ملفات وتقارير

ما حقيقة تورط جيش مصر بتجارة الأعضاء واختفاء 16 ألف مشرد؟

استبعد خبراء تحدثت معهم "عربي21" واقعية تلك المزاعم، من الناحية العلمية والمنطقية، فيما طالب آخرون بتحقيقات واسعة- جيتي

بعد أيام من إعلان الممثلة المصرية إلهام شاهين تبرعها، هي والكاتبة فريدة الشوباشي، والداعية خالد الجندي، بأعضائهم بعد وفاتهم؛ تحدث معارض مصري عن "جريمة كبرى"، على حد تعبيره، متمثلة في سرقة أعضاء نحو 16 ألف طفل مشرد، متهما الجيش بالتورط فيها.

 

وبينما استبعد خبراء تحدثت معهم "عربي21" واقعية تلك المزاعم، من الناحية العلمية والمنطقية، فإن آخرين طالبوا بتحقيقات واسعة، لا سيما في ظل وجود قرائن تدفع نحو مخاوف عميقة.

واتهم الناشط واليوتيوبر المعارض تامر جمال، الشهير بـ"عطوة كنانة"، النظام، عبر مقطع فيديو نشره مساء 7 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، بإخفاء أكثر من 16 ألف طفل شوارع ومشرد ومختل عقليا. 


وزعم جمال أن كل هؤلاء الأطفال تعرضوا لعملية سرقة لأعضائهم، مؤكدا أن تلك الجرائم تجري في مستشفى "القنطرة غرب" بمدينة الإسماعيلية برعاية الجيش والمخابرات الحربية والشرطة، وفق شهادات لأطباء وصلته من تلك المستشفى.

وربط الناشط الأمر بمجموعة قرارات اتخذها النظام، بينها احتكار الجيش استيراد كل ما يتعلق بمجال الصحة والطب عبر "لجنة الشراء الموحد" التابعة له، وذلك قبل قرار بإغلاق بنوك "القرنيات" في مستشفيات قصر العيني وعين شمس وروض الفرج، بدون سبب واضح.

 

"تسريب صوتي"

ونشر جمال ما قال إنه تسريب صوتي لأحد الأطباء في أحد مستشفيات مدينة السويس (شرق القاهرة) يؤكد فيه قيام السلطات بجمع أطفال الشوارع وفاقدي الأهلية، قبل إخفائهم.

وفي التسريب، قال الطبيب إنه منذ فترة يأتي إلى المستشفى عدد من أطفال الشوارع والمتسولين في عربات شرطة، ويتم سؤال طبيب الصحة بحقهم: هل هؤلاء مدركون أم غير مدركين (عقليا)؟، موضحا أنه من واقع الكشف يجري كتابة التقرير ثم تأخذهم سيارة الشرطة ثانية.

وتساءل الطبيب الذي لم يكشف عن هويته ولا اسم المستشفى الذي يعمل فيها: "إلى أين يذهب هؤلا؟ وما الهدف من سؤال طبيب الصحة عن حالتهم العقلية؟"، ليجيب بـ"لا نعرف"، مؤكدا أنها "ظاهرة ملاحظة مؤخرا ويعرفها كثير من الأطباء الحكوميين".

وبمجرد نشر المقطع، زعمت مصادر تامر جمال، أنه جرى تشديد أمني واسع بمحيط مستشفى "القنطرة غرب" الذي تجري فيه عمليات سرقة الأعضاء.


وبعد يومين من فيديو تامر جمال وتسريب الطبيب؛ نشرت صحف "الأهرام" و"الأخبار"، و"الجمهورية" و"اليوم السابع"، و"الشروق"، وغيرها من وسائل الإعلام المحسوبة على النظام، بشكل متزامن، نفي مصدر أمني من وزارة الداخلية -دون وزارتي الصحة أو التضامن- تورط الحكومة بسرقة وتجارة الأعضاء البشرية.

"قرائن"

وأثارت قرارات النظام بغلق بنوك القرنيات في مصر إثر حملة إعلامية ضدها رغم ما كانت تقدمه للمصريين من قرنيات مجانية، الكثير من الجدل، خاصة أنه تبعها بأشهر احتكار الجيش لجميع أعمال الاستيراد بمجال الصحة والدواء.

