انخفض سعر صرف الجنيه المصري إلى 19.14 جنيها لكل دولار، وهو أدنى مستوى له على الإطلاق في البنوك المحلية، مع اتساع حجم الفجوة التمويلية بشكل كبير، التي تصل إلى 41 مليار دولار حتى نهاية عام 2023، وهي عبارة عن عجز الحساب الجاري والديون المستحقة.
بينما لا يغطي الاحتياطي الأجنبي وحده هذه الفاتورة، وتراجع الاحتياطي النقدي في تموز/ يوليو الماضي إلى 33.143 مليار دولار، حسبما أعلن البنك المركزي، وهذا أدنى مستوى للاحتياطي النقدي الأجنبي منذ خمس سنوات.
وكان صندوق النقد الدولي حذر من أن مصر لا تزال عرضة للصدمات الخارجية بسبب عبء الديون المرتفع ومتطلبات التمويل الإجمالية الكبيرة، مطالبا بالسماح بمرونة سعر الصرف باعتباره عاملا ضروريا لاستيعاب الصدمات الخارجية، وحماية هوامش الأمان المالية في أثناء هذه الفترة من عدم اليقين.
وفي كل مرة تلجأ فيها مصر إلى صندوق النقد الدولي التي حصلت على 7 أضعاف حصتها من صندوق النقد، يطالبها بخفض قيمة الجنيه أمام الدولار رغم تحفظ الجانب المصري على هذا المطلب؛ خوفا من حدوث صدمة سعرية في الأسواق، ولكنه اضطر إلى خفضه أكثر من مرة.
وهذه هي المرة الثالثة لمصر خلال السنوات الـ6 الماضية التي تلجأ فيها لصندوق النقد، الأولى عام 2016 وحصلت على 12 مليار دولار، والثانية عام 2020 مع بداية أزمة كورونا بقيمة 2.8 مليار دولار، والثالثة عام 2021 بقيمة و5.2 مليار لمواجهة تداعيات جائحة "كورونا".
وفي غضون ذلك، ارتفع الدين الخارجي، لمستوى قياسي، حيث سجل 157.8 مليار دولار في نهاية آذار/ مارس الماضي، مقابل 145.5 في نهاية كانون الأول/ ديسمبر الماضي، بنسبة ارتفاع 8.4%، وفق البنك الدولي.
اقرأ أيضا: لماذا فشل السيسي بإصلاح اقتصاد مصر الذي يهيمن عليه العسكر؟
لماذا يضغط صندوق النقد على الجنيه؟
وبشأن الضغوط التي يمارسها صندوق النقد على مصر لخفض قيمة الجنيه إلى مستويات أدنى، يقول كبير المحللين الاقتصاديين بوكالة بلومبيرغ زياد داود؛ إن "تخفيض الجنيه قد يقلل من الفجوة التمويلية من خلال تقليل الواردات لأنها ستصبح أغلى، وزيادة الصادرات لأنها ستصبح أرخص، لكن لهذا التخفيض أعراضا جانبية كبيرة، أهمها غلاء الأسعار، خصوصا بوجود معدلات تضخم مرتفعة أصلا".
بحسب تقديرات داوود الذي نشرها ضمن سلسلة تغريدات على حسابه الشخصي، يحتاج الجنيه أن ينخفض بنسبة 23% قياسا للمستوى الحالي ليصل العجز المالي إلى مستوى معقول، أي أن يصل سعر الصرف إلى 24.6 جنيها مقابل الدولار، ولكنه استبعد أن يصل إلى هذا الرقم لاعتبارات داخلية تؤثر بشكل سلبي على الاستقرار والأسواق.
وأضاف داوود: "يبدو أصل المشكلة في أن مصر ثبتت تقريبا سعر الصرف منذ 2017 برغم أزمات الدول الناشئة وكوفيد 19 وصعود أسعار الفائدة وارتفاع تكلفة الطاقة والغذاء، واعتمدت على الأموال الساخنة لتمويل عجزها، من ثم تراكمت الصدمات حتى احتاجت إلى تغيير كبير في سعر الصرف بدلا من تعديل تدريجي عبر السنين".
