قلل
محللون وخبراء اقتصاد من جدوى قرارات المجلس الأعلى للاستثمار الذي يرأسه رئيس النظام
المصري، عبد الفتاح
السيسي، لتحسين بيئة
الاستثمارات في ظل غياب المؤشرات السلبية على
تأزم الوضع الاقتصادي، رغم ترحيب مجتمع الأعمال المحلي بالقرارات الجديدة.
أصدر
المجلس الأعلى للاستثمار، الأسبوع الماضي، 22 قراراً في العديد من القطاعات والمجالات
الاقتصادية؛ تستهدف تحسين بيئة الاستثمار، مثل الحد من القيود المفروضة على التأسيس،
وتسهيل تملك الأراضي والتوسع في إصدار الرخصة الذهبية، وتعزيز الحوكمة والشفافية والحياد
التنافسي في السوق المصرية، وتسهيل استيراد مستلزمات الإنتاج.
يأتي
هذا الاجتماع بعد إعادة تشكيل المجلس في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، ونظام عمله،
والذي نص على أن يُشكل برئاسة رئيس الجمهورية، وعضوية كل من: رئيس مجلس الوزراء، ومحافظ
البنك المركزي المصري، وعدد من الوزراء ورئيس جهاز المخابرات العامة، ورؤساء عدد من
الهيئات الاقتصادية والاستثمارية، والمدير التنفيذي لصندوق مصر السيادي.
ورغم
مشروع القرار الذي ينص على أن يجتمع المجلس الأعلى بناء على دعوة من رئيسه، مرة كل
ثلاثة أشهر على الأقل وكلما دعت الحاجة لذلك، إلا أن أول اجتماع للمجلس جاء بعد أكثر
من 6 شهور دون أي ذكر لنتائج قرارات المجلس السابقة.
شملت
القرارات أيضا تسهيل استيراد مستلزمات الإنتاج والسماح بقيد المستثمر الأجنبي بسجل
المستوردين لمدة 10 سنوات، وتخفيف الأعباء المالية والضريبية على المستثمرين، والموافقة
على مشروع قرار بإجراء تعديلات على بعض المواد القانونية التي تمنح معاملة تفضيلية
للشركات والجهات المملوكة للدولة بهدف تعزيز الحياد التنافسي في السوق المصرية.
ترتيب
متأخر لبيئة الاستثمار في مصر
يعود
تاريخ تأسيس المجلس الأعلى إلى قبل ذلك التاريخ بسنوات وتحديدا في تشرين الأول/ أكتوبر
2016 قبيل اتفاق مصر مع صندوق النقد الدولي على برنامج اقتصادي إصلاحي تضمن تعويم الجنيه
مقابل تزويد مصر بحزمة تمويلية لمواجهة شبح الإفلاس، ورغم مرور 7 سنوات على تأسيسه
والإشادة بقراراته "التاريخية"، إلا أنه لم يجتمع إلا مرات تعد على أصابع
اليد الواحدة، وذهبت القرارات أدراج الرياح بمرور الوقت؟
تعاني
بيئة الاستثمار في مصر من قيود كبيرة وغير منافسة وتغيب عنها الحيادية والشفافية، بحسب
تقارير البنك الدولي، وجاءت في المرتبة الـ114 عالميًا على مؤشر سهولة ممارسة الأعمال،
الصادر عام 2020، وتراجعت إلى المرتبة 171 في أسوأ أداء لها على المؤشر الفرعي للتجارة
عبر الحدود والذي يعنى بأمور الاستيراد والتصدير.
قرارات
دون نتائج
يقول
الباحث الاقتصادي عبد الحافظ الصاوي: "تكتسب القرارات الحكومية مصداقيتها من سلوكها
على أرض الواقع، ووجود دولة قانون.. المستثمر سواء المحلي أو الأجنبي يعلم أن الهيئة
التشريعية لا تتمتع بشفافية ولا مصداقية، وبالتالي فهي تصدر من القوانين ما تريده الحكومة،
وكذلك القرارات الحكومية لا تأتي في ضوء التنسيق بين مكونات النشاط الاقتصادي من المستثمرين
والمنتجين والتجار ورجال الأعمال واتحاد الصناعات وغيرهم، وبالتالي فالحكومة تتصرف
وحدها دون تنسيق لذلك فإنها تخرج القرارات بشكل عشوائي ولا تلبي احتياجات المستثمرين".
وأضاف
لـ"عربي21": "السياسيات الاقتصادية التي اتبعتها الحكومة منذ 2016 وتسليم
قيادة الاقتصاد المصري للبنك المركزي الذي كان يأتمر بأوامر الرئيس أثرت على مناخ الاستثمار،
وبات المستثمر يفاجأ بتخفيض قيمة العملة ورفع الفائدة والمستثمر يبحث عن عدد من المؤشرات
لقياس حالة الاستقرار الاقتصادي وفي حال غيابها لا يدخل للاستثمار".