وأعلن عميد كلية طب قصر العيني الدكتور فتحي خضير، في آب/ أغسطس 2018، في حديث تليفزيوني، وقف الخدمة في بنك العيون بالمستشفى، مؤكدا أنه منذ سنوات، تم إغلاق بنك العيون بمستشفى "الدمرداش"، بعد حملة ممنهجة مماثلة لصالح شركات تستورد القرنيات.

وفي 31 آب/ أغسطس 2019، أصدر رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسى، القانون رقم 151 لسنة 2019 بإنشاء "الهيئة المصرية للشراء الموحد والإمداد والتموين الطبي"، برئاسة مدير "مجمع الجلاء الطبي" للقوات المسلحة اللواء بهاء الدين زيدان، ومنح الهيئة اختصاصات واسعة.

وباستطلاع جذور قصة اختفاء 16 ألف مشرد، نجد أن وزارة التضامن كانت أكدت أنها تعاملت مع 16 ألف طفل شوارع وجرى إيداعهم دور الرعاية، وفقا لتعليمات السيسي في شباط/ فبراير 2015، حينما أعلن رصد 100 مليون جنيه من صندوق تحيا مصر لاحتواء أطفال الشوارع.

وفي العام 2016، تمكن برنامج "أطفال بلا مأوى" التابع لوزارة التضامن من عمل تدخلات لـ16 ألفا و830 طفلا، مؤكدا أنه تم دمج 830 منهم في مؤسسات رعاية الأطفال وبعضهم جرى دمجه مع أسرهم وفق تقرير رسمي، ولكن دون الكشف عن مصير نحو 16 ألف طفل آخرين.
 
وبالبحث عن الأمر عبر الإحصاءات الرسمية، فإن دور الرعاية في مصر لا تتسع إلا لنحو 10 آلاف من المشردين، ولا يمكنها احتواء 16 ألف مشرد مع نزلائها القدامى الذين يشغلون نسبة 60 بالمئة وفق إحصاء رسمي، ما يدفع للتساؤل عن مصير 16 ألف مشرد اختفوا من الشوارع.

 

اقرأ أيضا: مصر تتحول إلى مركز عالمي لتجارة الأعضاء في عهد السيسي

 

ووفقا لتقرير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء (حكومي) عام 2016، فقد بلغ عدد المؤسسات الراعية للأطفال المحرومين من أسرهم 471 دارا، ترعى 9,729 طفلا، ما يكشف أن تلك المؤسسات لا يمكنها استيعاب الـ16 ألفا و830 طفلا الذين أعلنت وزارة التضامن عن إيوائهم.

وهو ما يؤكده تصريح في نيسان/ أبريل 2020، لوزيرة التضامن نيفين القباج، قالت فيه إن الوزارة يتبعها 449 دارا لرعاية الأيتام على مستوى الجمهورية تقوم برعاية ما يقرب من 10 آلاف طفل.

ولكن يبدو أن رقم الـ16 ألف مشرد تزايد مع مواصلة وزارة التضامن احتواء وجمع أطفال الشوارع والمشردين؛ ففي حزيران/ يونيو 2021، أكدت وزارة التضامن، أنه تم التعامل مع 21 ألفا و738 من الأطفال والكبار في وضعية بلا مأوى ومتسول ومريض نفسي أو عقلي.

وأوضحت الوزارة أنه تم دمج 2,938 طفلا بلا مأوى و583 من الكبار بلا مأوى مع أسرهم وفي مؤسسات رعاية، كما أنه تم التعامل مع 11 ألفا و774 طفلا عاملا في الشارع، وذلك من خلال 21 مؤسسة في 13 محافظة أهمها القاهرة والجيزة.

"سرقة الأعضاء مستحيلة"

وهنا يقول الأمين العام لنقابة الأطباء الدكتور إيهاب الطاهر، إن "الدولة طبعا غير متورطة بنفسها فى موضوع تجارة الأعضاء، ولكنها تتحمل جزءا من المسئولية عن موضوع انتشار ظاهرة تجارة الأعضاء".

وفي حديث لـ"عربي21"، تابع الطاهر: "أتحدث عن (تجارة) الأعضاء وليس (السرقة) كما يتوهم البعض، ومستحيل علميا سرقة عضو شخص دون علمه لزراعته بحسد آخر، فهناك فحوص كثيرة للدم والأنسجة قبل زراعة أي عضو لضمان التوافق، وتستغرق نتائج الفحوصات نحو أسبوع".

