أُسدل الستار الأحد الماضي عن الدور الأول من الانتخابات الرئاسية الفرنسية بتصدر الرئيس المنتهية ولايته إيمانويل ماكرون واليمينية المتطرفة مارين لوبان المشهد، فيما حل اليساري جاك لون ميلونشون الذي يوصف بـ"مرشح المسلمين"، ثالثا.
وحصد ماكرون 27.85 بالمئة، مقابل 23.15 بالمئة للوبان، فيما حقق المرشح اليساري الراديكالي ميلونشون المفاجأة بعد حصوله على 21.9 بالمئة من الأصوات، ما يعدّ إنجازاً كبيراً له ولحزبه "فرنسا الأبية"، ويظهر أيضاً انقساماً حاداً في الشارع الفرنسي، حيث حصلت الأحزاب المتطرفة (يسار ويمين) على نحو نصف أصوات الناخبين تقريباً.
والمُلفت في الأمر أن الشباب الفرنسي اختار بقوة في الدور الأول المرشح اليساري ميلونشون الذي حاز على 31 بالمئة من أصوات الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 سنة، و34 بالمئة من الفئة العمرية بين 25 و34 سنة.
وزيادة على ذلك، حاز زعيم حركة "فرنسا الأبية" ميلونشون على 69 بالمئة من أصوات مسلمي فرنسا، بحسب استطلاع رأي أجرته وكالة "لفوب"، بالشراكة مع بعض وسائل الإعلام المحلية، فيما أشار آخر سبر آراء قبل الصمت الانتخابي إلى أن 38 بالمئة فقط من مسلمي فرنسا ينوون التصويت للمرشح اليساري.
في الواقع، استفاد جان لوك ميلونشون، خلال الأسابيع الأخيرة من الحملة الانتخابية، من دعم بعض الأصوات المؤثرة داخل الجالية المسلمة الفرنسية، المنتمية إلى تيارات الإسلام السياسي.
ومن ضمن التقنيات التي استفاد منها ميلونشون خلال حملته، تطبيق "تيك توك"، الذي أصبح يعتبر من أبرز وسائل التواصل الاجتماعي الذي يستعمله المؤثرون المسلمون في فرنسا من أجل مخاطبة الجالية المسلمة بالبلاد.
ومن أبرز الحسابات المعروفة، ظهر حساب "آن جور آن حديث" (يوم وحديث)، الذي يتابعه ما يقرب من مليون مشترك على "تيك توك"، الذي بث رسالتين للتصويت لمرشح اليسار، وسط رسائل صلاته المعتادة.
♬ son original - Unjourunhadith
كما تداول نشطاء فرنسيون خلال الفترة الأخيرة من الحملة الانتخابية بيانا صحفيا منسوبا لمنظمة "أئمة وخطباء" بشأن الانتخابات الرئاسية. وقال البيان: "نحن أئمة وخطباء ندعو المواطنين الفرنسيين من المسلمين للتصويت في الجولة الأولى لأقل المرشحين عدائية في هذه الانتخابات الرئاسية: جان لوك ميلونشون. دعوة وفق المبدأ الإسلامي لأهون الشرين"، بحسب النص الذي اعتبر أن ميلونشون هو "الوحيد الذي تناول مسألة حرية المسلمين والدفاع عن حقوقهم في حملته".
ورغم أن الإعلان لم يكن موقعا، لكن تمت مشاركته من قبل أعضاء معروفين في حركات الإسلام الفرنسي، مثل فانسون سليمان أو نور الدين أوسات، الذي يدعي معرفة المبادرين، أو حتى هاني رمضان، حفيد حسن البنا، فيما أبدى شقيقه طارق حذرًا شديدًا بشأن هذه القضية.
صوت مهم آخر كسب من خلاله المرشح اليساري ثقة مسلمي فرنسا، وهو صوت منظمة "التجمع المناهض للإسلاموفوبيا في أوروبا" (CCIE)، وريثة "التجمع ضد الإسلاموفوبيا" الذي تم حله في أيلول/ سبتمبر 2021 من قبل وزير الداخلية، حيث نشر الهيكل الأربعاء 6 نيسان/ أبريل "ملخصا لمواقف بعض المرشحين بخصوص الإسلاموفوبيا".
