في الوقت الذي تعول فيه الحكومة المصرية على قرض جديد من صندوق النقد الدولي لتخفيف وطأة أزماتها الاقتصادية؛ دعا صندوق النقد الدولي القاهرة، الثلاثاء، لاتخاذ إصلاحات مالية وهيكلية، ما أثار مخاوف المصريين من احتمالات فرض إجراءات تقشف قاسية مجددا.
وفي الوقت الذي تجري فيه القاهرة محادثات بشأن حزمة مساعدات جديدة من الصندوق منذ آذار/ مارس الماضي، قال الصندوق إن مصر لا تزال عرضة للصدمات الخارجية؛ بسبب عبء الديون المرتفع، ومتطلبات التمويل الإجمالية الكبيرة، محذرا من استمرار هشاشة وضع مصر.
ومع خفض الصندوق توقعاته الاثنين، لنمو الاقتصاد المصري ليصبح 4.8 بالمئة بدلا من 5 بالمئة بالعام المالي (2022-2023)، أكد الصندوق أن هناك حاجة لإصلاحات هيكلية أعمق لتعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد، وتحسين الحوكمة، وتعزيز قدرته على الصمود بمواجهة الصدمات.
دعوة الصندوق مصر للإصلاحات الاقتصادية تتزامن مع حملة إعلامية عبر برامج "التوك شو" تدعو المصريين للصبر على ما هو قادم، إذ قال الإعلامي عمرو أديب، مساء الاثنين، إن الأشهر المتبقية من السنة ستكون هي الأصعب منذ بداية الأزمة على الفرد والدولة، مطالبا المصريين بالتقشف والاستعداد لما هو قادم.
اقرأ أيضا: النقد الدولي يطالب مصر بإحراز تقدم حاسم في الإصلاحات المالية
"اقتصاد يعاني"
ويعاني الاقتصاد المصري بشكل مثير للمخاوف، خاصة مع تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا منذ 24 شباط/ فبراير الماضي، ما تسبب في زيادة فاتورة واردات القمح، بجانب تبعات مواصلة الفيدرالي الأمريكي رفع أسعار الفائدة 4 مرات حتى حزيران/ يونيو الماضي.
كما يعاني اقتصاد مصر من أزمة اعتماده لسنوات على الأموال الساخنة التي هرب منها 20 مليار دولار من السوق المصرية الأشهر الماضية، ما تسبب في فجوة تمويلية كبيرة، وسط ضغوط فوائد وأقساط الديون، ما زاد الضغط على ميزان المدفوعات، وتراجع احتياطي النقد الأجنبي بالبنك المركزي، لـ33.4 مليار دولار حزيران/ يونيو الماضي.
جميع تلك الأوضاع دفعت الحكومة المصرية لتخفيض قيمة عملتها مقابل العملات الأجنبية، لتخسر منذ آذار/ مارس الماضي كثيرا من قيمتها، وتتراجع مقابل الدولار من معدل 15.65 إلى نحو 19 جنيها مع قرب نهاية تموز/ يوليو الجاري.
ويصل عجز الموازنة العامة 558 مليار جنيه (30 مليار دولار)، وتبلغ الفجوة التمويلية للعام الحالي 32 مليار دولار، وتقترب أعباء الدين العام من 110 بالمئة من إجمالي الإيرادات العامة (تريليون و655.7 مليار جنيه (89 مليار دولار)، بحسب رويترز.
دفعت تلك الأحوال القاهرة لطلب قرض من صندوق النقد هو الثالث في عهد رئيس النظام عبدالفتاح السيسي وخلال 6 سنوات، وهو ما تأخر كثيرا وسط حديث مراقبين عن خلافات بين الصندوق والحكومة المصرية، لكنه من المؤكد أنه ستتبعه إجراءات تقشف تطال المصريين.
والاثنين الماضي، كشفت المستشارة الاقتصادية لرئيس الوزراء المصري، جيهان صالح، عن أن تطورات مفاوضات مصر مع صندوق النقد ليست مشجعة للغاية، قائلة للإعلامية لميس الحديدي ببرنامج "كلمة أخيرة" إن المحادثات الفنية لا تزال جارية، لكن كلا الجانبين لديه وجهات نظر مختلفة.
اقرأ أيضا: خبير اقتصادي: مصر ستفلس.. والحل في رحيل السيسي
"ماذا يريد الصندوق؟"
ومع مطالبة صندوق النقد القاهرة بإصلاحات هيكلية وتحسين الحوكمة، واحتمالات أن تفرض الحكومة على المصريين إجراءات تقشف قاسية جديدة، قال المستشار الأممي والخبير الاقتصادي، إبراهيم نوار: "في ظني هذه المرة أن الصندوق سيركز على الإصلاحات الهيكلية في الاقتصاد المصري وإصلاح القطاع المالي".
الخبير الاقتصادي أضاف في حديثه لـ"عربي21"، أن "تحقيق مطالب الصندوق بالحوكمة والتنافسية يتطلب فتح السوق المصرية، وإنهاء سياسات الاحتكار، وبيع الشركات المملوكة لأجهزة الدولة".
