ألمح الخبير العسكري بصحيفة "
يديعوت أحرونوت" العبرية، رون بن يشاي، إلى وقوف "
إسرائيل" وراء الغارة بالمسيّرات التي استهدفت الليلة الماضية منشأة عسكرية في
أصفهان وسط
إيران، رغم عدم تبني تل أبيب للعملية، فيما فسرت الصحف الغربية ذلك باستهداف تل أبيب صواريخ مخصصة لضربها.
وأعلنت إيران ليل السبت الأحد، أنها تصدت لهجوم بطائرات مسيرة على موقع عسكري في محافظة أصفهان بوسط البلاد، وفقا لما نقلت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية "إرنا" عن بيان لوزارة الدفاع.
وجاء في بيان الوزارة: "في مساء 28 كانون الثاني/ يناير، قرابة الساعة الـ23,30 (20,00 ت غ)، تم تنفيذ هجوم فاشل باستخدام طائرات مسيرة على أحد المجمّعات العسكرية التابعة لوزارة الدفاع"، وأشار إلى أن "الدفاعات الجوية للمجمع أسقطت إحدى المسيرات، بينما حوصِرت مسيرتان وانفجرتا"، مؤكدة أن الهجوم "لم يتسبب في وقوع إصابات أو في أي تعطيل لعمل المجمع" العسكري.
وفي المقال الذي ترجمته "
عربي21"، قال رون بن يشاي إنه "في الوقت الذي لم تعلن فيه أي دولة مسؤوليتها عن هذا الهجوم وسط إيران، فإن من نفذه، بحسب كل المؤشرات، يمتلك قدرات استخباراتية وتكنولوجية متقدمة للغاية، ما يسمح له بتنفيذ هجوم جوي، ويدفع مسؤولين أمريكيين للإعلان أن إسرائيل هي التي نفذت الهجوم".
وعن سبب الهجوم، أشار بن يشاي إلى أنه "لا ينبغي استبعاد احتمال أن يكون بهدف إلحاق الضرر بمحاولة إيرانية لتطوير صواريخ تفوق سرعة الصوت، وهو سلاح خارق للعبة يمكنه اختراق أنظمة الدفاع الجوي".
وأضاف أنه "من المحتمل أن يكون الهجوم موجهًا ضد نظام أسلحة آخر يهدف لخدمة البرنامج النووي الإيراني بشكل غير مباشر فقط، ومن ذلك صواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت، فمصلحة الإيرانيين في تطوير مثل هذه الصواريخ لأنها سريعة جدًا، على الأقل خمسة أضعاف سرعة الصوت، ودقيقة، ولديها القدرة على المناورة، وقد تسمح مميزاتها باختراق أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية بنجاح".
وزعم أن "الإيرانيين أنفسهم أعلنوا أن المنشآت التي تعرضت للهجوم كانت "مصنع ذخيرة" في أصفهان، وتم الهجوم باستخدام طائرات مسيرة كبيرة، كوادروكوبتر بأربع شفرات، تحمل كمية كبيرة من المواد المتفجرة، وهي طائرات بدون طيار انتحارية مزودة بكاميرا وأجهزة استشعار ملاحية "تسقط" وتفجرها بقوة كبيرة ودقيقة، ويبدو أن هجوم أصفهان كان ناجحًا للغاية، حيث تضررت أربع منشآت لتطوير الأسلحة لم يستخدمها الإيرانيون حتى الآن، وتقع الأهداف المهاجمة في عمق طهران على بعد مئات الكيلومترات من شواطئ الخليج العربي وبحر قزوين والحدود مع الدول المجاورة".
وأكد أنه "يحتمل أن تكون الطائرات الانتحارية بدون طيار أطلقت من داخل الأراضي الإيرانية، من وكالة حكومية لديها الموارد المتنوعة اللازمة لتنفيذ مثل هذه العملية الهجومية المعقدة والمكلفة، بمثل هذه الدقة والنجاح، مع أنه في الشرق الأوسط تنشط ثلاث دول فقط تتمتع بهذه القدرات المتقدمة، وهي الولايات المتحدة وإسرائيل وأذربيجان، مع العلم أن مصلحة الأمريكيين الآن بالحفاظ على الهدوء في الشرق الأوسط للتركيز على حرب أوكرانيا، والصراع الاقتصادي مع الصين".
