تشكل
الخصخصة أحد المكونات الرئيسة ضمن برنامج
صندوق النقد الدولي مع الدول
المقترضة منه، وكذلك خلال تقارير خبرائه الصادرة عقب الزيارات الدورية للبلدان
النامية الأعضاء به، وهكذا تعامل مع
مصر حيث كانت الخصخصة مكونا رئيسا في برنامجه
معها عام 1991، لبيع الشركات الحكومية إلى القطاع الخاص، وهو ما تكرر في برنامجه
عام 2016 وبرنامجه في العام الماضي.
وفي عام 1991 جرى وضع البنية الأساسية لعملية الخصخصة، من خلال ظهور وزارة
لقطاع الأعمال العام، تتبعها 314 شركة تم سحبها من الوزارات التي كانت تابعة لها
كالصناعة والتموين والزراعة وغيرها، لتقوم تلك الوزارة بخصخصة تلك الشركات، والتي
كان من المفترض خصخصتها جميعا منتصف عام 1997، وللمساعدة على ذلك ظهر قانون جديد
لقطاع الأعمال العام وآخر لسوق رأس المال وتعديلات بقانون البنوك، وتكوين شركات
الوساطة المالية وصناديق
الاستثمار.
وبالفعل بدأت عملية خصخصة مكثفة شملت طرح نسب من أسهم العديد من الشركات
بالبورصة للجمهور، في إطار ما سُمي برنامج توسيع قاعدة الملكية، إلى جانب بيع
شركات لمستثمرين رئيسيين لتطوير تلك الشركات، وبيع عدد أقل لاتحاد من العاملين
ببعض الشركات إلى جانب تصفية ودمج شركات أخرى، وكان الصندوق يطلب خصخصة شركة واحدة
على الأقل شهريا.
لكن الحكومة تحايلت على ذلك بتقسيم الشركات إلى مصانع والقيام ببيع مصنع شهريا،
ثم تعثر برنامج الخصخصة مع أزمة نقص السيولة المصاحبة لمشكلة جنوب شرق آسيا، إلى جانب
تحقيق حاملي أسهم الشركات التي تم خصخصتها خسائر فادحة، حين وصلت أسعار العديد من
الأسهم لأقل من أسعار الطرح بنسب كبيرة، وحاولت الحكومة إعادة إحياء برنامج
الخصخصة منتصف العقد الأول من الألفية الجديدة.
حصص بثلاث شركات خلال خمس سنوات
لكن عدم تحقيق الأسهم المباعة للأرباح التي بشّرت بها الحملة الدعائية المصاحبة
لبيعها، وكذلك تداعيات الأزمة المالية العالمية 2007 أدت لتعثر البرنامج مرة أخرى،
ثم جاءت أحداث الثورة المصرية عام 2011 وما تلاها من تعطيل للبورصة لأسابيع ثم تولي
المجلس العسكري السلطة، والاضطراب السياسي الذي شهدته البلاد وتراجع التصنيف الائتماني
لمصر، والنفور الشعبي من الخصخصة خلال الحوار العام الذي كان لليساريين كلمة عالية
به.
ثم جاء استيلاء الجيش على السلطة في تموز/ يوليو 2013، وما تلاه من إعلان
حالة الطوارئ وتعطيل القطارات والانقسام المجتمعي، كظروف غير مساعدة على العودة لبرنامج
الخصخصة، رغم محاولة رئيس الوزراء إبراهيم محلب تشجيع الاكتتاب العام لتأسيس
الشركات، استجابة لاقتراح وزير الاستثمار أشرف سلمان القادم من مجال الوساطة
بالأوراق المالية، لكن الظروف السياسية والاقتصادية لم تساعد حتى على تحقيق ذلك.
وعقب برنامج مصر مع صندوق النقد الدولي أواخر 2016، تم الإعلان في آذار/ مارس
2018 عن طرح نسب من أسهم 23 شركة وبنك للجمهور من خلال البورصة، وتكررت تصريحات
تحديد موعد طرح بعض الشركات من كل من وزير المالية، الذي يسعى للحصول على حصة من
حصيلة البيع حسب القانون تخفف من عجز الموازنة، ووزير قطاع الأعمال العام الذي تم
اختياره خصيصا لتنشيط الخصخصة، لقدومه من مجال الوساطة بالأوراق المالية وتقييم
الشركات.
