في خطابه المتلفز الشهر الماضي، هدّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بإمكانية استخدام أسلحة نووية لافتاً إلى أنّ تهديده هذا "ليس خدعة" أو مناورة. وردّد عدد من المسؤولين الروس نفس الرسالة، مشيرين إلى أنّه لا يمكن استبعاد استخدام الأسلحة النووية للدفاع عمّا أسموه حدود روسيا. وقد أثارت هذه التصريحات نقاشاً على مستوى المسؤولين والخبراء وصنّاع القرار كما في الفضاء العام حول مدى وجاهة مثل هذا التهديد، وعمّا إذا كانت موسكو ستقدم على ذلك بالفعل.
وفي تصريح مرتبط بالموضوع، وصف الرئيس الأمريكي جو بايدن تهديد بوتين بأنّه الأخطر منذ أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962، وحذر من أن ذلك ينذر بـنهاية العالم. وفي تقييم بايدن، فإنّ بوتين لم يكن يمزح عندما تحدث عن استخدام أسلحة نووية تكتيكية أو أسلحة بيولوجية أو كيميائية. ويكاد معظم الخبراء يجمعون على أنّ مضمون التهديد يحمل مصداقيّة وأنّه لم يكن المقصود به التلاعب النفسي أو المراوغة أو عكس صورة غير صحيحة. لكن، ما الذي يحمل الغالبية على القول إنّ تهديدات بوتين تحمل مصداقية؟
من المفارقات في الإجابة على هذا التساؤل هو أنّ الأداء العسكري غير المتوقع والمتواضع للقوات المسلحة الروسية علاوة على الخسائر المتتالية في تحقيق الأهداف المرجوّة في أوكرانيا يعتبر من أبرز العوامل التي تعطي مصداقية لتهديدات الرئيس بوتين. وكما كنّا قد ذكرنا في مقال سابق، هناك حالة من العلاقة الطردية بين الأداء المتردّي للقوات الروسية وإمكانية استخدام الأسلحة النووية الروسية. ولذلك، كلما زاد وضع الروس حراجة داخليا زاد احتمال استخدام موسكو لأسلحة نووية.
أمّا المفارقة الثانية، فهي أنّ احتمال استخدام الأسلحة النووية الروسية لا ينبع من موقف قوّة بقدر ما ينبع من موقف ضعف. بمعنى آخر، كان من المفترض أن تتم هزيمة أوكرانيا وهي الدولة الصغيرة والضعيفة مقارنة بالمقاييس الروسية دون اللجوء إلى معادلات استثنائية، لكن التهديد باستخدام روسيا السلاح النووي ينبع من حالة يأس من إمكانية الفوز أو الانتصار في المعركة. هناك فارق كبير بين أن تستخدم السلاح النووي كانعكاس لحالة التفوق العسكري ورغبة في الإنهاء السريع للحرب وبين كونك تستخدمه لأنّك موقن من أنّ الهزيمة واقعة وأنّه لا حل للهروب منها إلا باستخدام السلاح النووي.
حتى لو افترضنا أنّ الرئيس الروسي يراوغ ويستخدم هذا الخطاب للتخويف أو لردع حلفاء أوكرانيا عن تقديم المزيد من الدعم لها، فالأسلم في التخطيط الإستراتيجي التعاطي مع الإحتمال الأسوأ بدلاً من افتراض أنّ تهديد بوتين غير حقيقي وغير ذي مصداقية. على أي حال، فإنّ النقاش أعلاه شيء، ولحظة اتخاذ القرار باستخدام السلاح النووي شيء آخر يدور حوله نقاش مشابه للنقاش الذي تحدثنا عنه أعلاه.
قرار استخدام السلاح النووي يرتبط كذلك بمعادلة الربح والخسارة أو المنافع المرتقبة في مقابل العواقب المنتظرة، وهي معادلة بالرغم من بساطتها إلا أنّها تحمل وجهاً مُعقّداً للغاية لأنّها ترتبط بأكثر من لاعب كما بالانطباعات والتصورات الموجودة لدى كل الأطراف والتي من الصعب تجاهلها خاصّة أنّ امتلاك روسيا للسلاح النووي ليس حصرياً في هذه الحالة، فالدول التي تدعم أوكرانيا تمتلك نفس القدرات كذلك.
هناك من يقول إنّه وبالرغم من مصداقية التهديد الروسي، إلا أنّ قرار استخدام السلاح النووي غير مرجّح في الغالب لأنّه يرتبط بحسابات الربح والخسارة المتعلقة بهذا القرار. فاستخدام سلاح نووي تكتيكي قد يؤدي إلى تدمير هدف عسكري كبير أو مدينة أو تحصينات أوكرانية، لكن ليس بالضرورة أن يحسم الحرب. فضلاً عن ذلك، فإنّ على الجانب الروسي أن يُدخل في حساباته ردود أفعال الأطراف الأخرى على تصرّفه وأن يُدخله في المعادلة. ماذا سيستفيد الجانب الروسي إذا قهر مدينة وقتل الآلاف من سكانها بضربة نووية ثم تمّ عزله كلياً عن العالم بسبب تخطّيه الخطوط الحمر المتعارف عليها؟
لكن إذا افترضنا أن روسيا ستستخدم أسلحة نووية استراتيجية وغير تكتيكية. لا شك أنّ ذلك قد يؤدي إلى كسر إرادة الأوكرانيين لأنّه سيحرمهم من إمكانية الرد المتكافئ، لكنّ موسكو ستغامر في مثل هذا القرار بإمكانية اندلاع حرب عالمية نووية بوصفها أوّل من كسر الخطوط الحمراء في معركة كان من المفترض أن تُحسم بالأسلحة التقليدية. فسكوت الغرب والولايات المتّحدة تحديداً على هذا السيناريو سيُفهم على أنّه ضعف وسيغيّر ذلك من كثير من المعادلات في العالم بشكل لا يمكن معه احتواء التداعيات، الأمر الذي يفرض ضرورة وجود رد على الخطوة الروسية. وللتأكيد على أنّ هذا السيناريو ليس مستبعداً، قامت الولايات المتّحدة بإرسال رسائل مباشرة للكرملين مفادها أنّ هناك عواقب كارثية ستنجم عن أي استخدام روسي للسلاح النووي.
ما يمكن أن نفهمه من هذا النقاش هو أنّ قرار استخدام السلاح النووي يرتبط كذلك بمعادلة الربح والخسارة أو المنافع المرتقبة في مقابل العواقب المنتظرة، وهي معادلة بالرغم من بساطتها إلا أنّها تحمل وجهاً مُعقّداً للغاية لأنّها ترتبط بأكثر من لاعب كما بالانطباعات والتصورات الموجودة لدى كل الأطراف والتي من الصعب تجاهلها خاصّة أنّ امتلاك روسيا للسلاح النووي ليس حصرياً في هذه الحالة، فالدول التي تدعم أوكرانيا تمتلك نفس القدرات كذلك.
الاتفاقية الليبية مع تركيا في عمق الصراع السياسي