ملفات وتقارير

ماذا تقول "وثائق باندورا" عن العاهل الأردني وزعماء آخرين؟

طالت الوثائق العشرات من الزعماء والسياسيين ورجال الأعمال والمؤثرين حول العالم- بترا

كشفت وثائق سرية مسربة عن إنفاق عاهل الأردن، الملك عبد الله الثاني، أكثر من 100 مليون دولار لشراء عقارات في الولايات المتحدة وبريطانيا، من بين العشرات من الزعماء والقادة الذين مارسوا أعمالا مالية سريّة خلال السنوات والعقود الماضية.

 

وأفرد موقع الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين تقريرا موسعا للنظر في الوثائق المتعلقة بالعاهل الأردني، من بين 11.9 مليون وثيقة، أعلن الاتحاد عن تسريبها، مطلقا عليها اسم "باندورا"، ووصفها بأنها أكبر عملية فضح للأسرار المالية حول العالم.

 

وطالت الوثائق العشرات من الزعماء والسياسيين ورجال الأعمال والمؤثرين حول العالم، وبرز من بينهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والأذري إلهام علييف ورئيس الوزراء الباكتساني عمران خان.

وبحسب تقرير الاتحاد فإن المستندات المالية المسربة تحدد شبكة من الشركات المملوكة له، سرا، والتي استخدمها الملك عبد الله لشراء 15 منزلا منذ توليه السلطة في عام 1999.


لكن شبكة "بي بي سي" البريطانية نقلت عن محامي العاهل الأردني تأكيدهم أنه استخدم ثروته الشخصية لشراء المنازل، ولم يكن هناك شيء غير لائق بشأن استخدامه لشركات خارجية للقيام بذلك.

 

 

إلا أن الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين أشار في سياق تسليطه الضوء على الوثائق المتعلقة بـ"إمبراطورية الملك الأردني العقارية"، كما وصفها، إلى تلقي بلاده سنويا الكثير من المساعدات الدولية، وخاصة من الولايات المتحدة وبريطانيا.

وينظر إلى الملك عبد الله على أنه حليف غربي "معتدل" في الشرق الأوسط، لكن مصالحه العقارية تراكمت بين عامي 2003 و2017، في الوقت الذي شهدت فيه البلاد منحى متصاعدا للتقشف وزيادة الضرائب، فضلا عن الاحتجاجات المطالبة بإصلاحات ديمقراطية بالبلاد.

 

نقض لتقاليد الكويت

 

وبحسب الوثائق، فإن الأمير الكويتي الراحل صباح الأحمد الجابر الصباح وأبناؤه يمتلكون واحدة من أكبر إمبراطوريات الاقتصاد في بلادهم والخليج، وربما حتى في الشرق الأوسط.

 

وتوضح الوثائق أن تلك الإمبراطورية متمثلة بشركة مشاريع الكويت القابضة "كيبكو" KIPCO، حيث أماطت تسريبات "وثائق باندورا" اللثام عن تفاصيل ملكيّة الأمير الراحل وأبنائه لـ"القطار الذي لا يقف في وجهه أحد"، على حد تعبير مصدر قريب من عالم المال والأعمال في الكويت طلب عدم كشف هويته.

ورغم أن تقاليد البلد تفرض على أمرائها تجنب العمل التجاري، إلا أن الوثائق كشفت عن انتهاكه من خلال العديد من المشاريع والمساهمات والشركات المملوكة سرا للعديد من الأمراء.

أسرار زعماء آخرين

 

ويربط التسريب أيضا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بأصول سرية في موناكو، فيما وجدت الوثائق أن رئيس الوزراء التشيكي أندريه بابيس، الذي سيواجه انتخابات في وقت لاحق هذا الأسبوع، لم يعلن عن استخدام شركة استثمار تتخذ من ملاذ ضريبي مقرا لها، لشراء فيلاتين مقابل 12 مليون جنيه إسترليني في جنوب فرنسا.

