أثارت توقعات الناطق باسم اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية في الأردن، مهند مبيضين، بحصول ردات فعل على مخرجات اللجنة "عند بعض من يرفضون الإصلاح والتغيير والتحديث" تساؤلات حول مصير هذه المخرجات، والعوائق التي قد تقف في طريقها، ومدى جدية "قوننتها" وتنفيذها على أرض الواقع.
هذه التساؤلات لم تأتِ من فراغ، فهي حصيلة الجدل الدائر في الساحة الأردنية، والذي يشكك في مخرجات اللجنة والقائمين عليها، إلى حد دعا فيه البعض إلى عدم تمريرها، باعتبار أنها لا تمثل التوازنات الحقيقية داخل المجتمع، وأنها منحت الأحزاب حصة كبيرة في البرلمان لا تعادل وزنها الحقيقي، واستهدفت العشائر والجهويات، كما يقولون.
وفي هذه الأجواء التي تنذر بابتداء معركة قوية داخل المنظومة السياسية، وفق مراقبين، يبرز مجددا مصطلح "قوى الشد العكسي" التي تمثل في العرف السياسي الأردني التيار المحافظ الذي يسعى للحفاظ على الوضع الراهن، ويكرس الواقع شبه الريعي للدولة، والذي يساعد هذه القوى على احتكار السلطة والمال.
وفي حين يرى مراقبون أن "قوى الشد العكسي" حاضرة "بقوة" في صناعة مخرجات اللجنة الملكية؛ يرى آخرون أن هذه القوى ستسعى إلى إعاقة الدورة الدستورية لهذه المخرجات، وتوظف حالة اليأس العام والعزوف الشعبي؛ لإضعاف الحالة السياسية بشكل متزايد، ووضع العصي في دواليب الإصلاح والتغيير.
ضمانة ملكية
وفي هذا السياق؛ قال عضو اللجنة الملكية، المحافظ السابق رائد العدوان، إن مخرجات اللجنة لن ترضي الجميع، وخصوصا أنها تتضمن ما يمس بعض الأشخاص الذين يتمتعون بمزايا في ظل التشريعات الحالية.
وأضاف لـ"عربي21" أن من هذه المخرجات؛ تخصيص نحو 30 بالمئة من مقاعد البرلمان للأحزاب أو الائتلافات الحزبية على مستوى الوطن، وجعل نسبة الحسم في الانتخابات (ما يُعرف بالعتبة) 2.5 بالمئة للقائمة الوطنية، و7 بالمئة للقائمة المحلية، واشتراط الحصول على المؤهل الجامعي لمن يرغب بالترشح لرئاسة البلدية ومجالس المحافظات.
وحول الموقف الحكومي المتوقع من مخرجات اللجنة الملكية؛ رأى العدوان أنه "لا يُعقل ألا تأخذ حكومة الملك رسالته بجدية"، مشيرا إلى أن ما يميز هذه اللجنة عن سابقاتها أنها "الوحيدة التي نص الملك في رسالته التكليفية بتشكيلها بأنه يضمن مخرجاتها لدى الحكومة".
وجاء في رسالة الملك الأردني عبد الله الثاني بن الحسين، التي وجهها لرئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي في 10 حزيران/يونيو، وعهد له فيها بتشكيل اللجنة، قوله: "إنني أضمن أمام الأردنيين والأردنيات كافة؛ أن نتائج عملكم ستتبناها حكومتي، وتقدمها إلى مجلس الأمة فورا، ودون أي تدخلات أو محاولات للتغيير أو التأثير".
وبيّن العدوان أن "أهم عائق أمام مخرجات اللجنة الملكية أزيل بالفعل، وهو تباين الطروحات والأفكار وتوجهات أعضاء اللجنة، والذي أزاله رئيس اللجنة عبر الحوار والاتفاق والتوافق على هذه المخرجات".
وفيما إذا كان يتوقع أن يرد مجلس النواب بعض مخرجات اللجنة؛ اكتفى العدوان بالقول إن "المجلس صاحب ولاية، ولديه من الخبرات القانونية والسياسية والإدارية ما يمكنه من أن يجوّز أو يعدل على هذه المخرجات، لكننا نتفق جميعا أننا أمام مئوية جديدة للدولة، ولا بد من تحديث المنظومة لما فيه خير البلاد والعباد".
"العرف النيابي" مع الحكومة
ويتوجب في حال أرادت الحكومة الأردنية تمرير مخرجات اللجنة الملكية بناء على ضمانة الملك؛ أن تتبناها كمشاريع قوانين، وترسلها لديوان الرأي والتشريع، ثم إلى مجلس النواب ليصار إلى إقرارها، ومن ثم إلى مجلس الأعيان للموافقة عليها، ويوشح بعد ذلك بالإرادة الملكية، ثم يُنشر بالجريدة الرسمية ليصبح قانونا نافذا.
ويرجح مراقبون ومحللون أن يمرر مجلس النواب مخرجات اللجنة الملكية، تساوقا مع إرادة الملك وحكومته، رغم أن بعض المخرجات قد تمس المستقبل النيابي لبعضهم في انتخابات قادمة.
