خلال الأسبوع المنصرم، تمّ الإعلان عن إتفاق
لوقف إطلاق النار في
لبنان بعد جولة مفاوضات سريعة وسهلة نسبياً رعتها الولايات
المتّحدة بشخص المبعوث الخاص هوكستين بين كل من إسرائيل وإيران. نعم، قرأت الجملة
بشكل صحيح، إيران وليس لبنان. عندما اغتالت إسرائيل الصف القيادي الأول والثاني في
حزب الله خلال أيام معدودة، نقل الشيخ نعيم قاسم صلاحيات التفاوض عن الحزب إلى
نبيه برّي، رئيس البرلمان اللبناني وزعيم حركة أمل الشيعية.
في أواخر الثمانيينات من القرن الماضي، كان
حزب الله يعتبر حركة أمل أحد أشد خصومه ومنافسيه، وخاض الطرفان صراعاً راح ضحيته
آلاف القتلى من الطرفين قبل أن تتدخل سوريا وإيران لضبط الوضع في لبنان وتوزيع
الأدوار والمغانم.
وبالرغم من أنّ برّي عاد مؤخراً كمحور اهتمام
رئيسي بحكم توليه التفاوض بشأن وقف إطلاق النار في ظلّ غياب رئيس جمهورية ووجود
حكومة تصريف أعمال في لبنان، إلاّ أنّ الجانب الإيراني كان المفاوض الحقيقي. لقد
أرسلت إيران عدداً من مسؤوليها إلى بيروت من بينهم عبّاس عراقجي، وزير الخارجية،
ومحمد علي قاليباف، رئيس البرلمان، وعلي لاريجاني، ممثل المرشد الأعلى علي خامنئي
لإدارة الموقف والتوقعات. المفارقة أنّ إسرائيل التي تسيطر على الأجواء اللبنانية
سمحت عمداً لطائرات هؤلاء بالهبوط، فقد كان هناك تقاطع مصالح بين مختلف الأفرقاء
للتوصل إلى الاتفاق المنشود في هذا التوقيت بالتحديد.
في أواخر الثمانيينات من القرن الماضي، كان حزب الله يعتبر حركة أمل أحد أشد خصومه ومنافسيه، وخاض الطرفان صراعاً راح ضحيته آلاف القتلى من الطرفين قبل أن تتدخل سوريا وإيران لضبط الوضع في لبنان وتوزيع الأدوار والمغانم.
إدارة بايدن دفعت بهذا الاتجاه لتأخذ فضل
التوصل للاتفاق وتحرم ادارة ترامب منها، فيما الجانب الايراني يريد أن يحتوي
خسائره المتزايدة على جميع الجبهات، في الداخل ولا في الخارج، وأن يأخذ وقتاً
مستقطعاً ليعيد تقييم وضعه. لقد أصبح هذا الأمر أكثر إلحاحاً لاسيما بعد الخسائر
القاسية التي تلقّاها حزب الله في عدده وعتاده وعديده وقياداته وفي المناطق التي احتلتها إسرائيل في جنوب لبنان، بعد أن كان يعد مناصريه بأنّ
سلاحه يؤمّن الردع،
ويحمي لبنان، وقادر على إسناد شعوب ودول مجاورة أيضا، وأنه سيحرر الجليل في أي
معركة قادمة مع إسرائيل.
أمّا نتنياهو، فقد حقق جملة مهمّة من أهدافه
ويريد أن ينهي هذه الترتيبات قبيل قدوم ترامب الذي كان قد أبلغه بضرورة الانتهاء
من العملية قبل تسلّمه للرئاسة. وبهذا المعنى، يريد نتنياهو أن يتفادى أي صدام مع
الرئيس الأمريكي الجديد وأن يفتح معه صحفة جديدة، على الأقل في هذه المرحلة. فعلى
الرغم من أنّ ترامب من أشد داعمي إسرائيل على الإطلاق، إلاّ أنّ علاقته الشخصية مع
نتنياهو ليست جيّدة، فالأوّل لا يحب الأخير ويحتقره.
وبالعودة إلى الاتفاق، سيُمنع على الحزب
التواجد جنوب الليطاني واقتناء السلاح أو إنتاجه أو شراؤه أو استخدامه، كما سُيمنع
على الحزب إبقاء المواقع العسكرية أو انشاء مواقع جديدة، وسيتم تدمير كل المواقع
والأنفاق والتحصينات العسكرية التي كان يستخدمها في جنوب الليطاني. هناك جوانب
أخرى في الاتفاق تتعلق بأطراف أخرى كإسرائيل ولبنان. والحقيقة أنّ الاتفاق مفيد
جداً للبنان كدولة، ويتيح لواشنطن دوراً أساسيا، وهو الدور الذي سيغيّر المعادلة
وموازين القوى القائمة.