 

وتسلط الوثائق الضوء على عدم قيام الحكومة البريطانية بإعداد سجل لأصحاب العقارات من أصحاب الشركات التي تتخذ من الملاذات الضريبية مقرا لها، على الرغم من الوعود المتكررة للقيام بذلك، وسط مخاوف من أن بعض مشتري العقارات قد يخفون أنشطة غسيل الأموال.

 

اقرأ أيضا: ترقب للكشف عن ملايين الوثائق في أكبر "فضح للسريّة المالية"


ومن الأمثلة على ذلك الرئيس الأذري إلهام علييف وعائلته، الذين يتهمون من قبل معارضين بنهب بلدهم.


ووجد التحقيق أن آل علييف وشركاءهم المقربين، متورطون سرا في صفقات عقارية في بريطانيا، تبلغ قيمتها أكثر من 400 مليون جنيه إسترليني.


وقد يكون هذا الكشف محرجا للحكومة البريطانية، إذ يبدو أن آل علييف قد حققوا ربحا قدره 31 مليون جنيه إسترليني، بعد بيع أحد ممتلكاتهم في لندن إلى كراون ستيت، وهي إمبراطورية الملكة العقارية التي تديرها وزارة الخزانة وتجمع من خلالها الأموال للأمة.


ولا تنطوي العديد من المعاملات الواردة في الوثائق على مخالفات قانونية.


لكن يقول فيرغوس شيل، من الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين: "لم يكن هناك أي كشف بهذا الحجم على الإطلاق، ويظهر حقيقة ما يمكن أن تقوم به الشركات التي تتخذ من الملاذات الضريبية مقرا لها، لمساعدة أناس على إخفاء الأموال المشبوهة أو تجنب الضرائب".

 

وأضاف قائلا: "إنهم يستخدمون تلك الحسابات الخارجية وتلك الصناديق الائتمانية الخارجية، لشراء عقارات بمئات الملايين من الدولارات في بلدان أخرى، ولإثراء عائلاتهم، على حساب مواطنيهم".

 

وأوضحت الوثائق كيف تمكن رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير وزوجته من التهرب من دفع 312 ألف جنيه إسترليني، من رسوم الدمغة عندما اشتريا مكتبا في لندن.


فقد اشترى الزوجان شركة تتخذ من ملاذ ضريبي مقرا لها، وتلك الشركة تملك المبنى.


ويعتقد الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين أن التحقيق "يفتح صندوقا يحتوي على الكثير من الأشياء"، ومن هنا جاء اسم أوراق باندورا (في إشارة إلى أسطورة صندوق باندورا الذي يخفي الكثير من الشرور في الميثالوجيا الإغريقية).

 

وشارك في التحقيق الكبير مئات الصحفيين من حول العالم ومؤسسات صحفية مختلفة، فيما يقول الاتحاد إن الملفات تطال أشخاصا وكيانات في جميع دول العالم، مؤكدا أنه أكبر كشف من نوعه في العالم.

 

 

الوثائق تطال لبنان

 

ظهر اسم رئيس الحكومة اللبنانية الجديد نجيب ميقاتي في هذه الوثائق، وكذلك سلفه حسان دياب وغيرهما مئات من الأسماء اللبنانية، من بينهم سياسيين ومصرفيين ورجال أعمال مقربين من النظام.

 

وتصدّر لبنان لائحة عدد شركات الأوف شور التي تأسّست عبر شركة Trident Trust، علما أن الأخيرة هي أكبر مزود للوثائق المسربة في سياق مشروع وثائق "باندورا".

 

لكن المفارقة اللبنانية في هذه الملفات لا تقتصر على ذلك، إنما بحقيقة أخرى مذهلة كشفتها الوثائق، وتتمثل في أن لبنان المنهار ماليا واقتصاديا، والذي لامست الكارثة فيه حدود المجاعة وأصابت كل قطاعاته، وأفضى الفساد فيه إلى ثاني أكبر انفجار غير نووي في التاريخ، لبنان هذا، يسابق دول العالم لجهة لجوء سياسييه ومصرفييه ورجال أعماله إلى تسجيل شركاتهم في الجنات الضريبية. 