عجز تجاري كبير
ارتفع العجز التجاري في مصر خلال الربع الأول من هذا العام من كانون الثاني/ يناير إلى آذار/ مارس الماضي، بحسب بيانات حكومية رسمية، حيث بلغ عجز حساب المعاملات الجارية حوالي 5.79 مليار دولار، واتسع العجز التجاري في الموازنة خلال الربع الأول إلى 11.83 مليار دولار، وفقا لبيانات البنك المركزي.
وقال البنك المركزي؛ إن صافي تخارج الاستثمارات من محفظة الأوراق المالية في مصر بلغ 14.75 مليار دولار في الربع الأول، مقارنة بصافي "تدفق للداخل" بلغ 5.82 مليار دولار قبل عام، بعد أن دفعت الأزمة الأوكرانية إلى هروب المستثمرين الأجانب.
اقرأ أيضا: عودة "الكراتين" بمصر.. حماية اجتماعية أم مخاوف من انفجار؟
في تعليقه على استمرار مطالبة صندوق النقد الدولي لمصر بخفض الجنيه، قال الخبير الاقتصادي إبراهيم نوار: "نظام سعر الصرف الذي يديره البنك المركزي يُقيّم سعر الجنيه بأعلى من قيمته، لأنه لا يأخذ في الاعتبار معدل التضخم الحقيقي والعجز المتراكم في الحساب الجاري، كما أن بعض المستثمرين يواجهون مشاكل أو تأخيرا في الحصول على مستحقاتهم في مصر".
وأوضح لـ"عربي21": "سياسة صندوق النقد الدولي، أساسها أن السوق هو الذي يحدد سعر الصرف وليس البنك المركزي. لكن بسبب النظام الإداري المتبع من البنك المركزي المصري، فلا يوجد سوق فعلي للمعاملات بين البنوك، وإنما يتحدد العرض والطلب بقرارات إدارية من البنك المركزي، خصوصا في شؤون تمويل التجارة وفتح الاعتمادات المستندية واسترداد المستثمرين الأجانب للأرباح أو تحويلات رؤوس الأموال".
بسبب هذه السياسة، فإن قيمة الجنيه مقابل العملات الأجنبية، بحسب نوار، لا تعبر عن قيمته الحقيقية، وهذا معناه دعم المستفيدين. إذا أرادت الحكومة تحديد سعر التبادل بين الجنيه والدولار، فيجب أن تكون لديها السيولة الأجنبية اللازمة لمساندة السعر الإداري بدلا من اللجوء إلى الصندوق.
ورأى الخبير الاقتصادي أن "الانخفاضات المفاجئة والحادة في قيمة الجنيه، تعكس عدم وجود نظام مرن لسعر الصرف، وهذه إحدى نقاط الخلافات الجوهرية بين الحكومة المصرية وصندوق النقد الدولي، مشيرا إلى أن هذه هي سياسة الصندوق، وهي سياسة لا تنطوي على ضغط متعمد أو تمييز ضد مصر. وإذا كانت الحكومة لا تقبل سياسة الصندوق، فعليها أن تتجنب طلب الاقتراض منه. هذا هو الحل".
سعران للدولار
وكان وزير المالية المصري محمد معيط قد كشف أن حجم الدعم المالي المطلوب من صندوق النقد الدولي أقل من 15 مليار دولار، ضمن آلية تسهيلات تمويل موسعة يجري التفاوض عليها بين الجانبين منذ آذار/ مارس الماضي، مع احتدام الأزمة الروسية الأوكرانية.
ويقول محللو اقتصاد؛ إن بعض التجار يقومون بتسعير سعر صرف الجنيه أمام الدولار عند مستوى 23 جنيها، أي أكثر بنحو 21% عن سعره المعلن في البنوك المحلية، وذلك للاحتفاظ بهامش أكبر من السعر الرسمي للحفاظ على التكلفة وتذبذب سعر الجنيه.
نحو 29 مليار دولار تحويلات المصريين بالخارج في 11 شهرا
توقعات قوية بخفض قيمة الجنيه المصري مجددا.. كم سيبلغ؟
عودة "الكراتين" بمصر.. حماية اجتماعية أم مخاوف من انفجار؟