وأوضح
أن "من بين تلك المؤشرات استقرار سعر الصرف، وضمان الحصول على عملات أجنبية ودخول
المستلزمات اللازمة، كما أن المستثمر يحتاج إلى وجود علاقة مطمئنة بينه وبين الأيدي
العاملة، ولا يستطيع المستثمر التماهي مع معدلات التضخم المتسارعة ما يدفعه للاستغناء
عنهم أو تخفيض رواتبهم لأن ذلك يرفع تكلفة الإنتاج ويخفض الأرباح، من هنا كل ما يتخذ
من قرارات تتعلق بالاستثمار هي قرارات تفتقر للمشاركة والجدية".
3 نقاط
تثير قلق المستثمرين
هذه
الأزمة الاقتصادية انعكست على أوضاع المستثمرين الكبار في مصر من بينهم عائلة
ساويرس التي تضم 3 مليارديرات، يستثمرون في العديد من المجالات الحيوية، حيث صرح الملياردير
سميح ساويرس بأنه توقف عن الدخول في مشروعات استثمارية جديدة.
وقال
في تصريحات متلفزة: "كيف لي أن أعرف ما إذا كان المشروع سيحقق أرباحا أو خسائر؟ وعلى
أي سعر صرف احتسب الدولار، على السعر العالمي وهو 42 جنيهًا للدولار أم السوق السوداء
36 للدولار أو الرسمي 31 للدولار؟ هذا في حد ذاته قاتل لأي توقع من ربحية أو جدوى".
وأكد
ساويرس على ثلاث نقاط يعتبرها المستثمرون في غاية الخطورة، وهي: كيف يمكن توفير الدولار
للمشروعات في ظل أزمة شح الدولار ووجود أكثر من سعر صرف، وكيف يمكن للمستثمرين الخروج
برؤوس أموالهم أو تحويل أرباحهم في وقت لاحق للخارج، وصعوبة استيراد المواد اللازمة
للمشروع من الخارج.
عائلة
ساويرس، ووفقا لتصنيف فوربس لعام 2022، جاءت بالمرتبة الأولى كأغنى أغنياء قارة أفريقيا،
بصافي ثروة إجمالية قدرها 12.9 مليار دولار، لسميح منها 1.1 مليار دولار، ولناصف
8.4 مليار دولار. ولنجيب نحو 3.4 مليار دولار.
وفي
مفاجأة مثيرة، أعلن رجل الأعمال المصري، أنه في مقابل عدم ضخ استثمارات جديدة بالسوق
المصري سوف يستثمر في السعودية في عدة مشاريع رفض الحديث عن نوعيتها ومجالاتها ولكنها
على الأغلب سياحية في منطقة "نيوم"، أحدث أماكن الاستثمار في السعودية.
"الأجهزة
الأمنية والفساد"
من جهته،
يقول أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر سابقا، أحمد ذكر الله، إن "مصر تعاني منذ فترة
طويلة من مناخ طارد للاستثمار لمجموعة من الأسباب ليست متعلقة بقوانين وقرارات ولكن
متعلقة في المقام الأول بالسلطة التنفيذية التي لا تسمح بوجود منافسة عادلة، ولا تتيح
أي شفافية في المعلومات، وتم تعديل قانون الاستثمار مرات عدة وإعادة إنشاء مجلس أعلى
للاستثمار بسلطات واسعة دون جدوى، وعدلت الحكومة العديد من القوانين لكن الاستثمار
لم يأت".
وأعرب
عن اعتقاده في حديث لـ"عربي21" بأن صدور قرارات جديدة "لن يحل أزمة
الاستثمار ولن يحل أزمة الاقتصاد، من الواضح أن الأمر أعمق من ذلك بكثير وهو يكمن
في سيطرة ونفوذ الأجهزة الأمنية على كافة الأوضاع الاقتصادية، إلى جانب الوضع السياسي
والاجتماعي التي تقدم في سلم أولوياتها الناحية الأمنية على جميع النواحي بعيدا عن
مصلحة البلد".
وأضاف:
"لا نستثني
الفساد المستشري في الحكومة وفق المؤشرات الدولية، والمشكلة في نفوذ
هذه الأجهزة وتسلطها على اتخاذ القرار، وحتى وقت قريب لم تنجح الرخصة الذهبية التي
كانت بمثابة المفتاح السحري لأي مستثمر لتسهيل وتيسير بيئة الأعمال، ولم تعلن الحكومة
عن عدد المتقدمين لها ما يؤكد أن هناك سببا أقوى بكثير من مجرد قوانين".
وتراجعت
مصر في مؤشر مدركات الفساد لعام 2022 (CPI) إلى أدنى مستوى
لها بعد أن احتلت المرتبة الـ130 عالميا مقارنة بالمركز الـ117 عام 2021، كما أنها احتلت المركز
الـ 11 عربيا بالتساوي مع جيبوتي وموريتانيا وحصول كل منها على 30 درجة فقط.