وأوضح أنها "المرة الأولى منذ عام التي تقصف فيها إسرائيل منشآت صناعية نووية أو عسكرية في عمق إيران، وكانت آخر مرة في فبراير 2022 عندما هاجمت مصنعا لإنتاج طائرات بدون طيار عسكرية ومنشأة تخزين قرب مدينة كرمانشاه شمالا في قلب المنطقة الكردية، ردا على عدة محاولات إيرانية لاستخدام طائرات مسيرة طويلة المدى ضد إسرائيل، وتم الكشف عنها وإحباطها، بعضها بمساعدة أمريكية، وهدف الهجوم لتدمير قدرة إيران على الاستمرار بإنتاج كميات كبيرة من نفس الطائرات الانتحارية بدون طيار التي زودتها لروسيا لمهاجمة أوكرانيا".
وأكد أنه "يوجد في أصفهان مصنع مهم لمعالجة اليورانيوم الخام، يمكن تحويله "للكعكة الصفراء"، حيث يتم إنتاج اليورانيوم المخصب بمختلف المستويات لاحقًا، لذلك فقد يكون الهجوم بالطائرة بدون طيار يهدف لتدمير منشأة أخرى للمشروع النووي، وإبلاغ الإيرانيين بأن إسرائيل لن تقف مكتوفة الأيدي، وستتصرف حتى إذا بدأوا بتخصيب اليورانيوم لمستوى 90٪، وهو مستوى من المواد الانشطارية المستخدمة في صنع قنبلة".
وقبل ذلك، أفادت عدة مصادر صحفية إلى وقوف "إسرائيل" وراء عملية أصفهان، حيث نقلت "
واشنطن بوست" عن مسؤول أمريكي لم يذكر اسمه، قوله إن الضربة كانت على ما يبدو من عمل الجيش الإسرائيلي، دون التأكد من ذلك بشكل مستقل.
كذلك، أفادت صحيفة "
وول ستريت جورنال" نقلا عن مسؤولين أمريكيين وأشخاص مطلعين بأن عملية استهداف المجمع الدفاعي في إيران بطائرات بدون طيار نفذتها "إسرائيل".
من جهته نقل مراسل موقع "أكسيوس" الأمريكي عن مصدر إسرائيلي وصفه بالمطلع أن
القصف الذي استهدف منشأة تابعة لوزارة الدفاع الإيرانية كان محددا وناجحا، واستهدف 4 مواقع مختلفة في المنشأة بدقة، مؤكدا أن جميع الضربات حققت أهدافها.
وقالت صحيفة "
نيويورك تايمز" إن القصف استهدف "موقعًا مهمًا لإنتاج الصواريخ والبحث والتطوير حيث يتم تجميع العديد من صواريخ شهاب متوسطة المدى التي يمكن أن تصل إلى إسرائيل".
وقالت المصادر إن الهجوم جاء بدافع "مخاوف إسرائيلية على أمنها" وليس مخاوف من أن طهران سترسل صواريخ إلى موسكو.
بدورها، قالت صحيفة "
الغارديان" إنه "لم يكن هناك تأكيد فوري بشأن المسؤول عن الهجوم، لكن يبدو أن الهجمات تتناسب مع نمط من الضربات ضد مواقع استراتيجية في جميع أنحاء إيران نُسبت إلى إسرائيل في السنوات الأخيرة".
وقالت إن "الطائرات بدون طيار لعبت دورًا متزايدًا في حرب الظل التي تدور رحاها بين إيران وإسرائيل فوق سماء العراق وسوريا والخليج العربي والبحر الأحمر وحتى شرق البحر الأبيض المتوسط".
