهد الجمهورية الجديدة منذ 3 تموز/ يوليو 2013 تقبع في ذيل ترتيب مؤشر العدالة وسيادة القانون واستقلال القضاء وحرية التعبير وتعتبر من أكثر الدول فسادا".
وزاد: "هيمنة المؤسسة العسكرية على الاقتصاد، والفشل الاقتصادي، وعدم وجود أولويات للإنفاق أدت الى انهيار قيمة العملة المصرية من 6.30 وقت الانقلاب عام 2013 إلى قرب الـ39 جنيها في السوق الموازي، وتوقع بنك كريدي سويس وصول الدولار إلى مستوى فوق الـ40 جنيها خلال هذا العام، بمعنى أن الدولار تضاعف أكثر من 6 أضعاف خلال أقل من 10 سنوات، وهذا الانهيار الاقتصادي لم يحدث في مصر من قبل".
واستطرد يوسف، وهو مدير المركز الدولي للدراسات التنموية والاستراتيجية في كندا، قائلا: "الحلول تكمن في تغيير السياسات، وفتح المجالين الاقتصادي والسياسي، وإطلاق الحريات، وتغيير الوجوه التي أدت لهذا التردي غير المسبوق حتى يمكن إيقاف نزيف وانهيار الاقتصاد، وازدياد نسبة الدين العام، وضعف الصادرات، وازدياد كلفة الواردات، وازدياد معدلات الفقر بصورة غير مسبوقة مع تضخم عالمي، وفشل داخلي كبير، ينذر بكارثة اقتصادية واجتماعية كبيرة في المديين القصير والمتوسط".
ولجأت مصر للاستعانة بصندوق النقد الدولي من أجل تنفيذ برنامج تسهيل ائتماني مُمدّد بقيمة 3 مليارات دولار خلال 4 سنوات، وحصلت على الشريحة الأولى بقيمة 347 مليون دولار في كانون الأول/ ديسمبر 2022.