ويرى عضو البرلمان النائب محمد أبو صعيليك، أن عرف المجلس الحالي جرى على عدم رد القوانين القادمة من الحكومة، لافتا إلى أن التعديلات التي يجريها المجلس لا تعدو أن تكون إضافة كلمة أو حذف أخرى، أو إعادة الصياغة من الناحية اللغوية، ولا تتعرض لأصل المضمون.
وقال أبو صعيليك لـ"عربي21" إن التجارب السابقة مع اللجان لا تبشر بخير، فهذه اللجنة الملكية الرابعة التي يتم تشكيلها على مدار السنوات الأخيرة، وجميع مخرجات هذه اللجان ما زالت في أدراج الحكومة.
واستدرك: "الجميع يعول على ضمانة الملك لهذه المخرجات، والأصل الطبيعي أن تقوم الحكومة بطرحها على صيغة قانون يُحال لمجلس النواب لمناقشته وتهذيبه والتصويت عليه".
وحول الحديث عن مخاوف من تدخل ما يسمى بـ"قوى الشد العكسي" لإعاقة قوننة مخرجات اللجنة؛ أكد أبو صعيليك أن "هذه القوى كانت حاضرة بقوة في اللجنة نفسها، ولا يمكن أن تخرج توصياتها إلى النور دون أن توافق عليها هذه القوى".
وأضاف أن "المشكلة ليست متعلقة بإقرار مخرجات اللجنة من عدمه، وإنما هي في تطبيقها بنزاهة ومصداقية، دون أن تمتد إليها الأيدي العابثة لتشوهها"، لافتا إلى أن السؤال الأهم هو "هل تستطيع قوى الشد العكسي أن تلتزم الحياد، ولا تعيق تطبيق هذه المخرجات بالطريقة التي تحقق النزاهة والعدالة؟".
اقرأ أيضا: "اللجنة الملكية" بالأردن تكشف عن مقترح قانون انتخاب جديد
الشكوك قائمة
وتبقى الشكوك قائمة في تحقيق تحديث المنظومة السياسية الذي تنشده اللجنة الملكية؛ طالما لم يرافق مخرجاتها بيئة سياسية تساعدها على أن تؤتي ثمارها، وفق الكاتب والمحلل السياسي رامي عياصرة.
وقال عياصرة لـ"عربي21" إن المزاج السياسي العام للمواطن لا يثق بمخرجات اللجنة، وخصوصا مع ما يراه من تغول السلطة التنفيذية على الحريات العامة، والتضييق على الناشطين والسياسيين والصحفيين وحرية الرأي والتعبير.
والأحد؛ أظهر استطلاع أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، أن 68 بالمئة من الأردنيين لا يثقون باللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، وتزامن ذلك مع بيان أصدرته 111 شخصية وطنية، وصفت فيه مشاريع الإصلاح التي تطرحها الجهات الرسمية بأنها "مفرغة من مضمون الإصلاح".
وأضاف عياصرة أن "التحدي القائم أمام صاحب القرار وجميع أجهزة الدولة، يتمثل في إقناع المواطن الأردني بأننا مقبلون على مرحلة جديدة، تشمل تنمية العمل الحزبي، ورفع القيود الأمنية المفروضة عليه؛ بما ينعكس إيجابا على شكل البرلمان القادم".
وحذر من دور "قوى الشد العكسي" في إعاقة أي محاولة للإصلاح في البلاد، داعيا صانع القرار إلى "إشراك القوى الوطنية في صياغة حالة سياسية جديدة، وصناعة إسناد شعبي لتطبيق المخرجات الإصلاحية على أرض الواقع".
وحول السلوك المتوقع من قبل مجلس النواب تجاه مخرجات اللجنة الملكية؛ اكتفى عياصرة بالتأكيد أن "أي تغيير جوهري سيقوم به النواب على هذه المخرجات؛ سيؤدي بالضرورة إلى نسف عمل اللجنة من أساسه".
ويشكك الكاتب والمحلل السياسي عبد الله المجالي، في سهولة تمرير مجلس النواب للقوانين المقترحة من قبل اللجنة الملكية، "وخصوصا أنها تؤثر على فرصة العديد من النواب بالعودة إلى المجلس".
ويقول في مقالة نشرها مؤخرا: "لا شيء مضمون، فحَمْلةٌ منسقة وموجَّهة عبر مواقع التواصل الاجتماعي يمكن أن تحدث فرقا، وهناك جهات قادرة على تنظيم مثل تلك الحملات وتوجيهها، خصوصا إذا استغل هؤلاء مخاوف بعض العشائر من أن تفقد فرصها في الوصول إلى مجلس النواب".
الأردن وسوريا.. هل يصلح الاقتصاد ما أفسدته السياسة؟
عين الأردن على القتال في درعا.. مخاوف من موجة لجوء جديدة
هل ينضم الاحتلال إلى مشروع "الشام الجديد"؟