ويستدرك بالقول: "لكن زراعة أي عضو بعد استخراجه من الجسم يجب أن تتم خلال ساعات، وبالتالي ليس هناك بنوك لحفظ الأعضاء (باستثناء القرنية)، وبالتالي (حال سرقة عضو من جسم دون علم صاحبه) فلا يمكن علميا الاحتفاظ بهذا العضو لمدة أسبوع لحين ظهور نتائج التحاليل".

ويجزم أمين نقابة الأطباء المصريين بأن "العضو سيفسد، وطبعا من المستحيل محاولة زراعته دون ظهور نتائج تحاليل التوافق، وبالتالي فإنه علميا من المستحيل (سرقة) الأعضاء" بالجملة.

ويقول: "ما ذكره التسريب المنسوب لطبيب بالسويس ويدعي فيه اختفاء 16 ألف من أطفال الشوارع، ملمحا إلى أن هذا قد يكون لسرقة الأعضاء؛ فانني أشك في أن هذا الحديث صادر من طبيب، لأن الأطباء يعلمون جيدا أن سرقة الأعضاء مستحيلة".

لكن الطاهر أكد في المقابل انتشار ظاهرة الاتجار بالأعضاء، محملا الدولة جزءا من المسؤولية، "نظرا لعدم تفعيل قانون نقل الأعضاء من المتوفين حديثا مثلما يحدث بمعظم دول العالم ومنها دول عربية مثل السعودية".

ويوضح أن "نقل الأعضاء من المتوفين حديثا سيوفر أعضاء كثيرة؛ ما يحد من ظاهرة تجارة الأعضاء، وحيث أن نقل الأعضاء بين الأحياء ممنوع إلا بين الأقارب فقط فتنتشر الظاهرة مع التلاعب بالأوراق ليظهر المتبرع وكأنه قريب للمريض على خلاف الحقيقة".

وأشار الطاهر إلى أن "تجارة الأعضاء عادة تتم بموافقة المتبرع لاحتياجه للمال؛ ولكن أحيانا يحدث خلاف على الأجر بين المتبرع والسمسار بعد انتهاء العملية، ومن هنا يشكو المتبرع من سقوطه ضحية لسرقة الأعضاء، ولكن الحقيقة أن هنالك تجارة بموافقته وبالمخالفة للقانون".

ويلفت إلى أن "موضوع القرنيات مختلف لأنه يمكن حفظها لحين زراعتها، ولأن القانون السابق كان يسمح لمستشفيات الحكومة أخذ قرنية المتوفى دون علم أهله، وبالتالي كان يتم ذلك أحيانا ليس بغرض الاتجار ولكن لزراعتها بمريض يحتاجها، لكن القانون الحالي فرض موافقة الأهل".

وأعرب أمين نقابة الأطباء عن اعتقاده بأن "حل مشكلة تجارة الأعضاء تكمن في تفعيل نقل الأعضاء من المتوفين حديثا، وعمل حملات إعلامية لإقناع مواطنين بالتسجيل بوزارة الصحة كمتبرعين، ويتم عمل الفحوصات المطلوبة في حياتهم، وتؤخذ أعضاءهم بمجرد الوفاة وزراعتها لمرضى مسجلين بالوزارة".

ويختم الطاهر بالقول: "أما مجرد محاولة محاربة ظاهرة تجارة الأعضاء دون وضع حلول واقعية فهي مثل دفن الرؤس بالرمال، لأنه يوميا تتم حالات تجارة أعضاء بموافقة المتبرع والمريض، وعادة لا يقوم أحد بالشكوى إلا إذا حدثت مشكلة أو خلاف بينهم".

"لا بد من تحقيق"

وفي تعليقه على التسريب، يقول "محمد فؤاد"، المدير التنفيذي لـ"المركز المصري لحماية الحق فى الدواء"، إن "هذا الحديث يحتاج إلى التوثيق من المصدر نفسه"، لافتا إلى أنه لا يمكن الجزم بصحة ما جاء فيه أو نفيه على علته دون التأكد.

