كتاب عربي 21

مخاطر سياسات ترامب عربيا وإسلاميا

"تزداد مخاوف الشعوب العربية والإسلامية من الخطوات المقبلة التي يمكن أن يقوم بها ترامب لمساعدة إسرائيل"- الأناضول
رغم الانحياز السافر للإدارة الأمريكية في عهد الرئيس بايدن تجاه إسرائيل، ومدها بالسلاح والمال والمعلومات الاستخباراتية والتأييد السياسي، ومنح الإدارة الإسرائيلية الوقت الكافي لتنفيذ عمليات الإبادة الجماعية والتجويع، والضغوط على دول الجوار العربية لفلسطين للمشاركة في حصار غزة بطرق مختلفة، إلا أن هناك تخوفات من حدوث المزيد من الدعم الأمريكي لمخططات رئيس الوزراء الإسرائيلي خلال فترة الرئيس ترامب سواء بضم أجزاء من الضفة الغربية إلى إسرائيل، أو ضمها كلية وتهجير سكان شمال غزة أو مناطق أكثر منها.

وتشير سياسات ترامب الاقتصادية إلى المخاطر التي يمكن أن تسببها للدول العربية والإسلامية، حيث أعلن عن نيته رفع الرسوم الجمركية على الواردات إلى الولايات المتحدة، بنسبة أكبر للواردة من الصين وأقل للواردة من الاتحاد الأوروبي والدول الأخرى. وهو الأمر الذي يمثل عوائق ترفع من تكلفة دخول سلع تلك الدول للسوق الأمريكية، مما يقلل من تنافسيتها في السوق الأمريكية.

وباستعراض أعلى دول الصادرات العربية للولايات المتحدة في العام الماضي، نجدها من السعودية بقيمة 15.9 مليار دولار، والعراق 8.5 مليار دولار، والإمارات العربية 6.6 مليار دولار، والجزائر 3 مليارات دولار، والأردن 2.9 مليار دولار، ومصر 2.3 مليار دولار، وقطر ملياري دولار. إلا أن العبرة هنا في نسبة تلك الصادرات للسوق الأمريكية إلى مجموع صادرات تلك الدول، وهنا نجد أن الصادرات السعودية للسوق الأمريكية لم تمثل سوى نسبة خمسة في المائة فقط من مجموع صادراتها لدول العالم.

وبلغت النسبة 7.3 في المائة للعراق، و1.3 في المائة للإمارات، و6 في المائة لكل من الجزائر ومصر، و2 في المائة لقطر، لكنها بلغت 22.8 في المائة للأردن، إلا أنه يقلل من أثر ذلك وجود اتفاقية تجارة حرة بين البلدين نافذة منذ عام 2001 للسلع والخدمات والتي تتيح التبادل التجاري بدون جمارك.

مخاطر تجارية لماليزيا وباكستان وبنغلاديش

أما أعلى الدول الإسلامية تصديرا للولايات المتحدة فكانت ماليزيا بقيمة 46 مليار دولار، وإندونيسيا 26.8 مليار دولار، وتركيا 15.5 مليار دولار، وبنغلاديش 8.3 مليار دولار، ونيجيريا 5.7 مليار دولار، وباكستان 4.9 مليار دولار. إلا أنه بالنظر إلى نسبة تلك الصادرات للولايات المتحدة من مجموع صادرات تلك الدول للعالم، نجد النسبة 14.8 في المائة لماليزيا، و10.4 في المائة لإندونيسيا، و6 في المائة لتركيا، و14.8 في المائة لبنغلاديش، و9.8 في المائة لنيجيريا، و17.2 في المائة لباكستان. وهكذا فإن التأثير السلبي سيكون بصورة أكبر.

مع ماليزيا وبنغلاديش وباكستان

ورغم ارتفاع قيمة الدولار أمام العملات الأخرى مع إعلان فوز ترامب، وهو أمر يزيد تكلفة واردات الدول من المتحدة، وهي الواردات التي بلغت قيمتها 124 مليار دولار لدول منظمة التعاون الإسلامي السبعة الخمسين في العام الماضي، كما يزيد من تكلفة الدين الخارجي للدول التي يغلب الدولار الأمريكي على مكونات دينها الخارجي من العملات المختلفة، وهو أمر شائع بالديون الخارجية للدول العربية والإسلامية، إلا أن سياسة ترامب تهدف إلى إضعاف الدولار لتشجيع الصادرات الأمريكية في ظل العجز التجاري الضخم والمزمن.

كما تعهد ترامب بطرد المهاجرين غير النظاميين والذين يزيد عددهم عن الثمانية ملايين شخص، ومن الطبيعي أن يكون من بينهم أفراد من الدول العربية والإسلامية، إلا أن النسبة الأكبر ستكون من دول الجوار الأمريكي في الأمريكيتين، وهو أمر من شأنه أن يزيد من نقص العمالة ويرفع تكلفتها مما يؤثر في رفع التضخم الذي ينتقل مع المنتجات الأمريكية في حالة تصديرها إلى دول العالم، وهي الصادرات التي بلغت قيمتها تريليونان و20 مليار دولار.