وعن احتمالات أن تطال تلك الإجراءات المصريين، أكد أن "الحكومة تريد من جديد أن يتحمل المواطن العادي فاتورة إصلاح الاقتصاد الذي أفسدته الحكومة نفسها"، لافتا إلى أن "الناس تعبت من مشقة وتبعات إجراءات التقشف".
ويطالب صندوق النقد القاهرة بتقليل دور الدولة في الاقتصاد ودعم القطاع الخاص، وزيادة مشاركاته، ما دفع الحكومة المصرية مؤخرا لطرح ما يسمى "وثيقة ملكية الدولة"، التي كشفت عن تقليص مشاركات الدولة في الاقتصاد لحساب زيادة دور القطاع الخاص.
وفي هذا الإطار، أعلنت الحكومة، 16 أيار/ مايو الماضي، أنها تستهدف طرح أصول مملوكة للدولة على مستثمرين محليين ودوليين الـ4 سنوات المقبلة مقابل نحو 40 مليار دولار، فيما تحدث وزير المالية محمد معيط عن طرح 10 شركات حكومية قبل نهاية العام الجاري أمام المستثمرين.
اقرأ أيضا: هل يناور الجيش المصري بطرح شركتي وطنية وصافي بالبورصة؟
"4 إجراءات"
من جانبه، أكد رجل الأعمال والأكاديمي المصري، محمود وهبه، أن المصريين بالفعل على موعد مع إجراءات حكومية وقرارات تقشف قاسية جديدة، لافتا إلى أن مطالبة صندوق النقد القاهرة بإصلاحات هيكلية ستقود إلى ذلك الوضع لا محالة.
وفي حديثه لـ"عربي21"، قال إنه وبرغم تلك الإجراءات المحتملة، فإن "النظام لن يجد الحل في قرض صندوق النقد الدولي"، مبينا أنه "لن يكفي التزامات الحكومة المصرية، ولو تضاعفت قيمة القرض عدة مرات"، متوقعا أن تتوقف الحكومة عن السداد وتفلس".
وفي توقعاته للإجراءات التقشفية التي قد يتخذها النظام، ومدى قدرة المصريين على تحملها هذه المرة، يرى وهبه أنها تتمثل في 4 إجراءات هي: "خفض جديد في قيمة العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية، وارتفاع الأسعار مجددا، وزيادة الجباية، وإهمال الخدمات الحكومية".
وأشار إلى أن الصندوق حتى يوافق على القرض الجديد يطالب الحكومة المصرية بالتحرك الحاسم والسريع في عدة نقاط، منها تخفيض سعر الجنيه، ودعم القطاع الخاص، وزيادة أدواره، وبالتالي خروج الجيش من الاقتصاد.
"حكومات القروض"
وتعتمد الحكومات المصرية المتعاقبة في عهد السيسي على سياسة الاقتراض الخارجي والداخلي، ما فاقم ديون البلاد الخارجية، وأوصلها من 43.2 مليار دولار نهاية حزيران/ يونيو 2013 إلى 157.8 مليار دولار في آذار/ مارس الماضي.
وهذه هي المرة الرابعة التي تسعى فيها حكومات عهد السيسي (شريف إسماعيل، ومصطفى مدبولي) للاقتراض من صندوق النقد الدولي، وبآمال أن يصل القرض الجديد لنحو 10 مليارات دولار، وفق مراقبين.
واقترضت الحكومتان نحو 20 مليار دولار من صندوق النقد في 5 سنوات، منها 12 مليار دولار في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، وهو ما تبعه قرار تعويم الجنيه، لتحصل القاهرة على 2.8 مليار دولار من الصندوق أيار/ مايو 2020، ونحو 5.2 مليار دولار حزيران/ يونيو من نفس العام.
فاتورة الديون المصرية طالت كل أركان الاقتصاد المصري، وتحملها الحكومة للمواطنين، عبر جباية الضرائب، وزيادة الجمارك، ورفع أسعار السلع والخدمات، كما يأتي دفع أقساط وفوائد الدين على حساب الخدمات المقدمة للمصريين، وفق مراقبين.
ويقبع نحو 60 بالمئة من المصريين تحت خط الفقر، وفق تقرير للبنك الدولي في مايو/ أيار 2019، الذي قال فيه إن "60 بالمئة من سكان مصر إما فقراء أو أكثر احتياجا"، فيما يبلغ معدل البطالة خلال 2021 7.4 بالمئة، وفق الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء (حكومي).
وكشفت البيانات الرسمية سداد مصر 16 مليار دولار في الربع الثاني من العام الجاري، وضرورة سداد 12 مليار دولار بالربع الثالث، و6 مليارات دولار بالربع الرابع، و13 مليار دولار بالربع الأول من 2023، ما يعني حاجة البلاد لحوالي 31 مليار دولار لسداد خدمة الدين، ونحو 100 مليار دولار الـ5 سنوات القادمة.
ارتفاع الدين المصري الخارجي 8.4% بنهاية آذار (إنفوغراف)
مصر وتونس بين دول يرجح تعثرها في سداد ديونها الخارجية
خبير اقتصادي: مصر ستفلس.. والحل في رحيل السيسي