قمة العقبة الأمنية وعقبة تصحيح المسار الفلسطيني

من الزاوية الأمنية التي أرادها بنيامين نتنياهو، وبضغط أمريكي ورعاية مصرية وأردنية، عُقدت قمة العقبة الأمنية في الأردن، بحضور كل من وزير الشؤون المدنية حسين الشيخ، ورئيس جهاز المخابرات ماجد فرج، ووفد إسرائيلي ضم رئيس "الشاباك" رونين بار، ورئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي، ووكيل وزارة الخارجية الإسرائيلية رونين ليفي، ومنسق أنشطة حكومة الاحتلال في الضفة اللواء غسان عليان، ورئيس الدائرة الأمنية السياسية في وزارة الأمن الإسرائيلية العميد احتياط درور شالوم..

العنوان السياسي للقمة: "البحث عن فترة انتقالية لوقف الإجراءات الأحادية والوصول لتهدئة".

والطابع الأمني، بعد تراجع فلسطيني عن تقديم الشكوى لمجلس الأمن لإدانة الاستيطان، وارتكاب سلطات الاحتلال مجزرة نابلس وقبلها في جنين، يؤكد أن البحث الأمني لإعادة بسط السلطة الفلسطينية لنفوذها في مدن الضفة هو الأكثر إلحاحاً بالنسبة لإسرائيل والأطراف التي تُبدي مخاوفها من انفجار الأوضاع بذريعة قدوم شهر رمضان، وهذه لوحدها تشويه متعمد للفلسطينيين والمسلمين عموما.

الرد على هذه القمة جاء من حوارة في نابلس بعملية قتلت مستوطنين، ثم بهجمات قطعان المستوطنين وتحت حماية جيش الاحتلال على البلدة وحرق المنازل والمركبات، واستشهاد فلسطيني وجرح أكثر من مائة فلسطيني.

الطابع الأمني، بعد تراجع فلسطيني عن تقديم الشكوى لمجلس الأمن لإدانة الاستيطان، وارتكاب سلطات الاحتلال مجزرة نابلس وقبلها في جنين، يؤكد أن البحث الأمني لإعادة بسط السلطة الفلسطينية لنفوذها في مدن الضفة هو الأكثر إلحاحاً بالنسبة لإسرائيل

وما ذهب إليه بيان الفصائل الفلسطينية، المندد باجتماع العقبة وتداعياته على الأرض، تُرجم فوراً من أعضاء الائتلاف الحكومي الإسرائيلي ومن رئيس الوفد المشارك وعلى لسان بنيامين نتنياهو وبإجماع إسرائيلي، أن تفاهمات العقبة لا تعني لإسرائيل شيئاً فيما يخص استمرار الاستيطان، وتواصل عدوان جيش الاحتلال على المناطق الفلسطينية.

وما حصلت عليه السلطة من تفاهمات برعاية أمريكية ومصرية وأردنية تبخر فور انتهاء الاجتماع بالنسبة للحكومة الإسرائيلية، بحسب تصريحات بتسئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير ونتنياهو وتساحي هنغبي، أما بالنسبة للسلطة الفلسطينية فإنها تلقت صفعة قوية من جانب الاحتلال، ووضعت المتحدثين باسم حركة "فتح" على وسائل الإعلام في موقف هزيل للدفاع عن مشاركة السلطة الفلسطينية باجتماع أمني مع الاحتلال، مشاركة وصفتها معظم الفصائل الفلسطينية بطعنة في ظهر الشعب الفلسطيني ومقاومته، وخضوع للضغوط الأمريكية، وتنكر رسمي فلسطيني لكل المواقف والتعهدات التي تكررها السلطة أمام شعبها وأفقدتها كل مصداقية بسياسة التفرد المنتهجة والمتجاوزة للمؤسسات الفلسطينية.

ولسنا بصدد تكرار الحديث عن كيفية وصول السلطة الفلسطينية، بهكذا مواقف وسياسات مكبلة بأغلال اتفاقات منتهية على أرض الواقع، وأوسلو الذي أفرز نتائج مُدمرة على الشعب الفلسطيني وقضيته يعرفها القاصي والداني، ولا نريد أن نستحضر الشواهد والتصريحات التي وردت على لسان أصحاب الاتفاق أنفسهم منذ زمن الرئيس الراحل ياسر عرفات إلى أبي مازن وبقية فريق السلطة المتمسك بإرث "التنسيق الأمني" الوحيد.

يحذر الجميع من فشل وموت عملية التسوية برمتها، ويكفي أن يسأل المتابع أي فلسطيني في شوارع مدن الضفة والقدس أو غزة، لينبئنا عما آلت إليه أوضاع القضية الفلسطينية وما تسمى عملية السلام، ومن هو المسؤول عن تدهور تلك الأوضاع. ومن وجّه الصفعات والضربات القاتلة لأوسلو، لا يمكنه تصحيح المسار التاريخي لحقوق الشعب الفلسطيني بقمة سرية هنا وعلنية هناك، تبحث في تمكين أذرع السلطة الأمنية على الشارع الفلسطيني لتحقيق هدوء للمحتل.