من بين 14 مزودا للملفات المسربة، وعددها نحو 12 مليون وثيقة، كانت شركة   “Trident Trust” الشركة الأكبر من بينها، إذ بلغ عدد الوثائق المسربة منها نحو 3  ملايين وثيقة، ولبنان سبق الدول من حيث لجوء “أوليغارشييه” إلى هذه الشركة لتسجيل شركاتهم في الملاذات الضريبية. فبينما حلت بريطانيا في المرتبة الثانية في قائمة زبائن الشركة بـ 151 ملفاً، حل لبنان في المرتبة الأولى بـ346  ملفاً، لجأ أصحابها اللبنانيون إلى “Trident Trust” لتسجيل شركاتهم في الملاذات الضريبية. العراق حل ثالثاً بـ 85 ملفاً، وهو البلد الغارق بفساد طبقته السياسية، على رغم أن الأرقام تكشف أن الأخيرة حديثة نعمة لجهة خبرات إخفاء الثروات وتهريبها إلى الخارج، لا بل إن تبادلاً للخبرات في مجال الفساد يجري على قدم وساق بين البلدين اللذين تتمتع إيران بنفوذ كبير فيهما. 


ففي سياق تقصي قصص سياسيين ورجال أعمال لبنانيين ممن وردت أسماؤهم في الوثائق، تم اكتشاف أن عددا منهم امتدت نشاطاته إلى العراق عبر تسهيلات من الفصائل المسلحة المدعومة من إيران أو عبر شراكات مع رجال أعمال عراقيين، ممن أصابتهم العقوبات الدولية بسبب سجلاتهم في الفساد فلجأوا إلى واجهات لبنانية، والعكس صحيح أيضاً، ذاك أن لبنانيين صدرت بحقهم عقوبات أمريكية عثرنا على أثر لاستثمارات لهم في العراق، وفق ما أورده مكتب "درج" في بيروت.

 

في وثائق “باندورا” أسماء لرئيسيّ حكومة لبنانيين، حالي وسابق، هما نجيب ميقاتي وحسان دياب، ومستشار لرئيس الجمهورية، هو النائب السابق أمل أبو زيد، ووزير سابق ورئيس حالي لمجلس إدارة مصرف هو مروان خير الدين، وغيرهم من أصحاب محطات تلفزيونية كتحسين خياط، ومصرفيين مثل سمير حنا.


 وتذهب الوثائق بنا إلى شبهات ترتبط بنقل أموال خلال فترة الـ”كابيتال كونترول” إلى خارج لبنان واستعمالها لشراء منازل وعقارات في بريطانيا وأميركا ودول أخرى، كما هي حال مروان خير الدين، ففي الوقت الذي كانت المصارف اللبنانية تُطمئن مودعيها إلى أن ودائعهم بخير ولن تُمس، أي في أوائل العام  2019 وكان خير الدين ضيفاً دائماً على المحطات التلفزيونية ومدافعاً عن سياسات حاكم مصرف لبنان رياض سلامة المالية، كان يؤسس شركة في الملاذات الضريبية ليشتري عبرها يختاً بقيمة 2 مليون دولار أميركي، وهو اشترى في هذه الفترة منزلاً في نيويورك بقيمة 9 مليون دولار من نجمة هوليوود جانيفر لورانس. 


جرى ذلك قبل الـ”كابيتال كونترول” بقليل، وهو ما يدفع إلى الارتياب بأن الرجل كان يهرب أمواله في الوقت الذي كان يدعو فيه اللبنانيين إلى عدم الخوف على ودائعهم! 


كما كشفت الوثائق شراكات هدفها تسهيل عملية التهرب من عقوبات دولية على ما يشير الملف المرتبط بأمل أبو زيد، كما يأخذنا الملف المرتبط به إلى تقاطعات المصالح التي يمثّلها الرجل بين الشركات الروسيّة والتيار العوني والنظام السوري، وعمله الطويل في مجال وسائل الدفع وتحويل الأموال. وهنا أيضاً تحضر شركات في الملاذات الضريبية لمن استهدفتهم العقوبات الأمريكية بتهم تبييض أموال لصالح حزب الله مثل قاسم حجيج وصالح عاصي.