الاتفاق يشير بشكل أساسي إلى قرار مجلس
الأمن رقم 1701، لكن الغريب أنّ إسرائيل لم تشدد في أي مرحلة من المراحل خلال
المفاوضات أو الحديث الإعلامي أو حتى خلف الأبواب المغلقة على ضرورة سحب سلاح حزب
الله بالمطلق، وهو الأمر الذي نص عليه القرار الأممي 1559 الموجود في متن القرار
1701.
السؤال الأساسي: لماذا؟
هناك عدّة ترجيحات لعل أهمّها، أنّ إغلاق
الجبهة الحدودية أمام حزب الله تعني أنّه لن يستطيع استخدام سلاحه ضد إسرائيل،
وبهذا المعنى فإنّ بقاء سلاح حزب الله شمال الليطاني يعني أنّ الحزب سيستخدمه
عاجلا أم آجلا في الداخل اللبناني وهو أمر مفيد جداً لإسرائيل تماماً كما جرى في
العام 2008 عندما أدار حزب الله سلاحه باتجاه الداخل اللبناني بعد إغلاق الجبهة مع
إسرائيل أمامه في العام 2006.
بقاء سلاح حزب الله يعني أيضاً بقاء النزاع
الداخلي على شرعيته ودوره، وهذا يعني أنّ الجدال وربما النزاع والصراع مع الدولة
اللبنانية قادر على شل الأخيرة وإبقائها غارقة في مشاكلها الداخلية، وهو أمر مفيد
جداً لإسرائيل كذلك. بقاء سلاح حزب الله يعني بقاء النفوذ الإيراني في لبنان. وإذا
لم يتغيّر هذا الواقع لاحقاً، فهو يعني أنّ الدولة اللبنانية ستظل مرهونة للخارج وهو
ما يتيح للجانب الإسرائيلي ذرائع وفيرة للتدخل في لبنان، وهو ما يخدم الأجندة
الإسرائيلية بطبيعة الحال.
بقاء سلاح حزب الله يعني أيضاً بقاء النزاع الداخلي على شرعيته ودوره، وهذا يعني أنّ الجدال وربما النزاع والصراع مع الدولة اللبنانية قادر على شل الأخيرة وإبقائها غارقة في مشاكلها الداخلية، وهو أمر مفيد جداً لإسرائيل كذلك. بقاء سلاح حزب الله يعني بقاء النفوذ الإيراني في لبنان. وإذا لم يتغيّر هذا الواقع لاحقاً، يعني أنّ الدولة اللبنانية ستظل مرهونة للخارج وهو ما يتيح للجانب الإسرائيلي ذرائع وفيرة للتدخل في لبنان، وهو ما يخدم الأجندة الإسرائيلية بطبيعة الحال.
في خطابه ما قبل الأخير، تعهد أمين عام حزب
الله الشيخ نعيم قاسم بأن يكون الحزب تحت سقف اتّفاق الطائف، لكنّ الأخير ينص على
حلّ جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية وتسليم أسلحتها إلى الدولة
اللبنانية، وهو الأمر الذي لطالما تمّ استثناء حزب الله منه لخدمة النفوذ السوري
والإيراني ولاستخدام لبنان كساحة لإرسال الرسائل وكملعب للتنافس الإيراني ـ الإيراني
على النفوذ في المنطقة.
وللتهرب من هذا الوضع، سيحاول حزب الله
المماطلة على الأرجح، واقتراح الصيغ التي تشتري له الوقت، وتؤمن له التقاط أنفاسه
ريثما يفكّر بكفية إعادة بناء نفسه على المدى البعيد. وربما نشهد في المرحلة
المقبلة عودة الكلام عن صيغة جيش وشعب ومقاومة كحل أو عن استراتيجية دفاعية يكون
حزب الله محورها، لكن الحقيقة هي أنه إن لم يتم استغلال الموقف الحالي لتعزيز سلطة الدولة اللبنانية ونزع سلاح حزب
الله وإحالته إلى الجيش اللبناني والدولة اللبنانية، فإنّ مشاكل لبنان ستبقى قائمة.
لقد روّج حزب الله خلال العقدين الماضيين
بأنّ سلاحه يردع إسرائيل ويحمي بيئته والدولة اللبنانية، وأنّه قادر على فرض
معادلة توازن الرعب والردع، لكن تبيّن كما كان البعض يجادل سابقا أنّ هذا السلاح
غير قادر حتى على حماية مسؤولي الحزب فضلا عن بيئتهم ناهيك عن باقي الأوهام التي
تمّ الترويج لها. آخذين بعين الاعتبار هذه المعطيات وحقيقة أنّ إسرائيل استطاعت
احتلال مناطق واسعة جنوب لبنان ومحو قرى كاملة عن الخريطة، وفي ظل إغلاق متوقّع
للجبهة قد يمتد إلى عقدين أو أكثر كما جرى بعيد حرب 2006، ومنع لتواجد سلاح أو
عتاد أو أي عمل عسكري ضد إسرائيل جنوب الليطاني، فإنّ السؤال الذي يطرح نفسه بقوّة
في هذا السياق: لماذا يبقي الحزب سلاحه؟ وما الفائدة منه؟ وضد من سيستخدمه؟