وظلت تصريحات وزير المالية تكرر حتى خلال العام الماضي بطرح عدد من الشركات
الحكومية خلال العام، لكنها لم تتحقق حتى نهاية العام بحجة عدم ملاءمة أحوال
البورصة المصرية للطرح، رغم تكرار طرح القطاع الخاص عددا من شركاته من خلال
البورصة، طوال السنوات الأربع الممتدة من 2018 وحتى 2021.
واقتصر الطرح الحكومي خلال السنوات الخمس المالية على بيع حصص من ثلاث
شركات، من الشركات الثلاثة والعشرين التي تم الإعلان عن طرحها عام 2018، وهي بيع
نسبة 4.5 في المائة من أسهم الشركة الشرقية للدخان في آذار/ مارس 2019 لمستثمر إماراتي،
وطرح شركة إي فاينانس للاستثمارات المالية والرقمية في عام 2021، وفي أواخر نفس
العام تم بيع نسبة عشرة في المائة من شركة أبو قير للأسمدة لمستثمرين عرب بشكل
مباشر، ليقتصر دور البورصة على تسجيل ذلك البيع فقط كصفقة كبيرة.
غياب البيانات المالية لغالبية الشركات المطروحة
وهكذا نصل إلى إعلان رئيس الوزراء المصري مصطفي مدبولي أواخر الأسبوع الماضي،
عن بيع حصص في 32 شركة من خلال البورصة أو لمستثمرين استراتيجيين، أو بالمزج بين
النمطين في الشركة الواحدة ليتم حصة من أسهمها بالبورصة وحصة أخرى يتم بيعها
لمستثمر استراتيجي، على أن يتم البيع لكل الشركات خلال عام وحتى آذار/ مارس من العام
المقبل، وعلى أن يتم بيع ربع عدد الشركات خلال النصف الأول من العام الحالي.
وجاءت الشركات في 18 قطاعا للنشاط، ما بين ثلاثة بنوك وأربع شركات بترولية
وشركتين لتداول الحاويات وشركة ملاحية، وشركتين للأدوية، وشركتين تابعتين للجيش، وثلاث
شركات إسكان وأخرى للمقاولات، وثلاث شركات معدنية، وشركتين لتوليد الكهرباء من الرياح
وشركة لتوليد الكهرباء تعمل بالغاز الطبيعي، وشركة زراعية وأخرى للبلاستيك وواحدة
للتكنولوجيا وشركة للأسمدة.
ويلاحظ أن سبع شركات منها فقط كانت من بين الشركات الثلاث والعشرين التي تم
الإعلان عن طرحها عام 2018، وأربع شركات منها مقيدة بالبورصة، حتى أن ثلاث منها تم
قيدهما خصيصا للطرح، حيث تم قيد شركتي دمياط للحاويات وبورسعيد للحاويات في الشهر
الأخير من العام الماضي، بينما تم قيد بنك القاهرة عام 2017 خصيصا للطرح، الذي
تكرر الوعد به كل عام خلال تلك السنوات الماضية ولم يحدث ولهذا لم يتم عليه أي
تداول في البورصة منذ قيده.
والأهم من ذلك هو غياب البيانات المالية عن غالبية تلك الشركات المعروضة
للبيع، وهو ما يؤكد توقعنا بأن النصيب الأكبر منها سيذهب للمستثمر الاستراتيجي
المتمثل في الصناديق السيادية الخليجية، ولهذا بدأت وزيرة التخطيط والمشرفة في نفس
الوقت على الصندوق السيادي الذي يتبعه صندوق متخصص في تجهيز الشركات للبيع، في
جولة بدول الخليج قبل إعلان رئيس الوزراء عن أسماء الشركات، شملت قطر وسلطنة عمان
والكويت للترويج للبيع.
وسبق لها التباحث مع مسؤولين في البحرين والإمارات والسعودية لنفس الغرض
كان آخرها في مؤتمر دافوس الشهر الماضي، إلى جانب أن عددا من الشركات المُعلن عنها
قد سبق لصناديق سيادية خليجية إبداء رغبتها في شراء حصص منها مثل الشركتين
التابعتين للجيش، خاصة الشركة المتخصصة في بيع وقود السيارات لما تمتلكه من مساحات
أراض كبيرة في أنحاء البلاد حول المحطات البالغ عددها حوالي 250 محطة.
ضيق المجال للحصول على موارد دولارية
كما أن عددا من الشركات لا يصلح للبيع من خلال البورصة مثل محطتى إنتاج
الكهرباء من خلال الرياح نظرا لصغر حجم طاقتهما، كذلك ما زال بعضها لم يتحول بعد
إلى شركة بعد مثل الفنادق التاريخية التي تم اقتطاعها من شركة إيجوث، ونفس الأمر لمحطة
توليد الكهرباء ببني سويف التي لم تتحول لشركة بعد، وشركة القناة لرباط وأنوار
السفن التي ما زالت تتبع قانون القطاع العام، ويجب تغيير القانون الذي تتبعه حتى
تكون صالحة للطرح بالبورصة.