من بين المرشحين الستة الذين تم تقييمهم، حصل جان لوك ميلونشون فقط على الرضا عن النقاط الأربع التي تهم طريقة اللباس، والموقف من قانون الانفصالية، ورؤية العلمانية، والموقف من إغلاق أماكن العبادة. في اليوم السابق، أكدت الحركة المناهضة للإسلاموفوبيا أن 81 بالمئة من أعضائها الفرنسيين يعتقدون أنهم سيصوتون لصالح جان لوك ميلونشون.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو هل أن مواقف المرشح اليساري، الذي يتهمه جزء كبير من الطبقة السياسية في فرنسا بالانتماء إلى "اليسار الإسلامي"، من الإسلام تفسر الدعم القوي لترشيحه من قبل الناخبين المسلمين؟
إذا كان مسلمو فرنسا قد لعبوا دورا مهما ولا يمكن لأحد إنكاره بخصوص الصعود الصاروخي لميلونشون في الانتخابات، فإن استطلاع "لفوب" أظهر حقيقة أكثر تعقيدًا، من خلال تداخل "العناصر المحددة" لتصويتهم مع تلك الخاصة بالناخبين العاديين، الأكثر ميلا للتصويت لمرشح "فرنسا الأبية".
ومن بين قائمة من 17 مقترحا وضعه سبر الآراء، صنف ما لا يقل عن 78 بالمئة من الناخبين المسلمين الزيادة في الأجور والقوة الشرائية بين العناصر المهمة لاختياراتهم في الانتخابات، فيما تنخفض هذه النسبة إلى 68 بالمئة لجميع الناخبين.
والأكثر وضوحًا، هو أن موضوع ارتفاع أسعار الوقود والطاقة كان مرة أخرى عاملا مهما لدى 78 بالمئة من المسلمين، مقابل 56 بالمئة فقط من عموم الفرنسيين. أما محاربة الهشاشة الاجتماعية، فقد تم اختيارها بنسبة 70 بالمئة من قبل الناخبين المسلمين، مقابل 53 بالمئة لدى بقية الناخبين.
وتعكس هذه المعطيات تطلع مسلمي فرنسا إلى البحث عن مرشح رئاسي يضمن لهم تحسنا في المقدرة الشرائية في ظل الأزمة الاقتصادية التي تهدد العالم بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، وليس فقط بحثا عن مرشح يضمن لهم أدنى حقوقهم الوجودية.
وتقاطعت هواجس الجالية المسلمة مع البرنامج الانتخابي لميلونشون، الذي تعهد بإلغاء أي تعديلات طرأت على قانون اللائكية الفرنسي لسنة 1905، كما أنه تعهد بإلغاء قانون "الانعزالية الإسلامية" الذي سنته حكومة ماكرون ويتضمن اضطهادا مباشرا ضد المسلمين وشكلا مقننا من الإسلاموفوبيا.
وتضمن برنامج مرشح أقصى اليسار مخططا خاصا بالأحياء الشعبية والضواحي التي تقطنها شريحة كبيرة من الجاليات المغاربية والأفريقية.
اقرأ أيضا: قراءة تحليلية في نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الفرنسية
كما تعهد ميلونشون بمحاربة العنف البوليسي الذي يستهدف تلك الأحياء، كما العنف الاقتصادي والتمييز في الخدمات الاجتماعية، وإصلاح البنية التحتية من أجل تحقيق "جمهورية المساواة".
وأعلن أنه يخطط لإصدار "قانون طوارئ اجتماعية"، يتيح تجميد أسعار الضروريات الأساسية، بما في ذلك الوقود والغاز والكهرباء وبعض المواد الغذائية.
ويريد اليساري زيادة الحد الأدنى للأجور، وتقصير أسبوع العمل، وخفض سن التقاعد من 62 إلى 60، وضمان وظائف للجميع وإلغاء ديون القطاع العام، فضلا عن إلغاء خصخصة البنية التحتية، وزيادة الضرائب على الأغنياء، وكذلك الانسحاب من حلف شمال الأطلسي (ناتو).