خلال خطابه في المؤتمر السنوي لـ"معهد أبحاث الأمن القومي" (INSS) ، أول أمس الثلاثاء؛ حذر رئيس الحكومة الإسرائيلية نفتالي بينت من الفراغ الذي ستتركه أمريكا في المنطقة بالقول: "ينبغي العمل داخل الظروف الموجودة، وليس في عالم الأمنيات"، واعتبر أن "مكان الولايات المتحدة في المنطقة يمكن أن تملأه، قوى إرهاب وكراهية، ويمكن أن تملأه إسرائيل".
تضارب المصالح
بينت تطرق للعلاقات بين (إسرائيل) والولايات المتحدة كاشفا للمشاركين في مؤتمر جامعة تل أبيب أن "لدى واشنطن مصالح خاصة بها، وينبغي الاعتراف بصراحة أنها لا تتطابق مع مصالحنا دائما"، فاهتمام الولايات المتحدة بالمنطقة آخذ بالتراجع، "وعيونها مركزة الآن على حدود روسيا ـ أوكرانيا وهي موجودة في صراع إستراتيجي مقابل الصين".
تصريحات نفتالي بينت عززت المخاوف التي كشفها التقدير السنوي لـ (معهد أبحاث الأمن القومي) أشار فيه إلى أن (المساعدات التي تقدمها واشنطن لإسرائيل تواجه تحدي الاستقطاب الأمريكي الداخلي، حتى مع تركيز اهتمام أمريكا على مشاكلها الداخلية والصراع مع الصين، على حساب انخراطها في الشرق الاوسط).
البيئة الدولية بحسب ما ورد في ملخص التقرير المنشور في الـ 24 من كانون الثاني (يناير) الماضي جعلت (الإدارة الأمريكية أقل استعدادًا للاهتمام بمصالح ومخاوف إسرائيل، سواء ما يتعلق منها بإيران أو في السياق الفلسطيني. فالولايات المتحدة أقل استعدادًا للاستثمار في تمديد وتكثيف اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل والدول العربية البراغماتية) مخاوف ستجعل من عملية ملء الفراغ غاية في الصعوبة بدون الدعم الأمريكي المباشر.
التطبيق العملي
التقديرات الإسرائيلية والتحذيرات من التغير المستمر في أولويات السياسية الأمريكية وجدت تطبيقا عمليا لها على الأرض؛ إذ ورد على لسان وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، يوم أمس الأربعاء، استبعاد تطبيع بلاده العلاقات مع إسرائيل، على غرار "اتفاقات أبراهام" .
تصريحات الوزير القطري جاءت خلال منتدى الأمن العالمي الذي عقد في العاصمة القطرية الدوحة، بعد يوم واحد من لقاء الرئيس الأمريكي جو بايدن بالأمير تميم بن حمد آل ثاني في العاصمة واشنطن؛ فرغم الحماسة التي أبداها الرئيس الأمريكي جو بايدن لتطوير العلاقة مع قطر إلى درجة نيته الإعلان عنها كحليف رئيس من خارج الناتو؛ فإنه لم تقابلها حماسة مماثلة بجعل ملف التطبيع بين الكيان الإسرائيلي وقطر أولولية من أولويات ادارته.
إدارة بايدن أبدت براغماتية عالية ورفيعة بالامتناع عن ممارسة ضغوط على الدوحة للالتحاق باتفاقات أبراهام تفوق براغماتية الدول العربية التي طبعت مع الكيان الإسرائيلي؛ فإجبار قطر على التطبيع تعيق قدرتها عن آداء دورها في المناورة بين القوى الإقليمية والدولية المتنافسة؛ قدرة لا ترغب أمريكا في حرمان قطر منها كونها تزيد من فاعليتها كحليف أمريكي من خارج الناتو؛ وهذه تعد من المفارقات التي تعجز (إسرائيل) ومراكز بحوثها عن معالجتها أو إيجاد حلول لها؛ فهي تمثل تجسيدا حقيقيا للمعضلة الإسرائيلية ولحالة التصدع في النظام الدولي والنظم الإقليمية الفرعية المنبثقة عنها.