المزيد من المنافسة في أسواق النفط

وسيسعى ترامب إلى خفض الضرائب وهي السياسة التي يفضلها حزبه الحزب الجمهوري حزب رجال الأعمال، الأمر الذي يخفض إيرادات الموازنة ويدفع بالمزيد من الدين الحكومي في ظل موازنة مصابة بالعجز المزمن، وهو الأمر الذي يسحب من استثمارات الحافظة في الدول الناشئة عموما لشراء أدوات الدين الأمريكي. وعادة ما يرتبط عجز الموازنة بالتضخم، إلا أن سياسات ترامب الرامية إلى خفض الفائدة وتسهيل الاستثمار في قطاعات معينة مثل النفط والغاز يزيد من النمو والتشغيل، مما يزيد من إيرادات الضرائب إلى جانب الإيرادات من زيادة الرسوم الجمركية.

ومن الطبيعي أن يؤثر تشجيع ترامب على إنتاج النفط ودون أية حسابات للقيود البيئية إلى زيادة الصادرات البترولية الأمريكية، سواء من الخام أو المشتقات والتي تنافس الصادرات العربية من الخام في الأسواق الآسيوية والأوروبية.

أمر آخر يهم قيادات الدول، وهي التصرفات العنيفة التي تمارسها السلطات الأمريكية تاريخيا تجاه الأنظمة غير المتعاونة معها أو غير الصديقة، فما بالنا ما يتم توقعه من رئيس أعلن صراحة مسبقا أن النظم الخليجية لم تكن لتبقى لأسبوع في مقاعدها لولا الحماية الأمريكية، كما طالب بدفع تكلفة تلك الحماية حتى مع أعضاء الناتو في أوروبا، حيث استخدمت الولايات المتحدة في العقود السابقة العديد من الأساليب لتغيير تلك النظم، سواء بالتدخل العسكري كما حدث في أفغانستان والعراق، أو بالانقلابات العسكرية التي تدعمها، أو بالاحتجاجات والإضرابات العامة من خلال المنظمات غير الحكومية والأحزاب ووسائل الإعلام ومراكز البحوث التي تمولها، أو من خلال التصويت في البرلمان، كما حدث مع الإطاحة برئيسة البرازيل ديلما روسيف ورئيس بارجواى فرناندو لوجو عام 2012، ورئيس هندوراس مانويل زيلايا عام 2009، وموخرا الإطاحة برئيس وزراء باكستان عمران خان عبر التصويت في البرلمان بعد زيارته لروسيا بعد نشوب الحرب الروسية الأوكرانية.

الحكام وهاجس مصير صدام والقذافي
لعل سكوت تلك الأنظمة العربية والإسلامية عن المجازر المستمرة في شمال غزة خلال الأسابيع الأخيرة، وقبلها التغاضي عن منع الغذاء والدواء والوقود لشهور، وتخطي عدد الشهداء 43 ألف شهيد، أحد الشواهد العملية على توقع صمت واستكانة تلك القيادات إزاء أي خطوات أمريكية جديدة تتم على حساب حق الشعب الفلسطيني خلال المرحلة المقب

ولأن قيادات الدول العربية والإسلامية لا يهمها سوى الاستمرار في مقاعد الحكم، أو على الأقل إتاحة المجال لها للهروب بما جمعته من ثروات عند حدوث اضطرابات ببلادها والإفلات من المصير الذي لقيه الرئيس العراقي صدام حسين أو الزعيم الليبي معمر القذافي، فلا يهمها موقف ترامب من القضية الفلسطينية. فهي مستعدة لتنفيذ ما يطلبه ترامب منها، مثلما صمتت أو تواطأت عندما اعترف في فترته الأولى بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية لها، واعترف بضم الجولان السورية إلى إسرائيل، ومنح الشرعية للاستيطان الإسرائيلي، وتراجع عن حل الدولتين عندما صرح بأنه يقبل ما يقبله الطرفان وهو يعرف رفض إسرائيل لحل الدولتين، وأغلق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وأوقف تمويل منظمة الأونروا لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين، وطبع علاقة المغرب والسودان والإمارات والبحرين مع إسرائيل.

ومن هنا تزداد مخاوف الشعوب العربية والإسلامية من الخطوات المقبلة التي يمكن أن يقوم بها ترامب لمساعدة إسرائيل، والتي يمكن أن تكون مباركة ضم أجزاء من الضفة الغربية أو كلها إليها، وضم شمال غزة لإسرائيل بعد تفريغه من السكان، وتهجير الفلسطينيين إلى الأردن أو إلى دول عربية منها مصر، وإنشاء قناة بن غوريون عبر غزة كبديل قناة السويس، والاستيلاء على آبار الغاز الطبيعي أمام شواطئ غزة ذات الاحتياطيات الكبيرة، وإنشاء منطقة آمنة على الحدود اللبنانية مع إسرائيل، وتقليص قوة إيران لحسر نفوذها في سوريا وغيرها، والتطبيع السعودي مع إسرائيل، وضم المزيد من الدول الإسلامية إلى عملية التطبيع مع إسرائيل.

ولعل سكوت تلك الأنظمة العربية والإسلامية عن المجازر المستمرة في شمال غزة خلال الأسابيع الأخيرة، وقبلها التغاضي عن منع الغذاء والدواء والوقود لشهور، وتخطي عدد الشهداء 43 ألف شهيد، أحد الشواهد العملية على توقع صمت واستكانة تلك القيادات إزاء أي خطوات أمريكية جديدة تتم على حساب حق الشعب الفلسطيني خلال المرحلة المقبلة، وهو ما يتطلب التفكير فيما يمكن أن تقوم به الشعوب العربية والإسلامية لتعطيل تلك الخطوات.

x.com/mamdouh_alwaly