ويوضح لـ"عربي21"، أن "تجارة الأعضاء جريمة دولية، والعالم يكافحها سواء بسن قوانين تتيح نقل وزراعة الأعضاء مثل القانون المصري الأخير، أو تغليظ العقوبات".

وتابع فؤاد بأن "مصر من الدول التي تشهد من آن لآخر القبض علي متهمين بسبب موضوع اختفاء الأطفال، ولا أعتقد أن التصور المعروض بالفيديو صحيح لأن عملية نقل وزراعة الأعضاء أو سرقتها ليس بهذه البساطة ومعقدة جدا علميا".

ويوافقه الرأي رئيس لجنة الصحة بمجلس الشورى سابقا الدكتور عبدالغفار صالحين، بقوله لـ"عربي21": لا أستطيع التعليق على القصة دون صدور بيانات أو دلائل أو عمل تحقيق صحفي استقصائي يؤكد الجريمة أو ينفي حدوثها".

ويؤكد أن "ذلك الحديث سيظل مجرد تخمينات يستطيع إعلام وسائل التواصل الاجتماعي أو حتى الإعلام التليفزيوني تناولها من باب التساؤل والتعجب، وليس من باب التحقق والتأكد".

وهو ما ذهب إليه المسؤول السابق بوزارة الصحة الدكتور مصطفى جاويش، مؤكدا لـ"عربي21" أن ما طرحه عطوة كنانة من تسريب حول تورط الجيش والشرطة في تجارة الأعضاء وذكره أسماء مستشفيات بعينها "لا يوجد دليل عليه".

أين الصحة والتضامن؟

وتوجهت "عربي21" بتساؤلاتها حول القصة لوكيل مجلس نقابة الأطباء الأسبق الدكتورة منى مينا، إلا أنها أكدت أنه ليس عندها أي معلومات عن الموضوع.

وقالت مينا إن الإجابة عن أي تساؤلات، حول وضع مصر في هذا الملف الخطير، والرد على ما جاء بالتسريب الذي ذُكر فيه اسم مستشفى "القنطرة غرب"، والتأكد مما يحدث في مستشفى تابعة للوزارة؛ يرجع جميعه لوزارة الصحة ونقابة الأطباء.

وتواصلت "عربي21"، مع المتحدث باسم وزارة الصحة الدكتور خالد مجاهد، والمتحدث باسم وزارة التضامن الاجتماعي الدكتور محمد العقبي، إلا أنهما لم يردا على التساؤلات المطروحة حتى كتابة هذه السطور.

"أكبر شبكة بالعالم"

ومن آن لآخر يتفجر ملف تجارة الأعضاء في مصر، إذ أنه وفي كانون الأول/ ديسمبر 2016، أوقفت السلطات المصرية أكبر شبكة دولية للاتجار بالأعضاء البشرية في العالم، بالقبض على 45 شخصا، بينهم أطباء وأكاديمييون واممرضات ومشترون للأعضاء ووسطاء مصريون وعرب.

وعثرت "هيئة الرقابة الإدارية" على ملايين الدولارات وسبائك ذهبية بحوذة المتهمين الذين وجهت لهم حينها تهم الضلوع في تجارة الأعضاء البشرية، واستغلال فقر بعض المواطنين لشراء أعضائهم وبيعها بأسعار باهظة.

وصنفت "منظمة الصحة العالمية" مصر ضمن أخطر 5 دول بملف الاتجار بالأعضاء البشرية، فيما قالت "الأمم المتحدة" إن مئات المصريين يلجأون لبيع الكلى والأكباد مقابل المال لتحسين أحوالهم المعيشية.

وتؤكد البيانات أن مصر تحتل المركز الأول بالشرق الأوسط في تجارة الأعضاء، ووصفتها مجلة "نيويورك تايمز" الأمريكية في إحصاء أجرته كانون الأول/ ديسمبر 2016 بأنها "مركز عالمي لتجارة الأعضاء البشرية".

وفي إحصائية لـ"التحالف الدولي لمكافحة تجارة البشر" منتصف 2017، فقد ظهر أن مصر تحتل المركز الثالث عالميا في تجارة وزراعة الأعضاء البشرية، بعد الهند والصين، وأنها تشهد سنويا 1500 عملية زراعة أعضاء غير قانونية.