يكفي أن يسأل المتابع أي فلسطيني في شوارع مدن الضفة والقدس أو غزة، لينبئنا عما آلت إليه أوضاع القضية الفلسطينية وما تسمى عملية السلام، ومن هو المسؤول عن تدهور تلك الأوضاع. ومن وجّه الصفعات والضربات القاتلة لأوسلو، لا يمكنه تصحيح المسار التاريخي لحقوق الشعب الفلسطيني بقمة سرية هنا وعلنية هناك، تبحث في تمكين أذرع السلطة الأمنية على الشارع الفلسطيني لتحقيق هدوء للمحتل

برامج حكومة الاحتلال العدوانية واضحة بإرهابها نحو الأرض والشعب الفلسطيني، ولم يترك الائتلاف العنصري بندا لم يشرحه ويباشر بتنفيذه؛ من تكثيف برامج الاستيطان ووضع خطط التهويد والضم والسيطرة، وسن قوانين إعدام المقاومين، والتنكيل بالأسرى، وتهويد القدس. كما تؤكد الشواهد والتصريحات لأقطاب حكومة نتنياهو قبل قمة العقبة، وأثناء التوجه لها وبعد انتهائها، التعليمات الأمنية المطلوب تنفيذها من سلطة رام الله.

وأكدت إسرائيل عدم التزامها بأية قواعد تتعلق بوقف الاستيطان وممارسة الإرهاب، بل على العكس من ذلك جرى التصديق على بناء 9000 وحدة استيطانية في أنحاء متفرقة في الضفة الغربية المحتلة، والجميع قال بعد قمة العقبة: الاستيطان لم ولن يتوقف.

إذا ما هو الأفق الذي ستفتحه قمة العقبة بالنسبة للطرف الفلسطيني، والذي وصفه مسؤول أردني بأنه "يهدف إلى إعطاء الأمل للفلسطينيين في مستقبل سياسي"؟

الأمل بالنسبة للفلسطينيين يتمثل بخطوات مغايرة ومملة في الطلب، كأن يلتئم سريعاً شمل البيت الفلسطيني نظراً لخطورة ما يواجهه، لكن رفض السلطة الفلسطينية إلزام نفسها أمام شعبها بكل ما تعلنه من خطوات التصدي للعدوان وخصوصا في الجانب الذي تتمسك به السلطة ظاهرياً (المعركة السياسية) في المحافل الدولية، يدفع الشارع الفلسطيني لعدم الوقوع في وهم الاعتقاد بأن ثمة خرقاً قد يحدث من لقاءات أدمن عليها الطرف الفلسطيني، بعيداً عن أي إجماع فلسطيني وعن الاتفاق على وحدة واستراتيجية فلسطينية داخلية تُزيل الاحتلال.

ومن هنا يتضح أن ما يريده نتنياهو والطرف الأمريكي الضاغط على سلطة رام الله، تسليم الأخيرة بعض الصلاحيات الأمنية التي تعجز عنها قوات الاحتلال، كطُعم تقدمه للجانب الفلسطيني يتمكن من تغطية المواقف الإسرائيلية، أما عن عبارة وقف الإجراءات الأحادية لستة أشهر فيكفي تذكر ربع قرن من أوسلو وما أفضى من إجراءات على الأرض دون استخلاص العبر من الأوهام التي ابتلع الاستيطان جلها.

هذا الواقع يضعنا مجدداً أمام عقبة العجز الكلي للسلطة الفلسطينية بمراجعة فشل مدمر على القضية، ومن يخشى فقدان بوصلة السلام فالعنوان ليس في رام الله، بل في التصدي لسياسة العدوان الإسرائيلي وحماية الشعب، تصدٍ يبدأ بالانصياع للشارع الفلسطيني

أخيراً، مصيبة الشعب الفلسطيني في سلطة فلسطينية مستمرة في التضليل، وتحاول الالتفاف على خيبتها وعجزها رغم النتائج التي بين يديها وعلى الأرض. باختصار، كل ما يجري على الساحة الفلسطينية من عبث مستمر يُكسب الاحتلال مزيدا من الوقت، مكنه من مصادرة عشرات آلاف الدونمات من الأرض الفلسطينية، وتوسيع المستوطنات ومنحها مكانة خاصة ودائمة، ناهيك عن عمليات القمع الوحشي وارتكاب المذابح وهدم البيوت وتشديد الحصار على المدن الفلسطينية وعلى غزة..

هذا الواقع يضعنا مجدداً أمام عقبة العجز الكلي للسلطة الفلسطينية بمراجعة فشل مدمر على القضية، ومن يخشى فقدان بوصلة السلام فالعنوان ليس في رام الله، بل في التصدي لسياسة العدوان الإسرائيلي وحماية الشعب، تصدٍ يبدأ بالانصياع للشارع الفلسطيني. دون ذلك، ثمة مكافأة عربية لإسرائيل وابتلاع للأرض وتطبيع يغدر بالقضية؛ إذا لم نتجاوز عقبة تصحيح المسار الفلسطيني كما يريده الشعب، لا وفق رغبة توفير الأمن للمحتل.

twitter.com/nizar_sahli