العجز النظري والتطبيقي
تشاؤم مراكز البحوث الإسرائيلية وقادة الكيان الإسرائيلي من محدودية فاعلية الاتفاقات التطبيعية الموسوم بالإبراهيمية؛ وعدم توافر حماسة أمريكية كافية لدعمها؛ مسألة وجدت تطبيقاتها العملية في الساعات القليلة الماضية على هامش لقاءات بايدن والأمير تميم؛ بل وعلى هامش المفاوضات النووية في فيينا التي بلغت حد الحديث عن إمكانية عقد مفاوضات مباشرة بين طهران وواشنطن.
معضلة حاول قادة الكيان الإسرائيلي التخفيف من وطأتها بالإعلان عن توقيع المزيد من التفاهمات مع دول الخليج العربي؛ كان آخرها الاتفاق الذي وقعه وزير الدفاع بيني غانتس في المنامة عاصمة البحرين يوم أمس الأربعاء للتعاون الأمني؛ وتفعيله للدور الإسرائيلي في القيادة المركزية الوسطى التي بات الكيان الإسرائيلي ضمن نطاق عملياتها؛ فزيارة غانتس لمقر القيادة المركزية والأسطول الخامس الأمريكي في البحرين جاءت لتكرس واقعا يخشى قادة الكيان الإسرائيلي أن يتحول إلى واقع نظري لا قيمة له على أرض الواقع .
الهواجس الإسرائيلية من تراجع الدعم الأمريكي حقيقية لا تعد خيالا؛ فالخوف من تراجع الاهتمام الأمريكي بالمنطقة العربية وتحول اهتماماتها نحو الصين وروسيا؛ دفعت الكيان الإسرائيلي وقادته إلى العمل بطاقة قصوى لمحاولة إعادة الاهتمام الأمريكي إلى المنطقة خوفا من الفراغ الذي تخشى إسرائيل الفشل في ملئه.
غانتس كرس زيارته للعاصمة المنامة لتكريس وهم المزاوجة بين النظري والتطبيقي؛ إذ شارك في مؤتمر معهد البحوث الأمينة برسالة مسجلة ركز فيها على التهديد الإيراني؛ وفي الآن ذاته كشف في المنامة قيام قوات الاحتلال الإسرائيلي بإجراء مناورات تحاكي هجوما على إيران بحضور ضابط أمريكي للمرة الأولى.
غانتس استعرض قدرته على خلط الأوراق في الإقليم عبر إجراءات متطرفة تعيد الاهتمام الأمريكي إلى الشرق كما أعادت أمريكا إلى أوروبا بعد أن كادت تغرق في تفاصيل المشهد في آسيا والباسفيك؛ استعراض لن يحظى بدعم أمريكي كبير فواشنطن تدرك بأن هناك قوى إقليمية وواقع سياسي في فلسطين يصعب تجاوزه بمجرد التوقيع على مزيد من الإتفاقات التطبيعية.
ختاما.. الهواجس الإسرائيلية من تراجع الدعم الأمريكي حقيقية لا تعد خيالا؛ فالخوف من تراجع الاهتمام الأمريكي بالمنطقة العربية وتحول اهتماماتها نحو الصين وروسيا؛ دفعت الكيان الإسرائيلي وقادته إلى العمل بطاقة قصوى لمحاولة إعادة الاهتمام الأمريكي إلى المنطقة خوفا من الفراغ الذي تخشى إسرائيل الفشل في ملئه.
hazem ayyad
@hma36
هل يعيد الغاز القطري المسال الصلابة للاستراتيجية الأمريكية؟
ناتو عربي-إسرائيلي مشبوه ينادي به مشبوهون!