ويظل السؤال الرئيس: هل تتلكأ الحكومة في بيع حصص من الشركات التي أعلنت
عنها كما حدث مع الإعلان عن بيع الشركات عام 2018، حرصا على الفوائض التي تحققها
تلك الشركات والتي تحصل عليها وزارة المالية؟ والإجابة أننا لا نتوقع هذا التلكؤ،
ليس فقط لأن الصندوق ربط صرف باقي أقساط قرضه لمصر بنتائج المشاورات الدورية، التي
تجريها بعثة خبرائه والمقرر وصولها الشهر القادم، ولكن أيضا لأن الحكومة نفسها
بحاجة ماسة لموارد دولارية لسد الفجوة الدولارية، أي أنها مجبرة من قبل الصندوق
ومن قبل الاحتياج المحلي، حتى تستطيع شراء السلع الاستهلاكية المستوردة لمواجهة
الغضب الشعبي المتصاعد بسبب ارتفاع أسعار الغذاء، خاصة بعد إخفاق سياسة الصرف
المرن التي اتبعتها من الشهر الماضي في جلب كمّ معقول من الأموال الساخنة.
وتوقع استمرار البنك الفيدرالي الأمريكي في رفع الفائدة مما يقلل من قدوم
الأموال الساخنة للأسواق الناشئة، ولصعوبة إصدارها سندات في الأسواق الدولية لآجال
طويلة حاليا لارتفاع سعر الفائدة دوليا، إلى جانب العائد السلبي لأدوات الدين الحكومي
المصري بعد تخطي التضخم المحلي نسبة 31 في المائة، وخفض تصنيف وكالة موديز لمصر من
درجة ائتمانية غير استثمارية إلى درجة مخاطرة.
تركز البيع للصناديق الخليجية السيادية
ستركز الحكومة على البيع للصناديق السيادية الخليجية، وحتى الحصص التي سيتم بيعها من خلال البورصة ستسعى لبيع جانب أكبر منها لمستثمرين خليجيين للحصول على موارد دولارية، ولهذا يقوم رئيس البورصة المصرية بجولة في الإمارات والسعودية للترويج للبيع، خاصة وأن الاعتماد على المستثمر المحلي وحده حاليا، قد يصيب برنامج بيع الحصص من الشركات بالإخفاق
ولهذا ستركز الحكومة على البيع للصناديق السيادية الخليجية، وحتى الحصص التي
سيتم بيعها من خلال البورصة ستسعى لبيع جانب أكبر منها لمستثمرين خليجيين للحصول
على موارد دولارية، ولهذا يقوم رئيس البورصة المصرية بجولة في الإمارات والسعودية للترويج
للبيع، خاصة وأن الاعتماد على المستثمر المحلي وحده حاليا، قد يصيب برنامج بيع
الحصص من الشركات بالإخفاق، نظرا لتراجع القوى الشرائية لدى عموم المصريين حاليا
والتركيز على شراء السلع الغذائية مرتفعة التكلفة.
أيضا لقرب حلول شهر رمضان الشهر المقبل والمعروف عنه ضعف نشاط البورصة خلاله،
ويعقبه فصل الصيف والذي يقل فيه نشاط البورصة نسبيا، إضافة لضعف حالة القطاع الخاص
المصري وتوقع عدم إقباله على شراء تلك الحصص المطروحة للبيع، إلى جانب تريث كثير
من المستثمرين سواء مصريين أو عرب في الشراء لأسهم الشركات التي سيتم طرحها حتى
يستقر سعر الصرف، وحتى تتضح الصورة بشأن اصلاح مناخ الاستثمار وأسلوب التعامل مع
الخليجيين في ضوء الحملة الإعلامية التي تم شنها مؤخرا عليهم.
وكذلك إحباط الكثيرين من تناقض الخطاب الرسمي الذي يتحدث عن الحياد التنافسي،
في التعامل ما بين الجهات السيادية والقطاع الخاص، بينما يُمنح الجيش مؤخرا أراضي
بعرض كيلومترين على جانبي 31 طريقا إقليميا، ويستمر في التوسع في النشاط الإنتاجي
لشركات للجيش لتزداد منافسته للقطاع الخاص.
twitter.com/mamdouh_alwaly