ومع ذلك، فقد كانت المخاطر أكبر في إيران نفسها، حيث كان البرنامج النووي الإيراني هدفاً لمحاولات تخريب متكررة، حيث اغتيل كبير العلماء محسن فخري زاده في البلاد في عام 2020، وقُصفت منشأة ناتانز النووية بعد عام واحد بانفجار دمر أجهزة الطرد المركزي. كما قُصفت منشأة كرج في نفس العام. وأدى هجوم عام 2022 إلى تدمير منشأة للطائرات بدون طيار، ودمر ما لا يقل عن 120 مركبة.
في المقابل، لم يصدر دولة الاحتلال الإسرائيلي أي تعليق على عملية أصفهان، فيما رفض جيشها الرد على أسئلة "وول ستريت جورنال" بشأن الموضوع ذاته.
وتأتي الضربة الأخيرة في الوقت الذي يناقش فيه مسؤولون إسرائيليون وأمريكيون طرقا جديدة لمكافحة عمليات إيران المزعزعة للاستقرار، بما في ذلك تعميق تعاونها العسكري مع روسيا، حسبما أفادت صحيفة "وول ستريت جورنال".
وتأتي العملية بعد يوم واحد من من زيارة أداها مدير وكالة المخابرات المركزية، وليام بيرنز ، إلى تل أبيب حيث التقى بعدد من المسؤولين الإسرائيليين.
أما في إيران، فقلّل المسؤولون من أهمية الهجوم، حيث أعلن نائب محافظ أصفهان للشؤون السياسية والامنية محمد رضا جان نثاري، أن المجمع الذي تعرض للقصف استأنف نشاطه وعاد إلى وضعه الطبيعي.
وقال في تصريحات صحفية نقلتها وكالة "فارس" المحلية إنه تم التصدي للهجوم من قبل الدفاع الجوي الذي وصفه بالقوي، مضيفا أنه "لحسن الحظ تم إسقاط أحد الأجسام الطائرة الصغيرة الثلاث ووقع الاثنان الآخران في فخ الدفاع الجوي وبالتالي اضطرا لتفجير نفسيهما".
وتابع: "صوت الانفجار الذي سُمع ناجم عن الصوت الذي حدث اثر إصابة الدفاع الجوي بأحد الأجسام الطائرة الصغيرة، وقد شعر المواطنون القريبون من الحادث بالقلق بعض الشيء في البداية، ولكن مخاوفهم تلاشت بعد الإعلان سريعا وفي الوقت المناسب عن ما حصل".
وبشأن الأضرار التي سببها هذا الحادث، قال جان نثاري: "في هذه العملية، لحق ضرر طفيف فقط بسطح إحدى ورشات هذا المجمع، ولم يحدث أي خلل في قدرة هذا المجمع وعمله، كما أنه لم يسفر الحادث عن وقوع إصابات".
عديدة هي الذرائع الإسرائيلية لتنفيذ الهجوم على أصفهان، ومنها أن هذه الصواريخ التي يتم تطويرها بمساعدة روسية، قد تستخدمها إيران في المستقبل لإطلاق رأس حربي نووي لأي غرض تختاره في الشرق الأوسط، بما في ذلك إسرائيل وأوروبا، وحتى القارة الأمريكية، وهذا السلاح يمنحها مكانة القوة العسكرية العالمية، ويسمح لها بفرض إرادتها على بعد آلاف الكيلومترات من حدودها.
صحيح أن التقدير الإسرائيلي يشير إلى أن هجوم أصفهان، الذي أصاب منشأة حساسة للغاية، سيؤدي لوقوع ردّ إيراني، لكنه هدف في الوقت ذاته لإرسال إشارة لإيران مفادها أن دولة الاحتلال تراقبها، وتعرف تفاصيل أنشطتها العسكرية، ولن تقف مكتوفة الأيدي إزاءها، إذ يمكن اعتبار الهجوم وفق التوصيف الإسرائيلي بمثابة بطاقة صفراء على وشك التحول إلى بطاقة حمراء.